مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

متظاهرون غاضبون وصوامع تنهار في الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت

سحابة غبار تنبعث من اهراءات مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2022 إثر انهيار صوامع متصدعة تزامناً مع إحياء لبنان ذكرى مرور عامين على انفجار مروّع afp_tickers

أحيا الآلاف الخميس الذكرى السنوية الثانية لانفجار مرفأ بيروت المرّوع، تزامناً مع انهيار أجزاء إضافية من الصوامع المتصدعة، في مشهد أعاد لحظة حصول الفاجعة إلى أذهان اللبنانيين الذين استنزفتهم أزمات بلادهم المتلاحقة.

وشهد مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس 2020 انفجاراً ضخماً أودى بحياة أكثر من مئتي شخص وتسبّب بإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، ملحقاً دماراً واسعاً بالمرفق وعدد من أحياء العاصمة.

وقالت طالبة الطب آية قاسم (21 عاماً) خلال مشاركتها لوكالة فرانس برس “عندما وقع الانفجار، اعتقدنا أن الحقيقة ستظهر بعد خمسة أيام، مر عامان ولم نعرف شيئاً”. وأضافت “للأسف ما زلنا هنا لأنه لا عدالة للضحايا”.

وأثناء مشاهدتها لسحابة غبار انبعثت من المرفأ إثر انهيار الصوامع الشمالية، قالت لمى هاشم (30 سنة) لفرانس برس “أرى المشهد ذاته وتقريباً من المكان نفسه بعد عامين”. وأضافت وقد أدمعت عيناها “أن يُعاد المشهد ذاته أمامنا اليوم لهو أمر موجع”.

ونظم أهالي الضحايا الذين طالبوا بتحقيق دولي جراء عرقلة التحقيق المحلي في بلد تسود فيه ثقافة الإفلات من العقاب، ثلاث مسيرات شارك فيها الآلاف، انطلقت الأولى من أمام قصر العدل.

وانطلقت مسيرة ثانية من مقر فوج الإطفاء، تجسيداً للرحلة الأخيرة لعناصر الفوج التسعة الذين هرعوا الى المرفأ قبل دقائق من دوي الانفجار وقتلوا جميعهم. وحمل المشاركون نعوشا خشبية بيضاء، ملطخة باللون الأحمر، وعليها أسماء عناصر فوج الإطفاء.

كما انطلقت مسيرة ثالثة من وسط بيروت، الذي لطالما شكّل قلب التظاهرات الشعبية المناوئة للطبقة السياسية المتهمة بالتقصير والإهمال والفشل في إدارة الأزمات المتلاحقة.

والتقت المسيرات الثلاث قبالة مرفأ بيروت.

وعند تمام الساعة السادسة وسبع دقائق (15,07 ت غ)، لحظة وقوع الانفجار قبل عامين، سادت لحظات صمت ثم علا تصفيق المتظاهرين ورافقته أصوات سيارات الدفاع المدني وفوج الاطفاء، الذي فقد تسعة من عناصره في الحادثة المروعة.

وقالت ميراي خوري، التي فقدت ابنها، متحدثة باسم أهالي الضحايا “من حقنا معرفة الحقيقة”، بينما رفع متظاهرون أعلاماً ملطخة باللون الأحمر وصوراً للضحايا.

وردد المشاركون قسماً أكدوا فيه عزمهم مواصلة النضال حتى كشف هوية “المجرم”.

وحمل المتظاهرون لافتة كُتب عليها “لا عدالة للضحايا في ظل حكم الميليشيا والمافيا”، في إشارة الى الطبقة السياسية المتهمة بالتدخّل في عمل القضاء.

– “شاهد صامت” –

قبل وقت قصير من وصول المسيرات الى قبالة المرفأ، انهارت أربع صوامع جديدة من إهراءات الحبوب، وفق ما أفاد مراسلو فرانس برس، وذلك بعد أيام من انهيار صومعتين على الأقل يوم الأحد الماضي.

وجاء انهيار الصوامع بعد أسابيع من اندلاع حريق نجم وفق مسؤولين وخبراء عن تخمّر مخزون الحبوب جراء الرطوبة وارتفاع الحرارة.

وقالت وفاء زاهر (60 عاماً) التي خسرت ابنها، موظف المرفأ جراء الانفجار، لفرانس برس “الصوامع هم الذكرى، وتضم أشلاء الضحايا”. وأضافت “ما زالت الدماء في المرفأ ونحن ننتظر الحقيقة لتبرد قلوبنا”.

ونددت جمعية أهالي الضحايا بأداء المسؤولين إزاء حريق الاهراءات. وقالت في بيان الخميس “تتأملون باستخفاف الحريق الذي التهم الاهراءات من دون أن تتحركوا”.

وأضافت “لو سقط قسم منه، سنبقى متمسكين ومصرين وسنضحي بكل ما نملك من قوة لنحافظ ونحمي الجزء الصامد من الشاهد الصامت”.

وسبق للحكومة أن أقرت في نيسان/أبريل هدم الإهراءات خشية على السلامة العامة، لكنها علّقت تطبيقه بعد اعتراضات من جهات عدة بينها لجنة أهالي الضحايا التي تطالب بتحويل الاهراءات الى معلم شاهد على الانفجار وتخشى تخريب موقع الجريمة.

وقد امتصت الإهراءات وفق خبراء القسم الأكبر من عصف الانفجار لتحمي بذلك الشطر الغربي من العاصمة من دمار مماثل لما لحق بشطرها الشرقي.

ونجم الانفجار، وفق السلطات، عن تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون اجراءات وقاية، إثر اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه. وتبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكناً.

أحدث الانفجار الذي وصلت أصداؤه لحظة وقوعه الى جزيرة قبرص، دماراً واسع النطاق. وفاقمت تبعاته من حدّة الانهيار الاقتصادي غير المسبوق المستمر منذ خريف 2019 والذي جعل غالبية اللبنانيين تحت خط الفقر.

ورغم مرور عامين، لم تستعد بيروت عافيتها مع بنى تحتية متداعية ومرافق عامة عاجزة. تغرق العاصمة ليلاً في ظلام دامس فيما تثير النيران المندلعة في الإهراءات منذ أسابيع خشية السكان.

– “عدالة دولية” –

ويؤجج تعليق التحقيق منذ نهاية 2021 غضب الأهالي المنقسمين بدورهم إزاء عمل المحقق العدلي طارق البيطار الذي يواجه دعاوى رفعها تباعاً مُدعى عليهم بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون.

ويثير التحقيق انقساماً سياسياً مع اعتراض قوى رئيسية أبرزها حزب الله على عمل البيطار واتهامه بـ”تسييس” الملف.

وينتظر البيطار، وفق مصدر قضائي، “البتّ بالدعاوى ضده” ليستأنف في حال ردها تحقيقاته وليتابع “استجواب المُدعى عليهم” تمهيداً لختم التحقيق.

مع تعثّر التحقيق المحلي، ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الخميس بمرور عامين “من دون عدالة”. ودعا الى “إجراء تحقيق نزيه وشامل وشفاف”.

وأكد الرئيس الفرنسي في مقابلة مع صحيفة “لوريان لوجور” اللبنانية الناطقة بالفرنسية، “يشهد لبنان أزمة غير مسبوقة. ويحتاج إلى العدالة كذلك من أجل النهوض”.

وتطالب عائلات عدد من الضحايا باريس بدعمها لتحقيق هذا المطلب. وقالت ترايسي نجار، التي فقدت طفلتها ألكسندرا “ما نطالب به هو عدالة دولية بحقّ المجرمين”.

ودعا ستة خبراء مستقلين الأمم المتحدة الأربعاء الى “فتح تحقيق دولي بلا تأخير”، تزامناً مع مطالبة 11 منظمة حقوقية مجلس حقوق الإنسان بإنشاء بعثة لتقصي الحقائق.

وقالت آية مجذوب من هيومن رايتس ووتش لفرانس برس إن تحقيقاً دولياً “قد يكون الأمل الوحيد لملايين اللبنانيين الذين انقلبت حياتهم رأساً على عقب”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية