The Swiss voice in the world since 1935

اللاجئون بسبب المناخ… ضحايا منسيون في القانون الدولي

مهاجرو المناخ
رغم تفاقم ظاهرة الهجرة بسبب الكوارث المناخية، لا يزال القانون الدولي لا يعترف بلاجئي ولاجئات المناخ swissinfo.ch

لا يعترف القانون الدولي بما يعرف”لاجئي المناخ ولاجئاته“. فهل يجب استحداث وضع قانوني جديد لحماية هذه الفئة؟ قضية مثيرة للخلاف، في وقت يتزايد فيه النزوح بسبب الظواهر المناخيّة القاسية. 

في عام 2009، انتشرت حول العالم صور مؤتمر استثنائي عُقد تحت الماء على عمق ستة أمتار، اجتمع خلاله وزراء حكومة المالديف وهم يرتدون بدلات غوص. وكان الهدف لفت أنظار المجتمع الدولي إلى التهديد الوجودي الذي يشكله ارتفاع منسوب مياه البحر على أرخبيلهم.  

ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، تسببت الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ – مثل ارتفاع منسوب مياه البحر، والجفاف، والفيضانات، والانهيارات الأرضية، والحرائق،في تهجير أكثر من 220 مليون  شخص في السنوات العشر الماضية. وغالباً ما يعجز القانون الدولي عن تقديم توصيف لعمليات النزوح هذه، مما يترك العديد من الأشخاص دون حماية قانونية كافية. 

المناخ، سبب لجوء غير معترف به  

لا تعترف اتفاقية جنيف الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951، بالمناخ كسبب للنزوح. وهي حقيقة أثارت قلق المقرر الخاص للأمم المتحدة السابق المعني بحقوق الإنسان وتغير المناخ عندما عبّر في جنيف في عام 2022 قائلاً: “أنا قلق للغاية بشأن اللاجئين واللاجئات بسبب المناخ خارج الحدود الوطنية، فهم غير معترف بهم كلاجئين بموجب اتفاقية جنيف، وبالتالي لا يستفيدون من الحماية القانونية”. 

خريطة
swissinfo.ch

وتثير هذه الثغرة القانونية المزيد من القلق، في الوقت الذي يعيش فيه نصف سكان العالم تقريبًا في بيئات” شديدة التأثر“ بتغير المناخ، وفقًا لتقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC). 

رأي غير مسبوق من الأمم المتحدة 

ومع ذلك، يمكن أن يتطوّر القانون الدولي. ففي عام 2010، تقدم مواطن من أرخبيل كيريباتي، وهو أرخبيل في المحيط الهادئ مهدّد بارتفاع منسوب مياه البحر، بطلب لجوء في نيوزيلندا. ورُفض طلبه حينها، وأحيل ملفّه إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتّحدة. وبعد عشر سنوات، صدر قرار غير مسبوق في جنيف يفيد بأنّ إعادة شخص إلى إقليم متضرّر بشدّة من تغيّر المناخ، يمكن أن يشكّل انتهاكًا لحقه في الحياة. 

”من المحتمل أن تعرّض آثار تغير المناخ (…) طالبي اللجوء لانتهاك الحقوق التي تكفلها المادتان 6 أو 7 من العهد الدولي، الأمر الذي من شأنه أن يلزم الدول (…) بتطبيق مبدأ عدم الإعادة القسرية“، كما جاء في هذا الرأي التاريخي الذي يمضي إلى القول: ”إن خطر اختفاء بلد بأكمله تحت المياه هو خطر جسيم، لدرجة أن ظروف المعيشة في البلد المعني قد تصبح متعارضة مع الحق في العيش بكرامة، حتى قبل وقوع الكارثة“. 

تعرف المنظمة الدولية للهجرة، «المهاجرين البيئيين»، بأنهم أشخاص، أو مجموعات بشرية، تضطرها أسباب قهرية، تتعلق بالتغيرات المفاجئة، أو التدريجية فى البيئة الطبيعية، وتؤثر سلبا على حياتهم أو ظروف معيشتهم؛ مثل: ارتفاع مستوى سطح البحر، الأحداث المناخية القاسية، الجفاف، ندرة المياه، التصحر، تعطيل أنماط الطقس الموسمية، ملوحة الأراضى المروية، ونضوب التنوع البيولوجى؛ إلى مغادرة منازلها الاعتيادية، والفرار إلى دولة أخرى، أو الهجرة داخل بلدانهم.

ورغم أن هذه السابقة تفتح ثغرة في جدار الرفض لهذا النوع من القضايا، تظل معايير القبول صارمة. وفي الأخير، أُعيد مقدّم الطلب، أيون تيتيوتا، إلى بلده لأنه لم يتمكن من إثبات أنه يواجه خطرًا ”وشيكًا“. 

وضع اللاجئ المثير للانقسام 

وبعد مرور خمس سنوات، لا يزال التوصّل إلى اتفاق بشأن وضع قانوني محدد للاجئي المناخ ولاجئاته يثير انقسام المجتمع الدولي، وتظل المناقشات بهذا الشأن متعثرة. ويشير عالم الجغرافيا بجامعة نوشاتيل السويسرية، إتيان بيجيه، خلال حوار له مع برنامج جيوبولتيس، الذي تعده قناة التلفزيون السويسري العمومي الناطق بالفرنسية (RTS)، وتذيعه: “من النادر جدا أن يعبر شخص ما الحدود بسبب المناخ فقط “. فلا يستطيع العديد من الأشخاص المتأثرين بالاحتباس الحراري التنقل في الواقع، لأنهم يفتقرون إلى الموارد اللازمة للمغادرة”. 

شاهد الحلقة الكاملة حول هجرة المناخ، والتي ساهمت في إنتاجها SWI Swissinfo.ch:

محتويات خارجية

ووفقا لهذا الخبير المتخصص في الهجرة المناخية: “من الصعب للغاية تعريف لاجئ المناخ، لأن حركات النزوح هذه غالبا ما تكون مؤقتة، وتنتج عن أسباب متعددة”. وبالنسبة إليه “غالبا ما يكون المناخ القشة التي تقسم ظهر البعير”.   

التكيّف بدلا من الهروب 

وفي جنيف، تركّز المنظّمة الدوليّة للهجرة (IOM) على حلول التكيّف مع الوضع المستجدّ، استجابة لتزايد النزوح المرتبط بالمناخ. وأوضحت رانيا شارش، مديرة العمل المناخي، خلال زيارة قامت بها سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) إلى مقرّ المنظّمة الدولية للهجرة: “إنّ تغيير الإطار القانوني قد يستغرق وقتا، وقد يكون غير فعّال بالنسبة إلى معظم الأشخاص النازحين بسبب عوامل مناخيّة، الذين يتنقّلون في الغالب داخل البلد نفسه”. وتقدّر المنظّمة أنّ أكثر من 80% من النزوح المرتبط بالمناخ، يتم داخل البلد الواحد. 

وتتابع شارش قائلةً: «ما يبدو أكثر أهميّة بالنسبة إلينا، هو السماح للناس بمواصلة العيش في بلادهم، على سبيل المثال من خلال العمل على الحصول على المياه أو حماية الأراضي الزراعيّة». ومثالها في ذلك، بناء السدود في اليمن لحماية المساحات الزراعيّة من الفيضانات.  

لم تعد الهجرة بسبب العوامل المناخية حكراً على البلدان النامية. فاليوم، “نرى أيضًا حالات مماثلة في فرنسا وسويسرا والمملكة المتحدة،” كما أشار الجغرافي إتيان بيجيه. وفي منطقة با دو كاليه، أدت الفيضانات المتكررة إلى هجران قرية بأكملها، والتي سيتم هدمها وإعلانها غير قابلة للبناء لتصبح منطقة توسّع للفيضانات. وفي سويسرا، كان لا بد من إخلاء قرية برينز في عام 2023، المهددة بانهيار أرضي. “ربما كان يُعتقد أن الشمال محصن. لكن الأمر لم يعد كذلك. نعم، نحن مجهزون مالياً بشكل أفضل للتكيف، ولكننا لسنا محميين.” 

ويرد إتيان بيجيه، المتخصّص في الهجرة المناخية: “لن نتمكّن من بناء السدود في كلّ مكان. ويمكن للتكنولوجيا أن تقدّم لنا الحلول، لكنّها لن تكون كافية. ومن الضروري أن نكافح ظاهرة الاحتباس الحراري، ونساعد، في الوقت نفسه، الأشخاص المتضرّرين بالفعل”. 

ويرى هذا الخبير أن الجهود المحلية يجب أن تكون مصحوبة بتضامن دولي متزايد، فيقول: “يجب على المجتمع الدولي توفير الأموال لمواجهة التحديات المقبلة”. وبالفعل أطلقت المفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، صندوقًا لمساعدة المجتمعات النازحة بسبب تغيّر المناخ على الاستعداد له، والتعامل معه. وتأمل الوكالة في جمع 100 مليون دولار بحلول نهاية العام. 

نحو تأشيرات مناخية؟ 

لكن، يظل الهروب هو الخيار الوحيد، بالنسبة للبعض. “بالنسبة لأولئك الذين ليس لديهم خيار سوى المغادرة، على سبيل المثال بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، تعمل المنظمة الدولية للهجرة مع الحكومات والمجتمعات لضمان طرق الهجرة القانونية”، تقول رانيا شارش. 

ورغم بداية ظهور بعض الاستجابات الجديدة أحيانا، كما هو الحال في دولة توفال. ففي عام 2023، وقّعت هذه الدولة الصغيرة التي توجد في المحيط الهادي اتفاقية غير مسبوقة مع أستراليا، تضمن لمواطنيها البالغ عددهم 11 ألف مواطن ومواطنة الحصول على تأشيرات للعيش في الدولة المجاورة. ومن المقرر إصدار التأشيرات الأولى لـ280 مواطنة ومواطنا توفاليا هذا الصيف. 

المزيد
بنغلاديش

المزيد

من جزر بوهلا إلى شوارع دكا: كيف يعيد التغير المناخي رسم خريطة الهجرة؟

تم نشر هذا المحتوى على أين يذهب أولئك الذين يضطرون إلى مغادرة منازلهم.ن بسبب التغيّرات المناخية؟ تقدم دراسة أجراها المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ إجابات غير متوقعة.

طالع المزيدمن جزر بوهلا إلى شوارع دكا: كيف يعيد التغير المناخي رسم خريطة الهجرة؟

وفي المقابل، تطالب كانبيرا بأن يكون لها رأي في الاتفاقيات الأمنية التي قد يفكر الأرخبيل في توقيعها مع دول أخرى، الأمر الذي أدى إلى مناقشات ساخنة حول سيادة توفالو. 

التخفيضات الأمريكية.. القطرة التي أفاضت الكأس 

هذا التقدّم البطيء قد يُجهض في بدايته بسبب التخفيضات الأخيرة في ميزانية المساعدات الأمريكية، والتي تستهدف مشاريع العدالة المناخية والبيئية على وجه الخصوص. وقد اضطرت المنظمة الدولية للهجرة، المتضررة من ذلك بشكل خاص، إلى تقليص كوادرها، بما في ذلك 20% من موظفيها في المقر الرئيسي في جنيف. ما يزيد من خطر رؤية لاجئي ولاجئات المناخ يغرقون أكثر في غياهب النسيان. 

لكن رانيا شارش مقتنعة بقدرة النظام على الصمود، وتقول: “لن ننسى التحولات المناخية أبدًا. وهذا هو الواقع الذي نواجهه يوميا في كافة البلدان التي نعمل فيها. وسنواصل حشد الدعم اللازم لمساعدة الأشخاص المتضررين من أزمة المناخ”. 

إن مسألة الوضع القانوني الخاص بلاجئي المناخ ولاجئاته ليس جديداً. ففي عام 2010، أطلقت سويسرا والنرويج عملية تشاور بهدف حماية النازحين عبر الحدود بسبب الكوارث وآثار تغير المناخ. وأدى هذا المشروع الذي أُطلق عليه اسم مبادرة نانسن، إلى نشوء المنصة المعنية بالنزوح الناجم عن الكوارث بعد خمس سنوات، والتي وافقت عليها أكثر من 100 دولة في جنيف. ولا تزال المبادرة نشطة حتى اليوم، وتهدف إلى النهوض بهذه القضية في مختلف الهيئات التفاوضية الدولية.

تحرير: فيرجيني مانجان

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة: مي المهدي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية