سويس كوم: إستثناء سويسري!
في الوقت الذي تتهاوى فيه كبريات شركات الإتصالات في العالم تحت ضغط الديون، نجحت شركة سويس كوم – إلى حد الساعة - في تجنب مصير مشابه لوورلد كوم ومثيلاتها بفضل سياسة "محافظة" و"متأنية" و"حذرة"..
دفع الإنهيار المدوي لشركة وورلدكوم ،أكبر شركات الإتصالات في العالم، التي أعلنت إفلاسها رسميا العديد من الخبراء والمراقبين إلى التأمل في تجربة سويس كوم السويسرية التي لا زالت تحتل موقع أهم شركة اتصالات في الكونفدرالية على الرغم من تحرير كامل للقطاع في السنوات القليلة الماضية.
ففي الوقت الذي تبدو فيه كبريات الشركات الدولية العاملة في هذا المجال مثل دوتش تيليكوم أو فرانس تيليكوم مجرد عمالقة بأرجل من طين نظرا للحجم الهائل للديون المتخلدة بذمتها (67 مليار يورو للأولى و65 مليار يورو للثانية)، تتمتع سويس كوم بصحة أقل ما يقال فيها أنها جيدة!
فهذه المؤسسة التي توصف في سويسرا بـ “العملاق الأزرق” نجحت في التحول إلى استثناء حقيقي في هذا الميدان نتيجة اتباعها استراتيجية حذرة تعتمد على تحكم صارم في المصاريف، تمكنت – بفضل شيء من الحظ أيضا – من تجنب مصير أخواتها ومن تجميع سيولة مالية تقدر حاليا بحوالي ثلاثة مليارات فرنك!
ومن المؤكد أن السياسة الحذرة التي انتهجتها منذ تحولها من محتكر وحيد لقطاع الإتصالات بجميع أنواعها في سويسرا إلى مجرد مؤسسة متنافسة مع بقية الشركات قد ساعدت على تحقيق هذه النتيجة. لكن هذا لا يعني أن الأمور تسير على ما يرام..
مكاسب ونجاحات ..
فالأزمة التي يعاني منها القطاع في العالم مست سويس كوم أيضا حيث يتم حاليا تسريح ستة آلاف موظف من العاملين فيها، كما أن محدودية السوق السويسرية تقلص من إمكانيات توسعها المستقبلية لكن الأوضاع تظل جيدة بالمقارنة مع ما آلت إليه أوضاع شركات دولية أخرى.
ويمكن القول أن سويس كوم نجحت في تنفيذ “ضربة معلم” عندما باعت – قبل انهيار سوق الإتصالات بقليل – خمسة وعشرين في المائة من رأسمال سويسكوم موبايل (للهاتف الجوال) إلى شركة فودافون (Vodafone) البريطانية بأربعة مليارات وخمس مائة مليون فرنك.
كما حالفها التوفيق مرة أخرى عندما أقدمت على اقتناء مؤسسة دايبيتال (Debitel) الألمانية. فهذه الشركة التي لا تمتلك شبكة خاصة بها، تستأجر حصصا من خطوط الإتصال من المزودين العاملين في سوق الإتصالات وتمكنت من التحول في ظرف وجيز إلى أهم مؤسسة ناشطة في مجال الخدمات الإفتراضية في أوروبا يستفيد أكثر من عشرة ملايين حريف من خدماتها.
أخيرا، لم تبدد سويس كوم – على العكس من منافسيها الأوروبيين – موارد مالية هائلة للحصول على تراخيص للعمل بنظام (UMTS) للجيل الثالث من الهواتف الجوالة أو في عمليات شراء شركات منافسة لها.
وكانت النتيجة لهذه السياسة الحذرة أن بلغت أرباح سويس كوم الصافية أربع مليارات وتسع مائة مليون فرنك في عام 2001 (بزيادة تقدر بسبعة وخمسين في المائة عن العام السابق) والتوصل إلى توازن مالي ممتاز حول سهم الشركة – الذي لم يتأثر بتاتا بتطورات هذه الأيام العصيبة – إلى ما يشبه “القيمة-الملجأ” بسبب متانة وضعها العام.
الوجه الآخر للصورة
رغم كل هذه المعطيات الإيجابية، لا ينكر يانس أدلير مدير الشركة أن الحجم الصغير لسويس كوم مقارنة بعمالقة القطاع في القارة الأوروبية (دوتش تيليكوم وبريتيش تيليكوم وتيليكوم إيطاليا وتيليفونيكا الإسبانية وفودافون البريطانية وفرانس تيليكوم) يحرمها من لعب دور بارز على المستوى الدولي.
وبما أن سوق الإتصالات في سويسرا صغيرة جدا فان إمكانيات نمو أنشطة سويس كوم في المستقبل ضئيلة جدا بعد أن أوشكت على “الإمتلاء”. ولعل اقتصار نسبة نمو إجمالي رقم المعاملات للشركة في عام 2001 على ثمانية أعشار بالمائة (0.8% ) والتوقعات بتراجع هذه النسبة في العام الجاري تأكيد على أنه لا مفر من البحث عن بدائل جديدة.
ويرى يانس أدلير مدير الشركة أن الخيار الوحيد المتاح أمامه يتمثل في المراهنة على ما يسمى بـ “استراتيجية المشكاة” التي تقتصر على التخصص في بعض المجالات الجذابة تجاريا والتي لا تثير عادة اهتمام كبار المنافسين!
وفي هذا السياق تعتزم سويس كوم تطوير قطاع خدمات المعطيات الموجهة للمؤسسات الإقتصادية النشيطة في البلدان الأوروبية والتوجه إلى سوق قطاع الهواتف الجوالة حيث بإمكانها تقديم خبراتها لموفري هذه الخدمة الذين لا يملكون شبكات اتصال خاصة بهم.
وفي انتظار معرفة نتائج هذه التوجهات الإستراتيجية المستقبلية لأهم شركة سويسرية في مجال الإتصالات، يذكّر الخبراء والعاملون في قطاع الإتصالات بأن التطورات الدرامية التي تعصف بالشركات العالمية العملاقة مثل وورلدكوم تقيم الدليل مجددا على صحة المثل المُـتداول عن سويسرا (ومثيلاتها) والقائل بأن: “الحجم الصغير أفضل” (Small is beautiful)!!
سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.