مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حدود العلاقات العسكرية بين قطر والولايات المتحدة

حرص نائب الرئيس الأمريكي أثناء زيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط على زيارة الجنود الأمريكيين المتواجدين في قاعدة العديد الجوية في قطر swissinfo.ch

أثارت التصريحات الأمريكية الأخيرة عن اعتزام واشنطن نقل جزء من قواتها ومعداتها من السعودية إلى دولة قطر الكثير من التساؤلات حول مستقبل التواجد العسكري الأمريكي في منطقة الخليج وطبيعة العلاقات بين الدوحة وواشنطن..

من المؤكد أن العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وقطر سوف تنتقل إلى مستوى أكثر تطورا خلال الفترة القادمة، فالتصريحات الرسمية الأمريكية الخاصة بنقل قوات أو معدات من السعودية إلى قطر ليست بدون أساس، لكن تلك العلاقات لن تصل – على الأرجح – إلى ذلك المستوى من العلاقات الدفاعية ذات الأبعاد الاستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة والقوى الإقليمية الرئيسية فى المنطقة مثل تركيا ومصر وإسرائيل، وحتى السعودية التى قد يتم نقل قوات أو معدات منها.

إن المسألة برمتها لا تخلو من بعض التعقيدات. فهناك علاقات تعاون عسكرى متعددة المستويات تربط الولايات المتحدة بحوالى 17 دولة من مجموع 23 دولة تشكل النطاق التقليدى لمنطقة الشرق الأوسط، وتتفاوت تلك العلاقات بشدة من دولة لأخرى، إلا أنها عموما تدور حول نمطين، أولهما هو التعاون الدفاعى الذى يسمى فى الإقليم أحيانا “تحالف استراتيجى”، ويرتبط بوجود قواعد – وليس مجرد تسهيلات – عسكرية، واتفاقات تتصل باستخدام القوات المسلحة ضد مصادر تهديد مشتركة فى إطار أحلاف كتركيا، أو معاهدات كالسعودية، أو تفاهمات كإسرائيل، كما أن مصر ليست بعيدة عن هذا الإطار.

أما النمط الثانى، فإنه يرتبط بأشكال محددة للتعاون العسكرى، تطلق عليها مسميات ترتبط بمضمونها، وتتصل عادة بالتدريبات المشتركة والمساعدات العسكرية والتسهيلات العسكرية والصفقات التسليحية وتبادل المعلومات. وهو الوضع القائم بالنسبة لمعظم دول المنطقة كالأردن واليمن وإريتريا والمغرب وتونس والبحرين والإمارات. وإن كانت هناك أشكال متطورة أو مركبة من التعاون العسكرى الأمريكى مع بعض دول تلك الفئة،على غرار حالات سلطنة عمان (التى تلعب دورا خاصا فى حرب أفغانستان) والكويت (التى تربطها بالولايات المتحدة معاهدة دفاع مشترك ضد العراق).

موقع قطر في المعادلة

ولا توجد مشكلة كبيرة فى تحديد الموقع الذى احتلته قطر، ضمن هذين النمطين، خلال السنوات الماضية، فقطر دولة صغيرة توجد حدود واضحة لقدرتها على “التفاعل العسكرى” بصرف النظر عن رغبتها، التى تبدو أحيانا غير مقيدة، فى ذلك.

فحجم القوات المسلحة النظامية القطرية لايتجاوز 12.300 جندى، يتوزعون على قوات برية (8500 جندى) وبحرية(1730 جندى) وجوية(2100 جندى ) محدودة، وليس لديها سوى 35 دبابة قتال رئيسية و18 طائرة مقاتلة، وعدد من الزوارق البحرية، وبالتالى كانت هناك دائما حدود واضحة لقيام أشكال التعاون العسكرى المتطورة المتصلة بالمشاركة فى عمليات عسكرية، كما كانت هناك أيضا – بفعل حجم البنية الأساسية العسكرية وضيق المساحة الجغرافية – حدودا لانطلاق عمليات عسكرية رئيسية من الأراضى القطرية.

لم تنشأ كذلك علاقات تسليحية قوية بين قطر والولايات المتحدة، فعلى الرغم من أن واردات دول الخليج التسليحية تشكل 17 % من حجم سوق السلاح العالمية، فإن تلك النسبة ترتبط فى الأساس بالصفقات الضخمة التى تعقدها السعودية والإمارات العربية، والتى تتعلق ببرامج تسليحية طويلة المدى أو أعداد كبيرة من أنظمة التسليح الرئيسية (كطائرات إف – 16)، التى تخلق علاقات عسكرية – تسليحية مكثفة ممتدة تستند على مصالح مؤسسية كبرى، بينما تقع قطر داخل دائرة العقود الصغيرة المتصلة بالحصول على أسلحة أو معدات عسكرية (رادارات أو دبابات) محدودة، يضاف إلى ذلك أن تسلح الجيش القطرى يشير إلى اعتماده فى الأساس على الأسلحة الفرنسية( كدبابات أيه إم إكس، أو مقاتلات ميراج 2000)، وليس الأسلحة الأمريكية.

تسهيلات عسكرية

فى هذا الإطار، اقتصر الشكل الرئيسى للتعاون العسكرى الأمريكى – القطرى على قيام الولايات المتحدة بتخزين كميات تصفها بعض التقارير بأنها كبيرة من المعدات والأسلحة الأمريكية فى قطر، إلا أن تقرير الميزان العسكرى السنوى ( 2001 -2002 ) الصادر عن المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية بلندن، لا يشير سوى إلى تواجد 37 جندى أمريكى بقطر فى إطار مهمة الإشراف على مخازن أسلحة ومعدات لتشكيل عسكرى بحجم لواء.

وقد أشارت مصادر عديدة إلى أن القوات الأمريكية قد عززت وجودها بشكل واسع بالأراضي القطرية فى إطار عمليات حرب أفغانستان خلال مرحلة ما بعد 11 سبتمبر 2001.

إلا أن طبيعة الاتصالات العسكرية التى جرت بين الجانبين منذ 11 سبتمبر تشير إلى أن نمط العلاقات العسكرية المستندة على أشكال محددة من “التسهيلات العسكرية” لم يتغير، ففى أوائل أكتوبر 2001 قام وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بجولة فى المنطقة المحيطة بأفغانستان فى إطار الترتيب للحملة العسكرية التى انطلقت بعد ذلك.

شملت تلك الجولة كازاخستان والسعودية وعمان ذات الوضع الخاص فى الحملة الراهنة، ومصر وتركيا، وبقى مساعده دوجلاس فيبث، الذى كان قد رافقه فى الجولة، بالمنطقة، حيث قام بزيارة عدة دول فى المنطقة (الكويت والأردن والإمارات والبحرين) بينها قطر، لاستكمال بعض الترتيبات العملياتية المحددة، مما أوضح “نوعية” ماهو مطروح بينهما، فلا يوجد ما يشير إلى أن تحولا كيفيا فى النمط القائم للعلاقات العسكرية بين الطرفين قد حدث.

قاعدة العضيد

إن احتمالات حدوث مثل هذا التحول خلال الشهور الماضية قد ارتبطت فى الأساس بما طرح حول قيام وزارة الدفاع الأمريكية بعملية نقل غير محددة المعالم لقوات ومعدات عسكرية خاصة بها من قاعدة الأمير سلطان الجوية بمنطقة الخرج جنوبى الرياض إلى قطر، فى إطار الملابسات التى أحاطت بالعلاقات الأمريكية – السعودية فى الفترة الأخيرة، والتى مست مسألة الوجود العسكرى الأمريكي فى المملكة.

وتضم قاعدة الأمير سلطان الجوية، التى تطرح الاحتمالات بشأنها، مابين 5000 – 6000 جندى أمريكي، إضافة إلى حوالى 40 مقاتلة تتمركز بها فى إطار مهمة مراقبة منطقة الحظر الجوى جنوب العراق، كما أنها تمثل بالطبع جزءا من قوة الردع الأمريكية فى تلك المنطقة.

لكن الأهم أن القاعدة تشتمل كذلك على مقر قيادة سلاح الجو الأمريكي فى الخليج ،وتشير المعلومات المؤكدة حتى الآن إلى أن عملية النقل الجارية إلى قاعدة العضيد العسكرية فى قطر لاتتضمن نقل قوات أو طائرات، وإنما معدات عسكرية متطورة يرجح أنها تتصل بمركز القيادة المشار إليه، مع القوات والكوادر التى يتصل عملها به مباشرة، فى ظل تأكيدات أمريكية وسعودية بأنه لايوجد توجه لدى الطرفين لسحب القوات الأمريكية من السعودية، رغم مطالبة شخصيات مثل السيناتور ليفين، رئيس لجنة القوات المسلحة بالكونجرس الأمريكى، واشنطن بنقل قواتها الموجودة فى السعودية إلى مكان آخر فى المنطقة “يكون اكثر ترحيبا”.

وبالطبع، فإن العلاقات العسكرية الأمريكية – القطرية سوف تشهد – فى ظل هذه الظروف – تطورا هاما، لكن هذا التطور سوف يقترب بها فى الغالب من مستوى العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة والبحرين، وليس ماهو قائم بينها وبين السعودية، فالبحرين تعد مرتكزا هاما للتواجد العسكرى الأمريكي فى الخليج، عبر وجود مركز قيادة “القيادة المركزية”(سنكوم) وقيادة الأسطول الخامس الأمريكي، وحوالى 860 من مشاة البحرية الأمريكية، مع وحدة عسكرية بريطانية، بقاعدة الجفير البحرية فيها، وهو ما قد تشهده الحالة القطرية على مستوى قيادة العمليات الجوية التى تمثل محور الخطط العسكرية الأمريكية منذ بداية التسعينات.

وقد يساهم فى تدعيم الوضع القطرى كذلك وجود علاقات أثير – خلال الزيارة الأخيرة التى قام بها وزير الدفاع الإيراني على شمخانى للدوحة – أنها ذات أبعاد عسكرية، بين قطر وإيران، وكذلك خطوط مفتوحة قطرية – عراقية، على نحو قد يطرح مستويات إضافية للتعاون بين الجانبين فى مجال تبادل المعلومات، خاصة مع وجود تيار داخل هيئات التخطيط فى المؤسسات الأمريكية يدفع فى اتجاه التفكير فى الاعتماد على ما يسمى “الأصدقاء الخاصين”، بدلا من الحلفاء التقليديين المرهقين لواشنطن، كأساس للسياسة الأمريكية فى المنطقة العربية، لاسيما وان قطر كانت قد أكدت خلال مرحلة الترتيبات الأمريكية لحملتها فى أفغانستان استعدادها الكامل لاستخدام القوات الأمريكية تسهيلاتها العسكرية بالمستوى الذى ترغب فيه، لكن ستظل المشكلة التى تمت الإشارة إليها فى البداية قائمة، وهى حدود قدرة قطر على التفاعل فى هذا المجال، لذا ستظل العلاقات عسكرية محددة.

محمد عبد السلام – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية