
تحقيق-استمرار معاناة لاعبي كرة القدم في غزة مع تواصل القصف والمجاعة

من محمد يسري
(رويترز) – كان حمادة حمد يستعد لحراسة مرمى أهلي بيت حانون في مباراته أمام ضيفه شباب الزوايدة في دوري الدرجة الثانية الفلسطيني لكرة القدم يوم الأحد الموافق الثامن من أكتوبر تشرين الأول لعام 2023، لكن في فجر ذلك اليوم أُجبر اللاعب الشاب وأسرته على النزوح من منزلهم، بعدما أمر الجيش الإسرائيلي بإخلاء بيت حانون فور بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر من العام ذاته.
وأمرت إسرائيل بإجلاء سكان المدينة الواقعة في شمال القطاع تمهيدا لعملية عسكرية واسعة ردا على هجوم حماس عليها في صباح السابع من أكتوبر تشرين الأول، والذي كان للمفارقة موعدا لانطلاق مباريات الجولة السابعة للدوري الفلسطيني لتبدأ منذ ذلك الحين معاناة لاعبي كرة القدم هناك.
ومنذ شنت إسرائيل حملتها العسكرية، وثقت السلطات الصحية في القطاع مقتل أكثر من 62 ألف فلسطيني بينهم 203 لاعبين حتى السابع من أغسطس آب الحالي وفقا لوثيقة من الاتحاد الفلسطيني للعبة اطلعت رويترز عليها. هذا إلى جانب نزوح معظم سكان غزة الذين يتجاوز عددهم مليوني نسمة.
وبين هؤلاء كان حمد (23 عاما) الذي تلقى الأوامر في الساعات الأولى من فجر الأحد، ليرحل عن منزله سريعا تاركا قفازاته التي لطالما ارتداها دفاعا عن مرماه لينجو بنفسه ليستقر في وسط غزة الآن.
وقال حمد، الذي تعد كرة القدم مصدر دخله الوحيد، لرويترز “تلقينا خبر النزوح الساعة الثانية بعد منتصف الليل… واضطرينا للسير أكتر من خمسة كيلومترات على الأقدام حتى نصل لأقرب مركز للإيواء.
“عند النزوح مختش حاجة غير موبايلي (لم أخذ معي سوى هاتفي الجوال) وهويتي ومحفظتي. كل ملابسي وممتلكاتي سبتها (تركتها) بالمنزل”.
وبعد النزوح من بيت حانون، التي دُمر ملعبها بالكامل جراء قصف المدينة، بدأت معاناة حمد بسبب توقف راتبه، لدرجة أنه لجأ لعمل حملة على الإنترنت لجمع التبرعات لعلاج والده الذي يعاني من مشكلات في الكبد.
وقال حمد إن مسؤولي نادي أهلي بيت حانون كانوا يرسلون نحو 30 دولارا للاعبين منذ بداية الحرب لكنها توقفت منذ ستة أشهر.
وأضاف “توقف تحمل مسؤولية النادي لأي لاعب فيه. بقى (كان) كل شهر أو شهر ونص يبعت (يرسل) حوالي 30 دولار، ولكن من ست شهور مبعتش (لم يرسل) حاجة.
“التبرعات اللي بتيجي قليلة أوي (جدا) بالنسبة للوضع اللي بنعيشه هنا في غزة. هل تعلم إن مئة دولار اللي بتيجيني (التي أحصل عليها) من الحملة بستلمها هنا في غزة 50 دولار بسبب العمولة العالية عندنا”.
ويحاول الاتحاد الفلسطيني تقديم الدعم للأندية والمتضررين.
وأبلغت سوزان شلبي نائبة رئيس الاتحاد الفلسطيني رويترز “رغم توقف الدوري والضائقة المالية التي يعاني منها الاتحاد فإنه يفعل أقصى ما يمكنه لتقديم الدعم لعناصر اللعبة ممن تضرروا من حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على كافة مكونات شعبنا في غزة”.
وأشارت إلى أن الاتحاد الفلسطيني خاطب الاتحاد الآسيوي والاتحاد الدولي للعبة (الفيفا) “لطلب المساعدة ليس فقط في هذا الشأن وإنما لإيجاد آليات لاستئناف النشاط المتوقف منذ بدء الحرب بسبب حواجز الاحتلال واقتحاماته للمدن وأعمال القتل والتخريب التي يقوم بها المستوطنون الإسرائيليون في المحافظات الشمالية.
“كما طالب (الاتحاد) المنظومة الدولية بالمساهمة في تقديم المساعدة الإنسانية لضحايا الإبادة في غزة”.
وقالت سوزان إن الاتحاد الآسيوي استجاب للطلب وقدم مشروعا لإنشاء مستشفى ميداني في غزة “لا زلنا نحاول لإيصاله إلى قطاع غزة الذي هو بأمسّ الحاجة إليه”.
وأضافت “في المحافظات الجنوبية (قطاع غزة) الأمر كارثي، فالاحتلال دمر تقريبا كافة البنى الأساسية، وقتل 435 من عناصر اللعبة الحاليين والمعتزلين، من لاعبين وكوادر وإداريين. والملاعب تم استخدامها من قبل الاحتلال كمعسكرات اعتقال وتعذيب، ومبنى الاتحاد في غزة تعرض لدمار كبير، ومع ذلك يتم استخدامه لإيواء العائلات التي فقدت منازلها”.
ولم يتسن الاتصال بالسلطات الاسرائيلية للحصول على تعقيب.
* سوء تغذية
وليس حمد وحده من يعيش هذه المعاناة، فهناك 1680 لاعبا مقيدون في 54 ناديا كانوا يشاركون في مسابقات الدوري بدرجاتها الأربعة في غزة قبل الحرب، ومن لم يُقتل منهم لا يجد الآن مصدرا للرزق أو ما يكفي من الطعام.
وأعلنت إسرائيل في 27 يوليو تموز الماضي إجراءات للسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى قطاع غزة بعد غضب دولي أثارته صور لسكان يتضورون جوعا في غزة. لكن وكالات الإغاثة تقول إن جزءا ضئيلا فحسب مما ترسله يدخل فعليا للقطاع. وتنفي إسرائيل بشدة تقييد إمدادات المساعدات.
ووفقا للسلطات الصحية الفلسطينية، توفي أكثر من 200 من سكان غزة بسبب سوء التغذية أو الجوع في الحرب.
وأشار حارس المرمى طويل القامة إلى معاناته من قلة الطعام “وزني كان قبل الحرب 95 (كيلوجراما) والآن 81”.
ولا يتوقف الأمر عند فقدان الوزن، بل كاد ماجد أبو لبن (34 عاما) لاعب شباب جباليا أن يفقد حياته وهو يحاول الحصول على المساعدات.
وأبلغ أبو لبن، الذي تعذر الاتصال به أكثر من مرة بعد انقطاع شحن هاتفه لقلة مصادر الطاقة في غزة، رويترز عبر تطبيقات الإنترنت “من أول الحرب فش (لا يوجد) رياضة في فلسطين. مفيش دخل لأي لاعب. أغلب الرياضيين صاروا يتوجهون للمساعدات الأمريكية. النادي تبعي من أول يوم بالحرب مدفعش (لم يدفع) ولا شي.
“أول مرة رحت فيها للحصول على المساعدات الأمريكية انقصفت أنا والشباب اللي (الذين) معي، انصبت إصابات مش (ليست) سهلة”.
وأضاف اللاعب الذي مثّل المنتخب الفلسطيني الأولمبي “بعد فترة بسبب غلاء المعيشة توجهت كمان مرة علي المساعدات الأمريكية، بس للآسف انصبت بطلق قناص في صدري وشظايا في وجهي. هو لو في دخل من الأساس ما بروح على المساعدات الأمريكية في مصائد الشباب… هل تتصور المعاناة والمخاطرة علشان (حتى) أوفر أبسط الاحتياجات لأطفالي. وصل (سعر) كيلو العيش عنا 30 دولار. هادا (هذا) سعر جنوني.
“مفيش مجال ترجع للرياضة. (أنا مصاب) بكسور عديدة وطلق بالصدر وبشكل عام ما في تغدية ولا في علاج”.
* “انتهت الرياضة بغزة”
حاول حمادة صالح لاعب الأهلي الفلسطيني البحث عن طريقة لإيصال صوت اللاعبين فلم يجد سوى بيع حذائه، حتى وإن تمت عملية البيع بثمن بخس.
وقال المهاجم صالح لرويترز “الحرب دمرت مسيرتنا الكروية. لم نلعب من سنتين وفي ظل إغلاق المعابر وغلاء أسعار جميع السلع لعدم توفرها وفقدان مهنتي الرئيسية… لجأت لبيع بعض مقتنياتي عشان أقدر أعيش أنا وزوجتي.
“وصل فيا المطاف إني أعرض حذائي الخاص إللي كنت ألعب فيه وكان هدفي إن الرسالة توصل أن اللاعبين في قطاع غزة يعانون… والحذاء انباع (بمقابل) 50 دولار كان وقتها كيلو الدقيق 30 دولار”.
وكان صالح أوفر حظا من أبو لبن، إذ تعرض لإصابة بشظية “لكن الحمد لله ربنا سلم” أثناء ذهابه للحصول على المساعدات “عشان أوفر أي شيء”.
ويعتقد صالح، الذي انتهى عقده مع ناديه أثناء الحرب الرياضة “انتهت بغزة لأنه ولا ملعب صالح للعب” بسبب القصف المستمر.
وكان يوجد في القطاع عشرة ملاعب استُهدفت “بشكل مباشر بالصواريخ الإسرائيلية” بحسب مصطفى صيام المسؤول الإعلامي بالاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في غزة.
وأبلغ صيام، الذي استخدم دروع التكريم التي حصل عليها لإشعال النيران لطهي الطعام لعدم توافر الغاز في غزة، رويترز “الصواريخ الإسرائيلية تسببت في تدمير ملاعب بيت حانون وبيت لاهيا شمال قطاع غزة وملاعب التفاح والزيتون في مدينة غزة فيما تحول ملعب اليرموك إلي مركز لإيواء النازحين.
“ذلك قبل اقتحامه وتجريفه من قبل الدبابات الإسرائيلية وتحول إلي مركز اعتقال وتحقيق للمدنيين خلال اجتياح مدينة غزة، فيما تضرر ملعب فلسطين الدولي أيضا وتحول إلي مركز لإيواء النازحين وأصبح غير صالح لإقامة المباريات… نتحدث عن تدمير أكثر من 80 بالمئة من البنية التحتية الرياضية”.
وكان ملعب اليرموك يستضيف مباريات ستة أندية تلعب في الدوري الممتاز، من بينها مباراة الأهلي الفلسطيني وشباب رفح في افتتاحية الجولة السابعة والتي كانت مقررة في عصر السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023.
* رصد الانتهاكات الإسرائيلية
قال مصدر من الاتحاد الفلسطيني رفض ذكر اسمه إن الاتحاد “شكل لجنة خاصة لرصد الانتهاكات الإسرائيلية، كان فيها مجموعة طواقم من غزة والضفة الغربية، ومن مختلف المؤسسات لتوثيق ورصد أخبار استشهاد اللاعبين والطواقم الإدارية والفنية والانتهاكات الأخرى على المباني والمنشآت الرياضية وأصدرت تقريرا مفصلا حتى شهر مارس 2025”.
وأضاف المصدر “الرقم الأخير المسجل هو 325 شهيدا ما بين لاعبين إداريين ومدربين وذلك حتى تاريخ التاسع من أغسطس، بجانب تدمير 265 منشأة رياضية”.
إلا أن عدد القتلى من لاعبي كرة القدم ليس نهائيا لعدم القدرة على حصرهم وفقا لما ذكره صيام.
وأضاف صيام “الاتحاد (في غزة) شكل لجنة لرصد كافة الأرقام بس (لكن) لسه الحرب شغالة وفي عدد كبير تحت الأنقاض بالإضافة إلي صعوبة تنقلنا للبحث بسبب القصف المستمر في الليل والنهار”.
وقالت سوزان شلبي نائبة رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إن الاتحاد أرسل طلبا جديدا للفيفا من أجل إيقاف نشاط الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم.
وتابعت “قدمنا طلبا تلو الطلب على مدار عقد ونصف من الزمن. لدينا طلب كل عام تقريبا على أجندة مؤتمر الفيفا السنوي منذ 15 عاما، لكن لا حياة لمن تنادي.
“قضيتنا الأولى عند الفيفا أكبر من مجرد تقديم مساعدات. نحن عضو ملتزم بالأنظمة واللوائح، ونوفي بالتزاماتنا رغم كل ما نرزح تحت وطأته بسبب الاحتلال… مطلبنا منذ سنوات هو أن تتم معاملتنا أسوة بكافة الاتحادات المحلية في العالم”.
(تحرير أحمد الخشاب وسها جادو للنشرة العربية)