مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المغرب – الجزائر: إلـى أيــن؟

swissinfo.ch

تتراوح العلاقات المغربية الجزائرية منذ استقلال الجزائر بداية الستينات بين التوتر لدرجة .. الحرب أحيانا أو الهدوء لدرجة .. الوئام والحميمية أحيانا أخرى.

وفيما يخشى البعض من أن تتطور الملاسنات الأخيرة بين الطرفين إلى ما لايُحمد عقباه، يرى مراقبون أن الأمور لن تخرج عما هو معتاد بين الرباط والجزائر.

تتراوح العلاقات المغربية الجزائرية منذ استقلال الجزائر بداية الستينات بين التوتر، لدرجة الحرب أحيانا أو الهدوء، لدرجة الوئام والحميمية.

وتذهب العلاقات الجزائرية المغربية نحو مجهول دون أن يظهر المدى الذي ستأخذه أو الثمن الذي سيدفعه كل طرف، لتدخل العلاقات بين بلدين شقيقين جارين لدودين، في سياق الوئام والتعاون، بدل التوتر الدائم، الذي لم يعرف على مدى أربعين عاما اختراقا، إلا لسنوات قليلة.

ويُـقر البلدان أن كُـلا منهما دفع ويدفع ثمنا باهظا لتوتر دائم، أسبابه تتبدل وتتغيّـر، وكأنه قدَرهما وقدر منطقة تحتل موقعا استراتيجيا في جغرافيا قلقة، طرفاه على طرفي نقيض حضاري، طرف في الشمال، يقود تطورا إنسانيا سلميا مذهلا، وطرف في الجنوب، الجزائر والمغرب جزء منه، لازال محكوما بتراث من حساسية الجيران التي تتزايد، وباتت تحُـول دون تقدم المنطقة،التي هي بحاجة إليه.

من حشود إلى مواجهات ؟

شيئا فشيئا، تحوّلت الأنباء التي احتلت الصفحات الأولى في الصحف المغربية حول التسلّـح الجزائري إلى أنباء عن الحشود العسكرية، ويخشى أن تتحول إلى أنباء عن .. “مواجهات مسلحة”.

ولعله من المثير التذكير بأن وزير الداخلية المغربية مصطفى الساهل، أجرى في بداية يوليو 2004، أول زيارة للجزائر اتّـسمت بالحميمية. فإضافة إلى مباحثات حول نقاط محدّدة، والاتفاق على آليات لتسوية ما هو معلّـق منها، شارك في احتفالات تخرج أفواج من رجال الشرطة وافتتاح مؤسسة معنية بالنشاط النووي السلمي.

كان مقررا أن تتبع زيارة الساهل زيارة للوزير الأول المغربي إدريس جطو لتتويج ما أنجزه الساهل، والذي قد يشمل إلغاء تأشيرات الدخول لمواطني البلدين، وفتح الحدود البرية المغلقة منذ 1994. لكن قرارا مغربيا برفع التأشيرة عن المواطنين الجزائريين بدّد كل الآمال التي بُـنيت على انفراج قريب لتتالى التطورات السلبية من حملات إعلامية ألي مواجهات في أروقة الأمم المتحدة، وصولا إلى الحشود العسكرية.

قرار رفع التأشيرة، الذي اعتبرته الرباط بادرة حسن نية تجاه الجزائر، زين بتصريحات وتعليقات صحفية تمحورت حول القول بأن “على الجزائر أن ترد على البادرة المغربية ببادرة مماثلة برفع التأشيرة، وأيضا فتح الحدود البرية”. وبعد أن تأخر الرد الجزائري، ذهبت التعليقات الصحفية المغربية إلى أن “الجزائر في مأزق، وأن القرار المغربي قد أحرجها”.

حـرب المذكـرات

كان الرد الجزائري على القرار يُـشير إلى أن الجزائر قد فسّـرت القرار المغربي بسوء النية، فاتسم بالعنف والحدّة والتشكيك، وتبع الرد رسالة من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى كوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة يدافع فيها عن الموقف الجزائري في نزاع الصحراء الغربية، ويصف الوجود المغربي بالصحراء بالاحتلال، والقضية بأنها قضية تصفية استعمار، ويؤكّـد أن الجزائر ليست طرفا في النزاع الذي هو نزاع بين المغرب والشعب الصحراوي ممثلا بجبهة البوليزاريو. وبعد المذكرة بأيام، ألقى الرئيس بوتفليقة خطابا في الجمعية العامة للأمم المتحدة أكّـد فيه ما قاله في مذكرته الموجهة للأمين العام للأمم المتحدة.

وإذا كان ما ورد في رسالة وخطاب الرئيس الجزائري لا يحمل جديدا في الموقف الجزائري، فإن الرد المغربي الذي جاء أيضا في مذكرة رسمية للأمم المتحدة شكّـل تطورا سياسيا في الموقف المغربي، إذ حمّـلت، ولأول مرة، اتهاما رسميا للجزائر وتحميلها مسؤولية النزاع الصحراء، وقالت المذكرة إن الجزائر ومنذ 1973، أي قبل عامين من فتح الملف الصحراوي، تسعى لعدم استقرار المغرب وتحقيق وحدته الترابية.

وترافقت حرب المذكرات الجزائرية المغربية مع اعتراف جمهورية جنوب إفريقيا بالجمهورية الصحراوية التي تشكلها جبهة البوليزاريو، وترددت أنباء عن اعترافات مشابهة من استراليا والبيرو وشيلي، وأيضا مع قرار فنزويلا باعتبار القضية الصحراوية قضية فنزويلية، وقرار البرلمان الأوروبي القاضي بتشكيل لجنة لتنفيذ استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية.

مخاوف من خيار “مستبعد”

وانتقلت الحرب إلى الميدان العسكري، حيث قالت جبهة البوليزاريو في مذكرة للأمم المتحدة إن وقف إطلاق النار المتفق عليه منذ 1991، لا يمكن أن يكون دائما، وهو ما يحمل ضمنا تهديدا بالعودة إلى الهجمات المسلحة التي كانت تشنها في السبعينات والثمانينات.

من جهة أخرى، أثارت الأنباء التي تحدثت عن صفقات أسلحة، (تشمل اقتناء طائرات ميغ 29 ومروحيات ودبابات، عقدتها الجزائر مع روسيا وفرنسا وجنوب إفريقيا، وتبلغ قيمتها ثلاثة مليارات وثمانمائة مليون دولار)، في الأوساط المغربية مخاوف من عودة العلاقات الجزائرية المغربية إلى المواجهة المسلحة أو ما عرف بحرب الرمال التي دارت على الحدود الشرقية للمملكة في عام 1963، فيما تحدثت بعض الصحف عن حشود عسكرية جزائرية على الحدود المغربية.

وفيما تظل المواجهات المسلحة، (إن كان بين المغرب والجزائر أو من خلال هجمات تشنها جبهة البوليزاريو)، احتمالا مطروحا ضمن احتمالات تذهب إليها العلاقات بين البلدين، لكنها تبقى في نفس الوقت احتمالا مستبعدا.

فالوضع الإقليمي والدولي لا يسمح لأي من الطرفين بالذهاب في العلاقات بينهما إلى مدى المواجهات المسلحة، والقرارات المتعلقة باستقرار المنطقة، ليس رهينا فقط بيد دولها، بل تحول إلى قرار وإلى ضرورة جهوية وإقليمية ودولية.

ولأن العلاقات بين الرباط والجزائر لا تعرف استقرارا ومسارا ثابتا، والمواجهات المسلحة تظل اختيارا مستبعدا، شأنها شأن خيار التعاون والوئام، فإن القادم القريب الأكثر احتمالا هو دخول العلاقات مرحلة الهدوء لتبقى في هذا الوضع إلى أن يعرف البلدان داخليا أو تعرف المنطقة والإقليم تطورات إيجابية تساهم في تشجيع البلدين على عدم عرقلة علاقاتهما وقولبتها بما يفيد المستقبل، ولا يبقيها على الدوام رهينة حساسيات الماضي.

محمود معروف – الرباط

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية