مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

فتش عن الحـدود

صورة التقطت يوم 26 فبراير 2001 قرب "مخيم العيون" الذي يضو آلاف اللاجئين الصحراويين جنوب غرب الأراضي الجزائرية Keystone Archive

فهمت الدولة الجزائرية، أن هناك رغبة أوربية وأمريكية، لإنهاء أزمة الصحراء مع المملكة المغربية، غير أن عرض إنهاء المشكل على الطريقة الغربية لم يُهضم "جزائريا"، كما كان مأمولا.

أما السبب وراء ذلك فيعود حسب مراقبين إلى ما يمكن أن يحدث في منطقة المغرب العربي، إذا ما سُوي الخلاف مع الرباط خارج أطر الأمم المتحدة.

هناك حقيقة لا جدال فيها، وتتمثل في وجود نخبة من الجزائريين “المغاربيين الوحدويين”، الذين ينادون بأعلى أصواتهم، إلى فتح باب التكامل الاقتصادي بين دول المغرب العربي، وإلى تجسيد روابط الدين واللغة والتقاليد المتشابهة، التي يندر وجود مثل تجانسها في منطقة بمساحة المغرب العربي، في جميع أنحاء المعمورة.

غير أن هذه الصورة الفريدة من نوعها، تصطدم بحقيقة مروعة، وهي أن الثقة بين قيادات المنطقة تكاد تكون مفقودة، ووضوح هذا الأمر يتجسد بشكل خاص، ما بين قصر الرئاسة الجزائري، ونظيره الملكي المغربي.

لقد توقع المراقبون المتفائلون، أن تقبل الجزائر بعروض فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، كي تُحل أزمة الصحراء مع المغرب في أقرب الآجال.. كان هذا في شهر يونيو الماضي..

ثم تبع هذا الضغط الدبلوماسي، رد جزائري، عن طريق وزير الخارجية عبد العزيز بلخادم، الذي قال للإعلاميين أنه ذكر نظراءه الأوربيين، بأن الجزائر ليست طرفا في الخلاف حول مسألة الصحراء، وأن على المملكة المغربية التفاوض مع البوليزاريو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي.

وكرد يشرح الموقف الجزائري، ومباشرة بعد إلغاء المغرب من جانب واحد، تأشيرات الدخول التي كانت مفروضة على المواطنين الجزائريين الراغبين في التوجه إلى المغرب، كتب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، رسالة طويلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يؤكد فيها على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وأن على الأمم المتحدة العمل على تنفيذ خطتها لحل الأزمة.

“مـحـو الحدود”

يقول عبد العزيز رحابي الناطق باسم الحكومة ووزير الإعلام الأسبق في لقاء خاص مع سويس إنفو: “لا يمكن للجزائر أن تقبل بحل خارج إطار الأمم المتحدة، لأن الأوربيين والأمريكيين عاجزون عن توفير الضمانات القانونية الكافية لاستقرار المغرب العربي، كما أنه لا أحد يضمن (في حالة ضم الصحراء الغربية للملكة من دون إجراء استفتاء)، عدم التحول للمطالبة بمغرب علال الفاسي، الذي يضم أقاليم واسعة من غرب الجزائر، ويصل إلى غاية نهر السنغال جنوبا”.

ويضيف عبد العزيز رحابي: “هناك خطر جدي، يتهدد المغرب العربي، في حالة نفض الأمم المتحدة يدها من الموضوع، فالتوازنات الاستراتيجية قد تهتز، ومعروف أن تذبذبا كهذا، عواقبه وخيمة على المنطقة ككل”.

لا ينفي رحابي ولا غيره من المحللين والمسؤولين الجزائريين السابقين والحاليين، أن اتفاق تلمسان الذي وقع مع المغرب في السابع والعشرين من مايو من عام 1970 من القرن الماضي، يمثل حجر الأساس لكبح جماح ما يوصف بالرغبة المغربية لاسترجاع ما تراه “حقها الترابي” في الأجزاء الغربية من الجزائر.

والجميع يتذكر أن الاتفاق وقع بحضور الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين والعاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، وقد قال بومدين خلال هذه المناسبة مقولته الشهيرة: “رسمنا الحدود لمحو الحدود”.

كلام ثبت – رغم معانيه الجميلة – أنه للاستهلاك الداخلي والخارجي، لأن الأزمة اندلعت بين البلدين بعد هذا اللقاء بقليل بسبب أزمة الصحراء، التي يؤكد المغرب أنها جزء لا يتجزأ من أراضيه التاريخية التي سلبها منه الاستعمار الإسباني.

وهنا يجب تذكر أن الصحافة الجزائرية، نشرت بشكل كبير وملفت، ما جاء على لسان جيمس بيكر، وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق لحل أزمة الصحراء، الذي قال: “كلما اقتربنا من مسألة تنظيم الاستفتاء حول مصير إقليم الصحراء، كلما اضطرب المغاربة وبذلوا قصارى جهودهم للتهرب من هذه المسألة، أعتقد أن الأزمة في إقليم الصحراء كبيرة لأنها أرض يتنازع عليها شعبان” حسب قوله.

بحثا عن الحل

وفي الواقع، يُمثل الخلاف الجزائري المغربي حول أزمة الصحراء، قمة التداخل بين المبادئ المتعلقة بتصفية الاستعمار، والآمال بضم أراضي الأجداد، والتخوف من الحروب البينية، بالإضافة إلى الاستغلال الدكتاتوري للأزمات مع الغير، لتكميم الأفواه وفرض سلطة الفرد أو المجموعة.

ويؤكد عبد العزيز رحابي في حديثه مع سويس إنفو أن “هذا صحيح إلى حد بعيد، لأن القادة العرب، تفننوا في استغلال الصراع مع إسرائيل، لفرض حالة الطوارئ على شعوبهم، ومنع حرية الصحافة والعمل السياسي”.

هنا يأتي السؤال الحرج، حول حقيقة فشل كل جهود تفعيل آليات اتحاد المغرب العربي، هل يرجع هذا الفشل إلى أزمة الصحراء لوحدها، بل إلى أشياء أخرى؟. يجيب عبد العزيز رحابي: “أزمة الصحراء لم تكن سببا في توقيع اتفاق تأسيس اتحاد المغرب العربي في عام 1988 في الجزائر، فقد تم الاتفاق على وضع الخلاف حول مسألة الصحراء جانبا، وبناء التعاون الاقتصادي على أسس سليمة، كما كان من المفروض أن يؤدي التكامل بين دول المغرب العربي، إلى حل أزمة الصحراء”.

لكن العكس هو الذي حدث، فقد أوقفت أزمة الصحراء أغلب مشاريع اتحاد دول المغرب العربي، بل واستغلت بشكل فاحش لفرض أشياء كثيرة لا علاقة لها بإقليم الصحراء. من جهة أخرى، لا يبدو أن التكامل الاقتصادي بين شعوب المغرب العربي، سيخدم الطبقة السياسية الحاكمة، لأن التبادل الاقتصادي سينتج عنه تبادل في الأفكار، ورغبة أكبر في الاندماج، تدمر دون أدنى شك، كل التيارات المتقوقعة، لأسباب مادية وسلطوية بحتة، داخل طوطم الوطن الصغير.

ومع أن الوزير السابق رحابي يؤكد أن تفعيل الاتحاد المغاربي “يحتاج إلى إرادة سياسية، غير موجودة في الوقت الحالي، غير أنها قد تفرض من الخارج عن طريق الاتحاد الأوربي خصوصا” إلا أنه يستدرك قائلا: “غير أن الضمانات التي تحتاجها الجزائر للخروج من عقدة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، تحتاج إلى تدخل الأمم المتحدة” حسب رأيه.

فـوز الآخـر يعني فشل المنافس

لا أحد يعلم كيف سينتهي إشكال الصحراء الغربية، لأن المعادلة صعبة بكل المقاييس، والصعوبة حسب السياق التاريخي ساهم فيها بمنظور المؤيدين لاتحاد المغرب العربي، رجلان لا ثالث لهما.

أولهما الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين، الذي جعل من قضية الصحراء الغربية توأما للقضية الفلسطينية من حيث ربطها بمسألة تصفية الاستعمار. وثانيهما العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، الذي جعل من قضية الصحراء، توأما للقضية الفلسطينية من حيث ربطها باسترجاع أرض الوطن، بعد أن خرج منها الاستعمار، ويُقصد به الاستعمار الإسباني.

ينضاف إلى هذا، تناقض التصور الجزائري، الذي يدعم تصور البوليساريو، القاضي بضرورة إجراء استفتاء في إقليم الصحراء الغربية لإنهاء الإشكال، ووجهة نظر المغرب التي ترفض مسألة الاستفتاء وتحاول تجنبها بكل الوسائل.

وسط هذا التناقض كيف يمكن للاتحاد الأوربي أو الولايات المتحدة، فرض توجهها على الخصوم ؟، لأن فوز الآخر يعني فشلا ذريعا لمنافسه، كما أن الحلول الوسط تبدو منعدمة وسط هذا الطرح.

قد تحمل الأيام القادمة في طياتها مفاجآت كثيرة، من الممكن أن تتغير على إثرها معطيات عدة، غير أن حل الإشكال من دون حدوث تغيرات عميقة داخل أجهزة الحكم في المغرب والجزائر خاصة، مستبعد جدا.

أما المفارقة فهو أن الجميع على وعي تام، بأن هذه التغيرات ليست كلها بردا وسلاما، ليس على المغرب العربي و حسب، بل حتى على دول جنوب الاتحاد الأوربي.

هيثم رباني – الجزائر

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية