
فرنسا تستدعي السفير الأميركي بعد اتهامها بالتقاعس في مكافحة معاداة السامية

استدعت الخارجية الفرنسية الاثنين السفير الأميركي إلى باريس عقب توجيهه انتقادات للحكومة لعدم اتخاذها إجراءات كافية لمكافحة معاداة السامية، فيما تثير نية باريس الاعتراف بدولة فلسطين استياء إسرائيل والولايات المتحدة.
وفي “غياب” السفير تشارلز كوشنر، استجاب القائم بالأعمال في السفارة الأميركية للاستدعاء إلى الخارجية حيث تم إبلاغه بأن انتقادات السفير “تشكل تدخلا في الشؤون الداخلية (لفرنسا) وتقدم صورة لا تتوافق مع الواقع”، وفق مصدر دبلوماسي فرنسي.
وأوضح المصدر ذاته أن مسؤولتين في الخارجية الفرنسية استقبلتا القائم بالأعمال الأميركي.
وكرر السفير تشارلز كوشنر وهو والد جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، انتقادات وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، معربا في رسالته إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن “القلق العميق إزاء الارتفاع الحاد لمعاداة السامية في فرنسا وعدم اتخاذ حكومتكم إجراءات كافية لمواجهتها”.
بعد ساعات من نشر محتوى الرسالة، أصدرت الخارجية الفرنسية بيانا نفت فيه “بشدة هذه الادعاءات الأخيرة”، ووصفتها بأنها “غير مقبولة”.
وأكدت الوزارة أن فرنسا “ملتزمة بشكل كامل” مكافحة معاداة السامية.
واعتبرت أن هذه الانتقادات تنتهك القانون الدولي، لافتة إلى “واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما هو منصوص عليه في اتفاقية فيينا لعام 1961 المنظمة للعلاقات الدبلوماسية”.
في واشنطن، أكد الناطق باسم الخارجية الأميركية تومي بيغوت في بيان تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه “تأييد تصريحات” كوشنر، مشيرا إلى أنه “ممثل حكومتنا في فرنسا ويقوم بعمل رائع في الدفاع عن مصالحنا الوطنية من خلال هذا الدور”.
ويُعد استدعاء سفير أميركي إلى وزارة الخارجية الفرنسية حدثا نادرا، ولكنه ليس الأول من نوعه.
ففي تشرين الأول/أكتوبر 2013، استُدعي السفير الأميركي لدى باريس عقب كشف المتعاقد السابق مع أجهزة الاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن قيام وكالة الأمن القومي الأميركية بعمليات تنصت مكثفة على اتصالات في فرنسا.
وفي حزيران/يونيو 2015، استدعيت أيضا خليفته جين هارتلي لتقديم توضيحات بعدما أكدت وثائق ويكيليكس مراقبة وكالة الأمن القومي الأميركية مكالمات ثلاثة رؤساء فرنسيين هم جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند.
وأتت انتقادات كوشنر، بعد أيام من اتهام نتانياهو للرئيس الفرنسي ب”صب الزيت على نار معاداة السامية” عبر دعوته إلى الاعتراف بدولة فلسطينية.
واستنكرت الرئاسة الفرنسية في حينه تصريحات نتانياهو ووصفت الربط بين قرار الاعتراف بدولة فلسطين وتصاعد أعمال العنف المعادية للسامية، بأنه “مبني على مغالطات ودنيء ولن يمرّ من دون رد”.
– “غير مقبولة” –
وعلى غرار نتانياهو، قال كوشنر الذي تسلم مهامه كسفير لبلاده في باريس منذ بضعة أسابيع، إن “تصريحات تشوه سمعة إسرائيل وتحركات تعترف بدولة فلسطينية، تشجع المتطرفين وتؤجج العنف وتعرض الهوية اليهودية في فرنسا للخطر”.
وأضاف “لا يمر يوم في فرنسا من دون الاعتداء على يهود في الشوارع وتشويه كنس ومدارس يهودية وتخريب شركات مملوكة ليهود”.
وشهدت فرنسا تصاعدا في الأعمال المعادية للسامية منذ اندلاع الحرب في غزة عقب هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وسُجل بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو 2025، 646 عملا معاديا للسامية في فرنسا، في انخفاض نسبته 27 % مقارنة بالنصف الأوّل من العام 2024، وفق أرقام نشرتها وزارة الداخلية الإثنين. لكن هذا المجموع هو أكثر من ضعف ذاك المسجل بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو 2023 بواقع 304 أعمال.
وشهدت عطلة نهاية الأسبوع توجيه اتهامات لمدير مدينة ملاهي في جنوب فرنسا بـ”التمييز على أساس الأصل أو العرق أو الجنسية” بعد رفضه دخول مجموعة من 150 شابا إسرائيليا، وعزا ذلك إلى أسباب “أمنية”، بحسب النيابة العامة.
وأقرت وزيرة مكافحة التمييز الفرنسية أورور بيرجي الاثنين بأن معاداة السامية وصلت إلى مستويات “غير مقبولة”، لكنها أكدت أن “مكافحة الحكومة الفرنسية لمعاداة السامية لا لبس فيها”.
ورأت أن “القضية خطرة جدا (…) ولا يمكن اعتبارها قضية دبلوماسية”.
وشاركها هذا الرأي باتريك كلوغمان، وهو محامي عدد من ضحايا 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 الفرنسيين وممثل نصب ياد فاشيم التذكاري في فرنسا.
وقال في رسالة إلى تشارلز كوشنر نُشرت على منصة “اكس” “بغض النظر عن مواقف فرنسا المشكوك فيها أحيانا تجاه إسرائيل، فإن السلطات تتخذ إجراءات ثابتة لا يمكن إنكارها وحازمة ضد معاداة السامية”.
وأضاف “لم تُرتكب أي جرائم قتل معادية للسامية في فرنسا منذ ست سنوات، بينما شهدت الولايات المتحدة، للأسف، الكثير منها”. ودعا كلوغمان السفير إلى أن يكون “وسيطا فعالا” في “مكافحة الكراهية على الإنترنت”.
وقال “ساعدونا في إقناع المنصات الرئيسية – وكلها أميركية – بالكف عن منح مساحة للكراهية المعادية للسامية، وبعدم السماح بتصديرها خارج حدودكم”.
وأثار إعلان ماكرون أن فرنسا ستعترف رسميا بدولة فلسطين خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل انتقادات سريعة من إسرائيل في ذلك الوقت.
وإثر ذلك، أعلنت دول عدة عزمها الاعتراف بدولة فلسطين في أيلول/سبتمبر، من بينها كندا وأستراليا وأندورا وفنلندا وايسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا والنروج والبرتغال وسان مارينو وسلوفينيا.
مرا/س ح-م ن-ح س/غ ر