حملة انتخابية حامية الوطيس
يعيش الجزائريون منذ 19 مارس الماضي على وقع أول حملة انتخابية تعددية، يتنافس فيها ستة مرشحين على كرسي الرئاسة.
وتشير تحليلات مراكز المخابرات العامة للشرطة الجزائرية أن المواطن العادي محتار بين فكرة معارضة رئيس في الخدمة، وتقليد تأييد الزعيم الذي رسخته 40 عاما من الحكم الشمولي.
أصبحت التحليلات التي طُـرحت طيلة الأسابيع الماضية بشأن وضع التيارات الوطنية والإسلامية والعلمانية في الجزائر، محل شك كبير.
ففي الوقت الذي قيل فيه بأن الإسلاميين سيؤيدون الشيخ عبد الله جاب الله، زعيم حركة الإصلاح الإسلامية، كشفت تطورات الأيام الأخيرة أنهم انقسموا جميعا بين مؤيد له ورافض لإجراء الانتخابات وداعم للرئيس بوتفليقة رأسا.
ويُمثل هذا الوضع “قرة عين” الرئيس، الذي يريد الاستفادة من أصوات الإسلاميين الذين اختلفوا في الواقع بسبب اختلاف تجاربهم، ولم تغن عنهم فكرة الولاء والبراء شيئا، لأنهم لم يتفقوا أصلا حول فكرة ماهية “الطاغوت”…
تفسير هذا يمثله رأي عباسي مدني، زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، الذي يريد تأجيل الانتخابات ويرفُـض تقديم الدعم إلى أي من المرشحين، ولو كان الشيخ عبد الله جاب الله، لأن الوضع السياسي والأمني غير مناسب، حسب رأيه.
يُخالف هذا الرأي قطاع واسع من المنتمين للجبهة الإسلامية، وخاصة منهم الشباب ومن حملوا السلاح ثم نزلوا من الجبال في إطار قانون الوئام المدني، وينطق باسم هؤلاء رابح كبير، ممثل الجبهة في أوروبا، حيث أعلن أنه يدعو الجزائريين للتصويت على عبد العزيز بوتفليقة.
من ناحيته، لم يقبل جاب الله هذه الدعوة، لأنها تمثل خروجا غير مسبوق عن التيار الإسلامي وأبجدياته، إذ لا يمكن، حسب رأيه، انتخاب مرشح لا ينتمي إلى الداعين إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.
يرد أنصار الجبهة على أفكار جاب الله بما يلي: “بوتفليقة هو الشخص الوحيد الذي أعاد الأمن للبلاد وأعاد لنا الاعتبار كإسلاميين، في نفس الوقت يمثل بوتفليقة الشخصية الوحيدة التي يمكنها إضعاف الجيش خصم الجبهة الإسلامية اللدود”.
هنا يقع بيت القصيد، حسب الكثيرين، ولأن جاب الله لم يحمل السلاح عندما تمردت الجبهة الإسلامية عام 1991 عندما ألغيت الانتخابات التي كادت أن تفوز بها، اختلفت تجربة من عاش في الجبال على من فضل أسلوب مقارعة الحجة بالحجة تحت قبة البرلمان.
لذلك، يرى “الجبهويون” أن فكرة الولاء والبراء لا محل لها من الإعراب. فالحرب مع الأعداء لا زالت مستمرة. ومع هذا، يبقى أن هناك “جبهويين” كثيرين سيصوتون لصالح جاب الله، غير أن حظوظه في الوصول إلى الدور الثاني قد رهنها رابح كبير من ألمانيا، رغم أن صندوق الانتخابات سيحفل بالكثير من المفاجآت.
إشاعات وانتقادات شرسة
هناك من لا زال يكرر مقولة: “الجيش وما أدراك ما الجيش، حياده غريب وموقفه اليوم عجيب”. فبالرغم من هيجان الحملة الانتخابية بين أبرز مرشحين هما الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وعلي بن فليس، الأمين العام لجبهة التحرير، لم تتحرك المؤسسة العسكرية.
وبطريقة مباشرة وغير مباشرة، يتحدث الرجلان وكأن الجيش معهما، ليس هذا فقط، فقد احتار المواطن العادي (حسب مصالح استخبارات الشرطة) بين قوة حجة الرجلين في الدفاع عن البرنامج الانتخابي لكليهما.
الواقع أن كثرة أنصار الرئيس لم تفاجئ أحدا. فهو القائد الأعلى للبلاد، وطبيعي أن يكون أنصاره كثر، غير أن كثرة أنصار بن فليس تركت انطباعا قويا، خاصة في معاقل بوتفليقة الطبيعية في غرب وجنوب غرب البلاد.
وقد تقاطع هذا الوضع الجديد مع سكوت مطبق للجيش، الذي أمر المنتسبين إليه بالصمت والابتعاد عن الحديث في السياسة، حتى ولو كان ذلك في المجالس العائلية.
وسط هذا الظرف الفريد، سكت المتنافسون عندما بلغهم نبأ تأجيل بوتفليقة لجولته الانتخابية في ولايتي البيض والنعامة غرب البلاد، حيث أصيب بوعكة صحية سببها الإرهاق.
وعلى الفور، تطاولت الألسن الإعلامية والدبلوماسية “الغربية”، للتحدث عن تناول الرئيس منشطات قوية بإشراف شقيقه وطبيبه الخاص الذي يعمل على تناول بوتفليقة لجرعات منتظمة، لأن الخطأ فيها قد يؤدي إلى كارثة.
أما المصادر المقربة من رئيس الجمهورية، فيشغل بالها أمر ثان، وهو شراسة انتقادات خصوم بوتفليقة له، ووصفه بأشنع الأوصاف، ومنها على الخصوص التكبر والعمالة.
ويشير العارفون بخبايا قصر المرادية أن عبد العزيز بوتفليقة منزعج من تعدد المنافسين، ويعتبر الأمر كارثة على البلاد، ويبدو أن مرد ذلك يعود إلى أنه ينتمي إلى جيل السياسيين الشموليين الذين لا يعترفون بالمعارضة.
لا أحد يجزم ..
صحيح أن هناك صورة عامة يظهر فيها بوتفليقة وهو يُصارع بن فليس، غير أن جوانب الصورة تُظهر أيضا مرشحين آخرين يجذبون الرئيس من تلابيبه ويريدون الإطاحة به أرضا.
زعيم هؤلاء بلا منافس، ليس الشيخ عبد الله جاب الله، زعيم حركة الإصلاح الإسلامية، بل لويزة حنون زعيمة حزب العمال اليساري.
لقد انتهجت هذه السيدة، رغم علمانيتها، أسلوبا حير المراقبين. فهي لم تطالب بإلغاء تعدد الزوجات، بل قالت: “يجب حصره على الأغنياء، لأن الرجال يستعملونه حقا طبيعيا نتجت عنه الكوارث، يموت على إثرها الأطفال جوعا ويتدنى مستواهم التعليمي بسبب فقر آبائهم الذين لا يفكرون إلا في تعدد النساء لديهم”.
وشمل انتقاد حنون شخص الرئيس ومحيطه وسياسة التقرب من الولايات المتحدة، وصبت جام غضبها على واشنطن وقالت بأن “بوتفليقة وزمرته يريدون بيع البلاد للأمريكيين بأرخص الأثمان”.
يُمثل هذا الرأي توجها فريدا لأنه صريح من جهة، ولأنه قادم من أول سيدة تترشح في أول انتخابات رئاسية تعددية في الجزائر.
من ناحية أخرى، برز إلى السطح، وبسبب الانتخابات الرئاسية، شخص الدكتور سعيد سعدي، زعيم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي قال بأنه لو فاز بالرئاسة لجعل اللغة البربرية في نفس مستوى اللغة العربية، ولَـحوّل العطلة الأسبوعية من يومي الخميس والجمعة إلى يومي السبت والأحد.
طبيعي أن دعوة كهذه لن تلقى آذانا صاغية، غير أن هذا التوجه العلماني البربري بقي موجودا وأسمع صوته خلال أهم حدث سياسي جزائري، والدكتور سعدي على علم بأنه لن يفوز بالانتخابات، غير أنه ترشح، حسب قوله، لإبقاء حزبه حيا، ولكي يسمع الجزائريون صوت ما يوصف بالتيار الديمقراطي.
سادس المرشحين تأثيرا، هو فوزي رباعين، زعيم حزب عهد 54، الذي وصف الدولة بأنها وكر للعملاء وأن تغييرها أمر ضروري، لأن فوز بوتفليقة بعهدة رئاسية ثانية سيعني الكارثة على مستقبل البلاد.
لا يجزم أحد أن النصر سيكون حليف بوتفليقة من دون منازع، رغم الإجماع الحاصل بأنه أول الفائزين بأكبر عدد من أصوات الناخبين، والسبب هو كثرة الحاضرين والهاتفين بأسماء المرشحين جميعا، ويمثل هذا الأمر وضعا فريدا في الحياة السياسية الجزائرية.
النزعة الجهوية
يضاف إلى كل ما سبق، بروز “قناة الخليفة” التلفزيونية التي يملكها الملياردير الجزائري عبد المؤمن خليفة، والتي فضل أن تبث من العاصمة البريطانية لندن، لأن الحكومة الجزائرية لا يمكنها إقناع البريطانيين بإيقاف بث القناة وسجن صاحبها.
وقد جمعت هذه القناة خلفها كل الجزائريين الذي سئموا من رؤية بوتفليقة متحدثا وحيدا في القناة التلفزيونية الوحيدة المملوكة للدولة، وهي قناة قال عنها الرئيس الجزائري: “إنها ملك للدولة ولا يحق لغير الدولة الجزائرية استعمالها”، أي أن القناة الحكومية لن تبث سوى آراء وصور بوتفليقة لا غير.
لذلك، تجمع خلف شاشات التلفزيون كل الذين سئموا من القناة الحكومية، ورغبوا في رؤية شيء آخر، فأصبحت قناة الخليفة لديهم رمزا للتمرد، وفرصة لسماع تصريحات مرشحيهم من دون التعرض لمقص الرقابة.
وهناك مسألة أخرى تضاف إلى ظاهرة قناة الخليفة، وهي النزعة القبلية والجهوية للجزائريين. فعندما يتجمع أنصار بوتفليقة في غرب البلاد، أي مسقط رأسه، يحاول سكان شرق البلاد التجمع خلف مرشح واحد، قد يكون علي بن فليس.
وقد بلغت هذه الظاهرة حدا دفع البعض إلى التأكيد بأن فيه تحليلات المراقبين والمتتبعين قد لا تجدي نفعا يوم التصويت، بدليل بروز مفاجآت داخل التيار الإسلامي، والضعف الظاهر لبوتفليقة عند مواجهة خصومه ضمن حملة انتخابية ديمقراطية.
وإذا كان الجيش قد التزم الحياد لاعتبارات داخلية وخارجية، فإن المعادلة قد تكون بسيطة بالنسبة للمواطن العادي، شرق وغرب البلاد، إذ ليس هناك شيء أسهل بالنسبة إليه من تطبيق المثل الشعبي القائل: “حمارنا خير من حصانهم”…
هيثم رباني – الجزائر
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.