
عائلتان تتجرعان مرارة النزوح المتكرر عبر أنقاض غزة هربا من الحرب والجوع

من حاتم خالد ونضال المغربي
غزة/القاهرة (رويترز) – تنقلت عائلة بكرون من شمال قطاع غزة وعائلة البريم من جنوبه بين المناطق التي تتناثر فيها الأنقاض عدة مرات خلال الحرب المستمرة منذ 21 شهرا بحثا عن الغذاء وهربا من العمليات العسكرية الإسرائيلية.
ولجأت العائلتان إلى منازل الأصدقاء والأقارب ثم فصول المدارس والخيام، ونزحتا مرارا بسبب أوامر الإخلاء التي يصدرها الجيش الإسرائيلي للمدنيين للتحرك من منطقة إلى أخرى.
ولدى عائلة البريم طفل من ذوي الإعاقة يدفعونه على كرسيه المتحرك. وتوقفت عائلة بكرون عن النزوح في مايو أيار بعد مقتل اثنين من أطفالها في غارة جوية.
وقال نزار بكرون (38 عاما) الذي فقد ابنته أولينا (عشرة أعوام) وابنه ربحي (ثمانية أعوام) “قصتنا قصة نزوح وفقد للأحبة: مجاعة وفقدان للأمل”.
وتسلط تجارب العائلتان الضوء على محنة 1.9 مليون شخص من سكان غزة، 90 بالمئة من سكان القطاع، تقول الأمم المتحدة إنهم نزحوا خلال الحرب.
ودمرت الحرب الإسرائيلية على غزة مساحات شاسعة من القطاع، وامتلك اليأس سكانه بسبب الجوع. واندلعت الحرب بعد هجوم مباغت شنه مقاتلون تقودهم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، التي تدير القطاع، على مجتمعات صغيرة حول قطاع غزة في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، والذي أسفر بحسب الإحصاءات الإسرائيلية عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 250 رهينة.
وقبل الحرب، كان نزار وزوجته أمل، التي تصغره بأربعة أعوام، يعيشان حياة سعيدة في حي الشجاعية المكتظ شرق مدينة غزة. ويبلغ أكبر أطفالهم واسمه آدم من العمر 12 عاما بينما أصغرهم يوسف طفل رضيع.
واطلعت رويترز على صور تظهر حفلات العائلة في المنزل وأياما قضتها على الشاطئ قبل الحرب.
وقال نزار “لما صار الهجوم في السابع من أكتوبر عرفت أنه نتيجته علينا مش راح تكون منيحة”. وأضاف أنهم غادرا المنزل في اليوم التالي إلى منزل والدة أمل في منطقة الزهراء جنوبا.
وبعد خمسة أيام بدأت إسرائيل في إصدار أوامر للمدنيين في شمال غزة بالإخلاء تجاه الجنوب، وفي 27 أكتوبر تشرين الأول شنت اجتياحا بريا.
وطوال فترة الحرب أصدرت إسرائيل أوامر بإخلاء المناطق التي تخطط لتنفيذ عمليات فيها، لكنها قصفت أيضا أماكن أخرى خلال تلك الفترات.
وتقول إسرائيل إن أوامر الإخلاء تهدف إلى حماية المدنيين ولكنها تقصف أينما ترصد وجود مقاتلي حماس الذين تتهمهم بالاختباء وسط السكان. وتنفي حماس استخدام المدنيين دروعا بشرية.
ويتهم الفلسطينيون إسرائيل باستخدام أوامر الإخلاء لطرد السكان من مناطقهم، وهو ما تنفيه إسرائيل.
وانتقلت عائلة بكرون إلى مخيم النصيرات في وسط غزة، وهو من ضمن مخيمات اللاجئين القديمة بالقطاع، حيث تكدسوا في شقة يملكها أقارب لأمل لمدة خمسة أشهر.
وكان القصف الإسرائيلي في أعنف مراحله خلال الأشهر الأولى من الحرب. وقالت وزارة الصحة في غزة إن عدد القتلى وصل إلى 32845 شخصا بحلول نهاية مارس آذار 2024. وتقول الوزارة إن العدد تجاوز الآن 59 ألف شخص.
وأخذت تكلفة الغذاء والوقود في الارتفاع مع تضاؤل المساعدات التي تدخل القطاع. وفي أبريل نيسان، أصدرت إسرائيل أمر إخلاء فتوجهت عائلة بكرون جنوبا إلى رفح على الحدود مع مصر حيث كان يوجد المزيد من الطعام.
ووضعت العائلة أمتعتها في السيارة وحملت مقطورة بالفرش والملابس ومعدات الطبخ ولوح طاقة شمسية وسافرت لمسافة 15 ميلا على طول الطرق المحاطة بالأنقاض.
وفي رفح، سكنت العائلة في أحد فصول مدرسة تابعة للأمم المتحدة مع شقيقي نزار وعائلتيهما، أي حوالي 20 شخصا في غرفة واحدة. وكانت مدخراتها تتآكل سريعا.
وبعد أسابيع قليلة، اضطرت للنزوح مجددا وهذه المرة إلى خان يونس على بعد بضعة كيلومترات بعد أمر إخلاء إسرائيلي جديد، وأيضا لفصل آخر مزدحم.
وفي يناير كانون الثاني، سمح وقف إطلاق النار للعائلة بالعودة شمالا إلى النصيرات، حيث تمتلك العائلة أرضا. وأخلت غرفة في مبنى متضرر للعيش فيها.
وقال نزار “كنا بنفكر أنه الأمور راح تتحسن”.
ولكن بعد أقل من شهرين، انهار وقف إطلاق النار في 18 مارس آذار. وأضاف نزار أنه بعد ذلك بيومين، قُتلت شقيقته وزوجها وابنتاها في غارة جوية على خان يونس.
ومع تصاعد العمليات الإسرائيلية، نزحت العائلة إلى مدينة غزة. ونصبت خيمة، وهي المرة الأولى التي تضطر فيها للعيش في خيمة، مقابل مبنى في شارع الوحدة، وهو طريق رئيسي بالمدينة.
وفي 25 مايو أيار، وبينما كان معظم أفراد العائلة نائمين، كان نزار يجلس خارج الخيمة يتحدث في الهاتف، عندما وقعت غارة جوية وانهار المبنى.
وأخذ نزار يزيل الحطام لكن أولينا وربحي كانا فارقا الحياة. وأصيبت زوجته أمل وابنه الأكبر آدم بجروح، وكُسرت ساق الطفل يوسف.
ولا يعرف نزار كيف يمكن لعائلته النزوح مرة أخرى، ويقول إن العائلة تعيش حالة حداد وتضررت سيارتها في الغارة.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من 90 بالمئة من أراضي غزة شملتها أوامر الإخلاء الإسرائيلية أو تقع ضمن مناطق عسكرية إسرائيلية، مما يجعل السكان محاصرين في مساحتين من الأرض حيث يتزايد شح الغذاء. وتقول إسرائيل إن القيود المفروضة على المساعدات ضرورية لمنع وصولها لحماس.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس يوم الأربعاء إن غزة تعاني من مجاعة من صنع الإنسان.
وقالت أمل، التي لا تزال تعاني من كدمات على وجهها وتضع دعامة على ذراعها بعد الهجوم، ولا يزال الحزن يسيطر عليها بعد مقتل طفليها “حياتي تغيرت من أنه كان عندي كل شي إلى ولا شي بعد ما نزحت”.