
أعمال العنف ضد دروز السويداء تعزّر مخاوف الأقليات في سوريا

عزّزت أعمال العنف في السويداء مخاوف الأقليات في سوريا، بعدما أظهرت أن السلطات الانتقالية تسعى، بحسب محللين، الى “إخضاع” الطائفة الدرزية في إطار محاولتها بسط سيطرتها على كامل أراضيها، عقب أحداث مماثلة طالت مكوّنات أخرى.
وأدّت أعمال العنف في المحافظة ذات الغالبية الدرزية الواقعة في جنوب البلاد، إلى مقتل أكثر من 1200 شخص خلال أسبوع، الجزء الأكبر منهم دروز، ما أثار تساؤلات حول قدرة السلطات على إدارة التوترات الطائفية وبسط الأمن.
ويرى المحلل المتخصص في الشأن السوري والمحاضر في جماعة ليون 2 الفرنسية فابريس بالانش أن السلطات “فتحت باب العنف الطائفي على المجهول”.
– أي مخرج لدروز السويداء؟ –
اندلعت الاشتباكات في 13 تموز/يوليو بين مسلحين محليين وآخرين من البدو، وسرعان ما تطورت الى مواجهات دامية تدخلت فيها القوات الحكومية ومسلحو العشائر إلى جانب البدو، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان وشهود ومحللين.
ويرى جمال منصور أستاذ العلوم السياسية في جامعة تورونتو الكندية، والموجود حاليا في دمشق، أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع ارتكب “خطأ كبيرا” في “محاولته إخضاع الدروز”، مستخدما لهذا الغرض العشائر التي تشكّل جزءا من قاعدته الشعبية.
ويسأل بالانش “تحريك العشائر ضد الدروز سهل، لكن كيف يمكن ضبطها بعد ذلك؟”.
وتدخّلت اسرائيل التي تقدم نفسها حامية للدروز وسبق لها أن حذّرت السلطات الانتقالية من أنها لن تسمح لها بنشر قواتها في جنوب سوريا، في الصراع. وشنّت في الأيام الأولى ضربات طالت القصر الرئاسي ومقر هيئة الأركان في دمشق وأهدافا عسكرية في السويداء.
وسمح وقف إطلاق نار أعلنته الولايات المتحدة بين دمشق وإسرائيل ليل السبت، بعودة قوات الأمن السورية إلى محافظة السويداء، لكنها لم تدخل بعد المدينة مركز المحافظة.
ولم تتمكن السلطات عمليا من إخضاع الفصائل الدرزية المتباينة في مواقفها إزاء دمشق، والتي لا تأتمر بسلطة سياسية أو مرجعية دينية واحدة.
وباتت تلك الفصائل مطوّقة عمليا بالقوات الحكومية وحلفائها من مقاتلي العشائر المنتشرين في أنحاء عدة من المحافظة، حيث لا يزال التوتر قائما رغم صمود اتفاق وقف إطلاق النار منذ أعلنته الرئاسة السورية الأحد.
ومنذ إطاحة حكم بشار الأسد قبل أكثر من سبعة أشهر، أجرت السلطات محادثات مع الفصائل الدرزية، لكن الاشتباكات الأخيرة التي تخللتها انتهاكات واسعة بحقّ مدنيين، قد تدفع المقاتلين الدروز إلى التمسك بسلاحهم.
ويقول منصور المتخصص بالدراسات السورية والاسرائيلية إن الرئيس الانتقالي “أمام خيارين: أن يواصل بإصرار محاولة إخضاع الدروز”، أو يتراجع عن ذلك.
– سلسلة من أعمال العنف –
جاءت أحداث السويداء بعد أعمال عنف مشابهة على خلفية طائفية شهدتها منطقة الساحل بغرب البلاد في آذار/مارس، وأسفرت عن مقتل نحو 1700 مدني غالبيتهم الساحقة من الأقلية العلوية، بحسب المرصد السوري.
ويرى بالانش أن ما شهدته السويداء “تكرار للسيناريو ذاته: الرغبة في إخضاع الأقليات” لكن “الفارق أن الدروز مسلحون جيدا ومحميّون من اسرائيل”.
واتُهمت قوات الأمن ومجموعات مسلحة وجهاديون أجانب بارتكاب مجازر في الساحل. وأعلنت لجنة التحقيق الوطنية في تلك الأحداث الثلاثاء أنها حددت هوية 298 شخصا متورطين في أعمال عنف وتحققت من “انتهاكات جسيمة”، راح ضحيتها 1426 علويا تحققت من أسمائهم.
ويعيش المسيحيون كذلك في حالة من الخوف لا سيما بعد هجوم انتحاري استهدف كنيسة في دمشق، أسفر عن مقتل 25 شخصا على الأقل، واتهمت دمشق تنظيم الدولة الإسلامية بتنفيذه.
– ماذا عن الأكراد؟ –
يشكّل مستقبل مناطق نفوذ الأكراد في شمال وشرق سوريا أكبر التحديات التي تواجهها الحكومة الانتقالية في إطار سعيها لبسط سلطتها على كامل أراضيها.
ويجري الأكراد، ممثلين بقائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي، مفاوضات مع دمشق بهدف التوصّل إلى صيغة لدمج قواتهم العسكرية ومؤسساتهم المدنية في إطار مؤسسات الدولة.
وتوصّل الطرفان إلى اتفاق برعاية أميركية في آذار/مارس، يقضي خصوصا بـ”دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”.
لكن بنود الاتفاق لم تنفّذ بعد.
وبعد الأحداث في السويداء، دعا المسؤول الكردي البارز بدران جيا كورد السلطات الانتقالية إلى “مراجعة شاملة وعاجلة لنهجها في التعامل مع الداخل السوري” والمكوّنات الأخرى.
ويشرح المحلل جمال منصور بأن أعمال العنف في الجنوب “أثّرت بالفعل على المفاوضات مع الأكراد”.
ويوضح بأنه سبق للأميركيين الراعين للمحادثات أن طلبوا من الأكراد “تقديم تنازلات”، لكن “الآن بات الأميركيون مرغمين على الإصغاء إلى الأكراد”.
اط/لو/لار/كام