مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مسلسل الإرهاب المغربي!

من المنتظر أن يتواصل مسلسل محاكمات المتهمين بالضلوع في العمليات الإرهابية التي شهدتها الدار البيضاء طيلة هذا الصيف Keystone

لم تنته حلقات مسلسل الإرهاب المغربي بعد، وما قُـدِّم منها طوال الأسابيع الماضية كان القليل.

أما محاكمات أبطال هذا المسلسل فسوف تطول، وقد يُـمضي المواطن المغرب صيف هذا العام في متابعتها.

بدأ المسلسل مع أصوات انفجارات عاشتها مدينة الدار البيضاء ليلة 16 مايو، ما بين فندق ومطعم وناد مُـوزّعة على مساحة جغرافية ضيقة وسط المدينة، كانت أجساد 14 شابّـا تتناثر فيها مُـعلنة سُـخطها على مجتمع ودولة.. وتفتـح في الوقت نفسه صفحة جديدة في العلاقة بين الدولة والتيارات الأصولية بعد وئام دام سنوات طويلة.

اعتقالات واسعة عرفتها عدة مدن مغربية، والمستهدفون فيها منتمون لتيارات السلفية الجهادية والتبليغ والهجرة. لكن مرور أكثر من شهرين على تلك التفجيرات وانطلاق محاكمات لمن بقي من منفذيها على قبد الحياة، لم تسمح بعد بالكشف عن الجهة التنظيمية التي خططت ونفذت تلك الهجمات.

وأوحت السلطات المغربية في أكثر من مناسبة أن هجمات الدار البيضاء جزءٌ من الإرهاب العالمي، لكنها لم تقدم – حتى الآن – ما يُـثبت وجود علاقة بين منفذي العمليات وجهات غير مغربية.

“فرصة من ذهب”؟

هجمات الدار البيضاء منحت السلطات الفرصة لتحقيق أكثر من هدف كانت تسعى إليه خلال الأشهر التي سبقتها. فقانون مكافحة الإرهاب والهجرة السرية الذي تعثّـرت المُـصادقة عليه، وقُـوبل من طرف المنظمات الحقوقية وهيئات المجتمع المدني بالرفض والاستنكار لما يتضمّـنه من تضييق على الحريات، عُـرض على البرلمان وصُـودِق عليه في وقت قياسي.

في المقابل، تحوّلت التيارات الأصولية المتشددة التي كانت منثورة في أوساط الفقراء والمُـهمّـشين المغاربة وفي “تعايش” مع السلطات المحلية، إلى هدف للسلطات الأمنية والملاحقة، وأصبح أتباعها مطلوبين للقضاء.

من جانب آخر، وجدت التيارات الأصولية المعتدلة نفسها تدفع ثمنا باهظا لحضورها الإعلامي والسياسي المُـكثّـف بعد انتخابات سبتمبر الماضي وما حقّـقته فيها من مكاسب على الخارطة السياسية المغربية، بعد أن امتنع صانع القرار عن الاستجابة لبعض الأصوات التي ارتفعت منذ وقت مُـبكّـر داعية إلى الحد من حضور هذه التيارات.

وعلى حين غـرّة، تذكّـر المتابعون للمشهد السياسي المغربي أن السلطات كانت قد اعتقلت العام الماضي ثلاثة سعوديين، قالت إنهم ينتمون لتنظيم القاعدة ويُـشكّـلون خلية نائمة للتنظيم الذي يقوده المعارض السعودي أسامة بن لادن، وأن هؤلاء السعوديين كانوا مُـكلّـفين بهجمات مسلحة ضد أهداف أمريكية وبريطانية في مضيق جبل طارق، وتفجيرات في ساحة “جامع الفنا” السياحية في مراكش، وحافلات لنقل الركاب، وأن القضاء أصدر قراره – بعد مسلسل محاكمات الصيف الماضي – ببطلان دعوى السلطات، وإن أقرّ بأن السعوديين الثلاثة ينتمون فعلا لتنظيم القاعدة.

كما تذكّـر المتابعون أن الأجهزة الأمنية أعلنت خلال السنة الماضية عن اعتقال شبكة من الأصوليين المتشددين نفّـذوا عمليات عنف وجرائم قتل منذ عام 1998، وأنهم ينتمون لتيار “السلفية الجهادية” وسيُـقـدَّمون للمحاكمة. والمُـلفت أن القضاء لم يتذكّـرهم إلا قُـبيل بدء محاكمات منفذي هجمات 16 مايو، لتُـصدر محكمة الاستئناف بالدار البيضاء منذ عدة أيام حكمها بالإعدام في حقّ عشرة منهم.

وهناك من ذهب – إثر هجمات الدار البيضاء – إلى أن اعتقالات العام الماضي شكّـلت استفزازا واستثارة للتيارات الأصولية المغربية، ودفعت بن لادن إلى وضع المغرب على قائمة الدول المعادية له والمرتبطة بـ “الشيطان الأمريكي”.

وفيما لم يُـعرف بعدُ العدد النهائي لمعتقلي حملات ما بعد 16 مايو، إلا أن معظم التقديرات تُـشير إلى أنهم تجاوزوا 3000 شخص. أما الذين سيُـقدّمون منهم إلى المحاكمة، فقد تجاوز، حسب المصادر الرسمية، 700 مُـتّـهم ينتمون إلى تيارات متعددة، ومن بينهم شيوخ وفُـقهاء ملؤوا الأسماع خلال السنوات الماضية، وكانوا محلّ رعاية وحماية من جانب السلطات.

ابتزاز

لا أحد يستطيع نُـكران أن هجمات انتحارية قام بها أصوليون متشددون استهدفت الدار البيضاء في 16 مايو، ولا أحد وجّـه لوما للسلطات المغربية على حملاتها ضد أصوليين متشددين، لكن ما أثار أوساطا مجتمعية وحقوقية وثقافية وسياسة، الابتزاز الذي مُـورس لانتزاع الشرعية البرلمانية لقانون الإرهاب، وملاحقة عدد من الصحفيين ومحاكمتهم على أساس هذا القانون.

كان المسؤولون المغاربة يُـعلنون أن بلدهم يتميّـز باستقراره وأمنه، وأنه بمنأى عمّـا تعرفه دول جارة أو صديقة أو شقيقة من عُـنف سياسي أو تيارات ترفض التعايش والاعتراف بالآخر، لكن السادس عشر من مايو أسقط هذه النظرية ودفع إلى إجراء تغييرات، وإن كانت متأخرة، في الجهاز المُكلّـف بضمان الاستقرار والأمن.

ويبقى السؤال: هل انتهى العنف السياسي الأصولي بالمغرب؟ لاشيء في حياة المجتمعات مُـؤكّـد، وليس هناك من مجتمع بمنأى عمّـا يُـعرف بفيروس الإرهاب، خاصة وأن المغرب “الاجتماعي والاقتصادي” يتوفّـر على بيئة تحتمل نُـموّ هذا الفيروس.

وإذا كانت سنوات الانفتاح السياسي التي عرفها البلد خلال العقدين الماضيين قد ساهمت في تغيير نوعية الفيروس (بعد اعتزال فيروس العنف اليساري العلماني)، فإن فيروس العنف الأصولي لازال في بداياته.

أما السّـبُـل المُـتاحة لمُـحاصرته والقضاء عليه، فهي محطّ الجدل والنظر. فهناك المقاربة الأمنية، التي تنهجُ سبيل الاعتقالات والمحاكمات، وهناك المقاربة المُـضادّة، التي تعمل على ضخّ المزيد من جُـرعات الإصلاح والانفتاح والديمقراطية.

محمود معروف – الرباط

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية