
المؤتمرات البلدية: هنا يقرّر الشعب السويسري ما يحدث على عتبة داره

في الكثير من المؤتمرات البلدية السويسرية، يتخذ حشد محلي من الناخبين والناخبات القرارات في الشؤون المحلية، بدلًا عن البرلمان. فكيف يعمل هذا النظام؟
يجتمع هذا الحشد لاتخاذ قرارات بشأن بعض المسائل السياسية التي تمسه، ويبدو هذا تحقيقًا للديمقراطية المباشرة كما يجب أن تكون. ووفقًا للخبير السياسي، فيليب روشا: “إن ديمقراطية المؤتمرات ليست الأقدم فحسب، بل الأكثر مباشرةً من بين التنظيمات الديمقراطية العامة”.
فهي تقوم على فكرة التقاء جميع المشاركين والمشاركات على قدم المساواة. ويتاح هذا الشكل من الديمقراطية المباشرة المعاشة والملموسة، لحوالي نصف الناخبين والناخبات في سويسرا. فهناك ما يربو على 1،650 بلديِّة، يتولى فيها المؤتمر البلدي إصدار القرارات، كبديل عن وجود برلمان محليّ منتخب.
المؤتمرات البلدية في القرى والمدن
جدير بالذكر، تعويل القرى الصغيرة، بقليل سكانها، على ديمقراطية المؤتمرات البلديِّة هذه، بنفس القدر الذي تفعله مدينة مثل رابرسفيل-يونا، حيث يعيش قرابة 30،000 شخص.
وفي الكثير من الأماكن، تصل الدعوة مرتين سنويًّا إلى صناديق بريد الناخبين والناخبات لحضور المؤتمر البلديّ، مصحوبةً ببعض المستندات، مثل جدول الأعمال والميزانية.
ومن ثمَّ، يشارك المواطنون والمواطنات بالمؤتمر البلديِّ المنعقد في إحدى قاعات البلدية، أو في صالة رياضية؛ وهذا لأجل النقاش، واتخاذ القرارات إما برفع اليد أو بالاقتراع السري، إذا طلب الحضور ذلك.
وتتفاوت العادات محليًّا: ففي بلدية هورغن التي تضم 22،000 نسمة، يجري التصويت من خلال الوقوفرابط خارجي. وكان رئيس البلدية قد صرّح ذات مرّة ، مازحًا: “في هورغن، نُعلن رأينا صراحة”.
ما كان للديمقراطية أن تنجح في سويسرا بدون العمل التطوعي. اقرأ.ي كذلك مقالنا حول مبدأ الميليشيات:

المزيد
في سويسرا… نظام الميليشيا يعزز الهوية ويقرّب السياسة للجمهور
مؤتمرات القرى في الولايات المتحدة الأمريكية والمؤتمرات البلديِّة في ألمانيا
وعلى مستوى الكانتونات، يحظى المجلس البلديّ في غلاروس، الذي تناولته مجلة ناشيونال جيوغرافيكرابط خارجي بالاهتمام العالمي مؤخّرًا، بأنّه أحد خصائص النظام السياسي السويسري، شأنه في ذلك شأن المؤتمر البلديّ. ورغم أنَّ التقاء المواطنين والمواطنات في اجتماع على المستوى البلديّ، للمشاركة مباشرة في اتخاذ القرار هو ميزة بارزة في سويسرا، فهو ليس حكرًا عليها.
إذ يشير الخبير السياسي، ميشائيل شتريبل، إلى انتشار المؤتمرات البلديِّة في ألمانيا، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كذلك. كما يسمح الدستور الألماني بحلول المؤتمر البلديّ محل البرلمان المحليرابط خارجيّ. وحتى وقتنا هذا، لا يزال هناك نوع من المؤتمر البلديّ في حوالي 25 قرية صغيرة بولاية شليسفيغ-هولشتاين الألمانية، على حد قوله.
فضلًا عن ذلك، يرى الخبير السياسيّ شتريبل، وجود “بعض التشابه” مع “مؤتمرات القرى” في بعض المناطق في الولايات المتحدة الأمريكية، كما يوضّح: “إنها مؤتمرات للمواطنين والمواطنات في بعض البلديِّات الأمريكية، حيث يسمح فيها للناخبين والناخبات، بالمشاركة في اتخاذ القرار بشأن مختلف جوانب السياسة المحلية، وهي قرارات ملزمة إلى حد ما”.

ديمقراطية تتصافح فيها الأيدي
“ما الذي يمكن لباقي الشعب تعلُّمُه من ذلك؟”، هكذا تساءل عنوان تحقيق لوكالة أسوشياتد برس رابط خارجيعام 2024، المتناول لأحد مؤتمرات القرى في ولاية فيرمونت الأمريكية. فهناك، يتبادل الناس الآراء، إلا أن الكل يصافح جاره أو جارته في نهاية المطاف. وبصورة مشابهة، يرى الكثير أن المؤتمرات البلديِّة السويسرية ما هي إلا أداة للتشاور، وبالتالي لتحقيق التوازن. فبإمكان المواطنين والمواطنات مواجهة رجال السياسة المحلية ونسائها، بصورة مباشرة. بل إنه ملتقى يجمع هؤلاء من المعسكرات السياسية المتضادة، لتبادل الحديث معًا.
ويضيف شتريبل: “فبحسب خبرتي، تعد هذه فرصة للمشاركة المباشرة، وهي تحظى بالكثير من التقدير، كما أنها ذات طابع تقليديّ عريق”. كما يستطرد موضحًا: “تتمتع المؤتمرات البلدية بصلاحيات ومسؤوليات واضحة، ما يجعل قراراتها ملزمة أيضًا”.
سويسرا الناطقة بالألمانية متمسكة بالمؤتمرات البلدية
“يمكن للناخبين والناخبات التعليق على السياسة المحلية وجهًا لوجه؛ فالمؤتمر البلديّ فرصة مباشرة للمشاركة”، بحسب قول شتريبل. فهو شخصيًّا لا يشارك في المؤتمرات البلديِّة بصفته العلمية فقط، بل كذلك كناخب في عاصمة كانتون سولوتورن، حيث يقطن.
وفضلًا عن اتخاذ القرارات في المؤتمر البلديّ، يؤكد روشا على “فرصة التشاور”. فعلى عكس الاقتراع بالصندوق الانتخابي، يمكن للحاضرين والحاضرات فيه أيضًا التعبير عن آرائهم وآرائهن، وذلك ليس فقط من خلال التصريح بالآراء القوية، بل كذلك ببعض الشكوك. ويقوم هذا، بحسب ما يرى روشا، على “ثقافة تسمح بالتعبير عن وجهات نظر مختلفة، دون توقع نتائج سلبية”.
وعلى عكس الكانتونات الناطقة بالفرنسية، حيث يُلزم القانون بوجود برلمان محلي، كما في جنيف ونوشاتيل، تتمسك المناطق الناطقة بالألمانية بنظام المؤتمرات البلدية. وقد فشلت معظم الاستفتاءات الرامية إلى إدخال برلمان محلي هناك خلال السنوات الأخيرة، ما يعكس تمسك السكان بهذا النموذج من الديمقراطية المباشرة.
قبول قرارات المؤتمرات البلديِّة رغم تدني نسبة المشاركة
رغم التقدير الواسع للمؤتمرات البلدية، يظل الإقبال عليها ضعيفًا.
ففي بعض البلديِّات الكبرى، شهد المؤتمر البلديّ قبل عِقد من الزمن، مشاركة 0،8% من الناخبين والناخبات فقط. هذا، بينما اجتذب المؤتمر البلديّ في البلديِّات الأصغر التي تحظى ببنية جيدة، قرابة 45%.

وفي عام 2016، قدر الخبير السياسي (المتوفى في الأثناء) أندرياس لادنر، عدد المشاركين والمشاركات في المؤتمرات البلديِّة على مستوى سويسرا بأكملها، بحوالي 300،000 شخص سنويًّا. لكن حاليًّا، لا توجد أرقام يمكن الاعتماد عليها لجميع المؤتمرات البلديِّة. لذلك، أجرى شتريبل تقييمًا لبعض البلديِّات. “لقد كانت المشاركة بنسب دون العشرة في المائة. وكانت تلك هي البلديِّات التي تناقش تحوُّل النظام نحو برلمان محليّ، حيث يُنظر إلى المؤتمر البلديّ بوصفه مكان لاتخاذ القرار السياسي، أي كمكان لممارسة الديمقراطية المباشرة، بغض النظر عن المشاركة الفعلية”، على حد توضيحه.
لكن لا يؤثّر هذا في شرعية هذه المؤسسة، وفي قبول المؤتمر البلديّ. فمثلما كتب روشا، تتوصّل المؤتمرات البلديِّةرابط خارجي “رغم المشاركة المتدنية، إلى قرارات تحظى بتأييد واسع في أغلب الأحيان”.
اقرأ.ي كذلك مقالنا حول النظام الفدرالي في سويسرا، الذي يشرح أيضًا مدى أهمية الديمقراطية على المستوى المحلي:

المزيد
النظام الفدرالي في سويسرا: كيف نشأ وكيف تطوّر؟
عيوب الديمقراطية ومنح الجنسية وكيف تحصل أندية كرة القدم على ملاعب جديدة؟
نظرًا للمشاركة المتدنية، ترى الفئة الرافضة للمؤتمر البلديّ، أنّ الأقلية أصبحت بذلك تتخذ قرارات بشأن المصالح العامة، وتحتجّ في بعض الأحيان، بأنّ السلطة التنفيذية المحلية يمكنها من خلالالمؤتمرات البلديِّة، تحقيق أغلبية لصالحهارابط خارجي.
ففي الكثير من الأماكن، تُتخذ القرارات بشأن منح الجنسية السويسرية في المؤتمر البلديّ أيضًا. وقد أدى هذا مرارًا وتكرارًا إلى ضجة إعلامية، واتهامات بالعنصرية والتعسف، على سبيل المثال حينما رُفض التجنيس بسبب قيام الشخص المعنىّ بـ قص الحشائش يوم الأحد أو ارتداء بنطال الرياضة في حياته اليوميةرابط خارجي.
وأحيانًا، تتصدر ممارساتُ بعض الجمعيات أو جماعات المصالح المستغلّة للمشاركة المتدنية عناوينَ الصحف، بالحشد لأجل مؤتمر بلديّ بعينه. وهكذا، نجحت بعض المجموعات مرارًا في توزيع الأموال المحلية لأجل مصالحها الخاصة، مثلًا لأجل إنشاء ملعب جديد لكرة القدم، وإن كان مُكلفا، ومغطًّى بالعشب الصناعيّ. ويصف شتريبل هذا بأنه “ظاهرة معروفة”. وقد عايش بنفسه “كيف حشدت إحدى الجماعات لأجل مطلبها، وبالتالي تمكّنت من تنفيذه”. أما عدد مرّات حدوث مثل هذا إجمالًا، فيظلُّ غير معروف.
“ومن الممكن الحد من أثر الحشد أحادي الجانب، بإعادة طرح القرارات المتخذة في المؤتمر البلديّ لاحقًا، للاقتراع السري في نهاية المطاف”، مثلما يقترح شتريبل، كوسيلة للتعامل مع هذه المشكلة. وبالفعل، هناك بعض البلديِّات التي تعرف مثل هذه التدابير، وتنصّ على اقتراع عام، إذا بلغت النفقات حدا معيّنا.
وبخلاف هذه الأمثلة السلبيةرابط خارجي، فقد قابل روشا في دراسته بشأن المؤتمرات البلديِّة “مبدأ مراعاة الصالح العام”، إذ تولى “الحاضرون والحاضرات، خاصة بالبلديِّات الكبرى، المسؤولية نيابة عمّن غاب”. إذن، فلا يتمّ الاقتراع دائمًا لتحقيق مصلحة خاصة، بل انطلاقًا من الشعور بالمسؤولية كذلك.
كيف ترتبط عناصر الديمقراطية المباشرة بعناصر الديمقراطية التمثيلية في النظام السياسي السويسري؟ هنا تجد.ين تقريرنا المعمّق بشأن هذا الموضوع:

المزيد
من الفكرة إلى الاقتراع: كيف يضع الشعب السويسري قوانينه؟
تحرير: مارك لويتنغر
ترجمة: هالة فرَّاج
مراجعة: ريم حسونة
التدقيق اللغوي: لمياء الواد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.