مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اليمين الشعبوي في سويسرا يشنّ هجوما على حرية تنقل الأشخاص

مرة أخرى، تنتشر في أنحاء سويسرا ملصقات حزب الشعب المعادية للأجانب Keystone

مع اقتراب موعد الإنتخابات البرلمانية، جدّد حزب الشعب السويسري حملته على الأجانب للظفر بمزيد التأييد من طرف الناخبين.

ويسعى الحزب اليميني إلى إعادة العمل بنظام الحِـصص في استقدام العمال والتفاوض مجددا مع بروكسل بشأن الإتفاق الخاص بحرية تنقل الأشخاص، وهي مقترحات أثارت انتقادات حادة من بقية الأحزاب.

في بعض البلدان الكبرى، مثل الولايات المتحدة، تتوقف النجاحات الانتخابية أساسا على عوامل ثلاث: جاذبية المرشح للرئاسة والسياسة الاقتصادية والحروب، أما في سويسرا، فلا يلعب أي منها دورا حاسما في الانتخابات العامة.

فالمنصب الرئاسي يتم التداول عليه سنويا من طرف أعضاء الحكومة السبع، وليس محل تنافس. أما الاقتصاد، فهو يتمتّـع بوضع جيِّـد جدا ولا يُـثير سِـجالات كبيرة. أما عن الحروب، فلا مجال للحديث عنها في بلد الحياد.

ومنذ عشرة أعوام، اتَّـضح أن ملف الأجانب هو الأكثر مردودية، من الناحية الانتخابية. فالأجانب مُـتّـهمون بتوسيع نطاق الجريمة وباستغلال نظام التأمينات الاجتماعية وبسوء استعمال حق اللجوء. وفي الواقع، أسهمت حملات انتخابية، ارتكزت على هذه المخاوف، بقدر كبير في النجاحات التي حققها حزب الشعب السويسري، الذي تمكّـن منذ عام 1995 من مضاعفة حجم ناخبيه، ليُـصبح القوة السياسية الأولى على المستوى الوطني.

وفي حين يتراجع تأثير كارثة فوكوشيما، التي سلّـطت الأضواء خلال الأشهر الماضية على سياسة الطاقة، عاد الحزب اليميني مجددا إلى استخدام حصان السباق المفضل لديه وكثّـف من عقد الندوات الصحفية والإعلانات والملصقات الإشهارية. وقد أظهر آخر مُـلصق، تمّ تعليقه في كافة أرجاء سويسرا، صورا قاتمة لأقدام تعبُـر الحدود وتدوس التراب السويسري بأحذية سوداء.

حِـصص سنوية

الحملة الجديدة تتمحور حول مبادرة شعبية تحمل عنوان “وقف الهجرة الجماعية”، التي أطلِـقت في موفى يوليو 2011 من طرف الحزب، ويهدف نصُّـها إلى تعديل توافُـد الأجانب، من خلال إقرار سقوف عُـليا وحِـصص سنوية، يتم تحديدها “تبعا لمصالح الاقتصاد وفي ظل احترام مبدإ الأفضلية للسويسريين”.

وفي الوقت الذي استهدف فيه حزب العشب السويسري في السابق فئات محددة من الأجانب، مثل مرتكبي أعمال إجرامية، اختار هذه المرة إطلاق النار على جميع الجبهات، دون تمييز، أي على المهاجرين القادمين من بلدان الاتحاد الأوروبي أو من بلدان أخرى وعلى العمال الحدوديين وعلى طالبي اللجوء.

وفي معرض شرح مبرِّرات المبادرة الجديدة، يقول هانس فيهر، عضو مجلس النواب عن حزب الشعب السويسري: “اليوم، لم يعُـد بإمكاننا إدارة الهجرة الجماعية المترتِّـبة عن حرية تنقل الأشخاص مع الاتحاد الأوروبي وعن فتح الحدود، جراء الانضمام إلى معاهدة شنغن، إضافة إلى سوء الإدارة في مجال اللجوء”.

ويضيف الرجل، الذي يُـعبِّـر فعلا عن رؤية الحزب لهذه القضية، “لقد بلغت الكثافة السكانية في سويسرا حدودها القصوى. فالسويسريون يفقِـدون مواطن عملهم، والمؤسسات الاجتماعية تُـراكم المهام والإجرام يتفاقم والطرقات مكتظّـة والقطارات ملآنة والإيجارات أكثر غلاءً”.

المبادرة أثارت موجة من الانتقادات من طرف بقية الأحزاب السويسرية الكبرى، خصوصا وأنها (أي المبادرة)، تُـهاجم بشكل مباشر الاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي، التي تُـعتبر قُـطب الرحى في العلاقات مع الخارج وفي السياسة الاقتصادية للكنفدرالية.

وبالاستناد إلى نص المبادرة، التي أطلقها حزب الشعب، سيتوجّـب إعادة التفاوض وتحوير جميع المعاهدات الدولية، التي تتعارض مع البند الدستوري الجديد حول تقنين الهجرة، وهو ما يشمل بطبيعة الحال الاتفاقية المتعلقة بحرية تنقل الأشخاص، المُـبرمة مع بلدان الاتحاد الأوروبي ألـ 27.

إعلان حرب

رودي نوزر، عضو مجلس النواب عن الحزب الراديكالي، لا يتردّد في القول بأن “هذه المبادرة تُـمثل إعلان حرب على حرية تنقل الأشخاص. فإعادة العمل بنظام الحصص واعتماد مبدإ الأفضلية للسويسريين، تنتهِـك الاتفاقيات الثنائية ولن تُـقبل أبدا من طرف الاتحاد الأوروبي”. ويضيف أنه “من غير المقبول السعيُ إلى القيام بحملة انتخابية، بإعلانات حرب من هذا القبيل”.

في معرض الإجابة، يقول هانس فيهر، النائب عن حزب الشعب السويسري: “هذه سخافات.. لقد بدأ منافسونا في الارتعاش، قبل أن تُـحرِّك بروكسل أصبعها. على العكس، يجب على سويسرا أن تُـظهر صلابة عودها في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. وبالنهاية، فنحن شريك اقتصادي استثنائي، حيث تزيد وارداتنا من بلدان الاتحاد سنويا بـ 20 مليار فرنك عن صادراتنا. كما نُـشيِّـد أنفاقا حديدية بقيمة 30 مليار فرنك، لفائدة حركة القطارات الأوروبية، وندفع لبلدان الاتحاد الأوروبي الرسوم المُـقتطعة من الرساميل المودعة من طرف مواطنيهم في سويسرا”.

“حزب الشعب السويسري يزرع الأوهام”، هكذا يردّ هانس يورغ فيهر، النائب عن الحزب الاشتراكي، ويضيف أن “حرية تنقل الأشخاص، ليست محل تفاوض بالنسبة لبروكسل، لأنها تُـمثِّـل أحد أعمدة السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي. فإذا كنا نريد أن يتم دمجنا في هذا السوق الكُـبرى، يجب علينا أيضا أن نقبل بقواعدها لمصلحة اقتصادنا”.

تأثيرات سلبية

يؤكِّـد المعارضون، أن مقترحات حزب الشعب السويسري ستنجرّ عنها نتائج كارثية على المستويين، الاقتصادي والاجتماعي. ويؤكِّـد رودي نوزر أن “هذه المبادرة تُـهدد بإعادة سويسرا إلى حِـقبة الحصص، التي كانت العديد من الشركات تُـواجه صعوبات جمّـة للعثور على يدٍ عاملة مؤهّـلة. وفي تلك الحقبة، اتسم اقتصادنا بالركود، في حين أنه استأنف – منذ إقرار حرية تنقل الأشخاص – نُموّه بحيوية أكبر، وهو ما سمح بإيجاد مواطن عمل جديدة”.

مرة أخرى، يردّ هانس فيهر بأن “هذه خزعبلات أيضا”، ويؤكِّـد أنه “بفضل مُـقترحنا سنتمكن في المستقبل أيضا من انتداب جميع الذين نحتاج إليهم واستبعاد الآخرين، مقابل ذلك، لكن هناك بطبيعة الحال، بعض المسيِّـرين الذين يرغبون في أن يتمكنوا من الاختيار من بين 500 مليون عامل من أجل خفض الأجور”.

هذه الرؤية يرفضها الاشتراكي هانس يورغ فيهر ويقول: “في الواقع، يريد حزب الشعب السويسري من خلال إعادة العمل بنظام الحصص، إلغاء إجراءات المصاحبة لمكافحة ظاهرة إغراق الأجور، وهي إجراءات بدأ العمل بها بالتزامن مع إقرار حرية تنقل الأشخاص”.

إجمالا، يُـبدي المعارضون للمبادرة، قدرا كبيرا من الثقة، خصوصا وأن الاتفاقيات الثنائية بين برن وبروكسل وحرية تنقل الأشخاص مع الاتحاد الأوروبي، قد حظيت بدعم قوي من طرف السويسريين في ثلاث اقتراعات أجريت على المستوى الفدرالي. ويرى هانس يورغ فيهر أن “مقترح حزب الشعب سيُـعطَّـل من طرف صناديق الاقتراع”. في المقابل، يبدو أن الحزب اليميني يسعى، بالأساس، إلى الفوز في الانتخابات القادمة، بفضل حملته الجديدة المعادية للأجانب.

تقترح مبادرة حزب الشعب، التي تحمل عنوان: “وقف الهجرة الجماعية“، إقرار سقوف قصوى وحـِصصا محدّدة للعمال المهاجرين وللعمال الحدوديين ولطالبي اللجوء.

حسب المبادرة، يجب أن يتم تحديد السقوف القصوى للأجانب، الذين يمارسون نشاطا مقابل أجر، طبقا للمصالح الإجمالية للاقتصاد وفي ظل احترام مبدإ الأفضلية للسويسريين.

تبعا لذلك، يجب إعادة التفاوض (أو ملاءمتها) حول الاتفاقيات الدولية، التي تتعارض مع البند الجديد في الدستور المقترح في سياق المبادرة، في غضون ثلاثة أعوام من موافقة الشعب والكانتونات عليها.

بدأ العمل في عام 2002 بالاتفاقية الخاصة بحرية تنقل الأشخاص، وهي واحدة من سبع اتفاقيات ثنائية، تم التوقيع عليها من طرف سويسرا والاتحاد الأوروبي في عام 1999.

تُـيَـسِّـر هذه الاتفاقية شروط الإقامة والعمل لمواطني بلدان الاتحاد الـ 27 في سويسرا ولكن أيضا للسويسريين المقيمين في بلدان الاتحاد الأوروبي.

في عام 2000، وافق الشعب السويسري على الاتفاقيات الثنائية السبع، وبلغت نسبة المؤيدين 67،2%.

في عام 2005، وافق 56% من الناخبين على توسيع مجال تطبيق حرية تنقل الأشخاص، لتشمل الأعضاء العشرة الجُـدد في الاتحاد الأوروبي.

في عام 2009، أيّـد 59،6% من السويسريين تجديد العمل باتفاقية حرية تنقل الأشخاص وتوسيعها، لتشمل كلا من رومانيا وبلغاريا.

في الآونة الأخيرة، تم إطلاق مبادرتين أخريين في سويسرا، لكبح جماح الهجرة.

مبادرة جمعية البيئة والسكان (Ecopop)، التي تحمل عنوان “كفى من الكثافة السكانيةنعم للحفاظ على الأسس الطبيعية للحياة“، تريد أن يتم الحد من الهجرة بطريقة تؤدي إلى عدم تجاوُز نسبة نُـمُو السكان المقيمين بشكل دائم في سويسرا لـ 0،2% سنويا في غضون 3 أعوام.

مبادرة أخرى أطلقها حزب الديمقراطيين السويسريين (يمين متشدد) تحمل عنوان “من أجل استقرار السكان“، وتطالب الكنفدرالية باتخاذ إجراءات كفيلة بأن لا يتجاوز عدد الوافدين إلى سويسرا عدد المهاجرين منها. يلاحظ أن هذا المقترح لا يشمل السويسريين المقيمين في الخارج.

(نقلة إلى العربية وعالجه: كمال الضيف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية