معضلة مشتريات الأسلحة المغربية والجزائرية
تشكل مشتريات الأسلحة لجيشي الجزائر والمغرب "معضلة كبيرة" للأقلام الصحافية والمثقفين في كلا البلدين.
فكل شيء يمكن الحديث عنه إلا هذا. فهو أكثر شيء غامض وأكثر شيء تحيطه السلطات بالسرية التامة..
كل شيء يمكن الحديث عنه إلا مشتريات الأسلحة لجيشي الجزائر والمغرب. فهو أكثر شيء غامض وأكثر شيء تحيطه السلطات بالسرية التامة. كما أن التعرض له قد يؤدي إلى حفرة طولها متران وعرضها خمسون سنتيمترا تكفي للاستلقاء على جنب واحد “لمدة غير معلومة”.
صرح وزير سابق في الحكومة الجزائرية لسويس إنفو رفض الكشف عن هويته بأن “أزمة الصحراء الغربية لم تعد هدفا في حد ذاتها من حيث رغبة الجزائر في الدفاع عن الشعب الصحراوي الذي يسعى لاسترجاع استقلاله، أو رغبة المغرب في استرجاع أرضه التاريخية التي احتلها الأسبان”.
ويضيف الوزير السابق “لقد أصبحت أزمة الصحراء مطية لتسلح محموم يُقدر بمليارات الدولارات تُصرف لجلب أسلحة لن تُستعمل في الغالب، وهي إن استُـعملت، لن تعدو صراعا بين سيف ودرع لأن ما يملكه طرف يعادله طرف آخر في امتلاك سلاح يُفقد مفعوله”.
من المستفيد من صفقة “لطائرات خردة”
لكن كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ الجواب عنه مجهول كجهل الجميع كيفية دخول شيطان العدو الاستراتيجي في عقل صناع القرار العسكري في كلا البلدين، لأن عدو الجزائر يأتي من الغرب وعدو المغرب يأتي من الشرق.
في هذا الإطار، أشارت مصادر عسكرية جزائرية “متقاعدة” إلى خطة الدفاع الحدودي التي وافق عليها الرئيس السابق الشاذلي بن جديد، وهي في مجملها تتعلق بصد هجوم مغربي أو بهجوم افتراضي على المغرب يأخذ في عين الاعتبار طبيعة الحدود بين البلدين وطريق تحرك الجيش المغربي.
جاء في الخطة التي وُضعت عام 1987 أن الجزائر ستواجه المغرب بأكثر من 150 طائرة ميغ 17 تطير على ارتفاع منخفض، بحيث ترافق دبابات “تي 60” السوفيتية الصنع، وعددها يتعدى الثلاث مائة مدعمة بعشرات من وحدات المدفعية، وبطبيعة الحال سيشارك في العملية أكثر من خمسة عشر ألف جندي.
الشاهد في هذه العملية ليس خطة الهجوم لأن الجيش الذي ليس له خطط هجوم ودفاع لا وجود له في أرض الواقع، إنما هو العدد الهائل من طائرات الميغ 17 التي كان من المفروض أنها في عام 87 قد سُحبت من الخدمة في كل جيوش العالم، وأبقي على بعضها لأغراض التدريب، ليأتي السؤال المحيّـر: لفائدة من كانت ستعقد صفقة “لطائرات الخردة”؟
في نفس الفترة، كانت القوات البرية المغربية أحسن تدريبا وأفضل تجهيزا من نظيرتها الجزائرية، لأن الجزائر ركزت على تحسين أداء القوات الجوية. غير أن حبرا كثيرا كُتبت به مقالات عن تضخم ميزانية القوات البرية المغربية، وصرفها لأموال تضاهي مصاريف سلاح الجو الجزائري. فهل هذا معقول؟
تموين منطقة الصراع الثنائي
وبسبب حساسية الموضوع، اكتفت المصادر العسكرية والسياسية في المغرب والجزائر بذكر التفاصيل مع الامتناع عن ذكر الهوية، من ذلك مسألة تموين منطقة الصراع الثنائي – ويُقصد بها منطقة الصحراء التي تسيطر عليها المغرب وإقليم تندوف الجزائري، الذي تتمركز فيه جبهة البوليزاريو الصحراوية.
فمن الناحية العملية، لا سيطرة لبرلماني البلدين على مصاريف الجيش في المنطقتين. كما أن صفقات التموين المقدرة بمليارات الدينارات الجزائرية والدراهم المغربية لا أحد يملك تفاصيلها إلا القليل النادر.
في سياق آخر، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار جدار برلين، لم تعد صفقات السلاح تعتمد على توازن القوى العالمية الكبرى، بل على مستوى المعلومات الاستخبارية لدى شركات صنع السلاح العالمية التي تستشير حكوماتها قبل بيع ما تحتاج إليه الجزائر والمغرب.
والمدهش أن اقتناء سلاح بعينه بطرق ملتوية يُقصد منها التهرب من التوازن المفروض، تؤول كلها للفشل. وخير دليل على ذلك، سياسة شركة نورثورب غرومان الأمريكية التي زودت الجزائر والمغرب برادارات متشابهة صُففت أو يُنوى تصفيفها على طول الحدود الشمالية للبلدين قبالة بعضها البعض.
وحكى طلبة ضباط تخرجوا من صفوف المؤسسة الأمريكية في مدينة بالتيمور عن قصص اجتماع المغاربة بالجزائريين، وكيف أنهم لعبوا وضحكوا معا وربطوا صداقات سرعان ما تختفي عندما يتقابلون على طرفي الحدود لتشغيل نفس الرادارات قبالة بعضهم البعض.
صورة كاريكاتورية
صورة كاريكاتورية تزداد غرابة عندما نكتشف أن التعادل هو سيد الموقف. فعندما تمتلك الجزائر طائرات استطلاع قوية وأخرى تهاجم من على بعد مائة وخمسين كيلومترا، تمتلك المغرب في الوقت نفسه أفضل الدفاعات الجوية في المغرب العربي، اشتريت بنصيحة من نصح الجزائريين باقتناء طائرات بعينها.
نظريا، تكون نتيجة فترة الحرب الباردة أفضل على استقلال البلدين. فمن حيث الرادارات على الأقل، استعملت الجزائر رادارات سوفييتية في حين استعملت المغرب رادارات بريطانية. غير أن الوضع مختلف اليوم.
وحصلت سويس إنفو على تصور وزارتي الدفاع في البلدين في حالة حدوث أزمة، حيث يعتقد الخبراء العسكريون أن الهجوم المفاجئ قد يأتي من المغرب بنسبة تفوق 75%، يتمكن فيه الجيش المغربي من الاستيلاء على أجزاء واسعة من المناطق الحدودية. غير أن الجيش الجزائري بإمكانه استرداد ما ضاع منه خلال ثلاثة أشهر بسبب ضعف المغرب في ضمان المحافظة على ما حصل عليه.
هذا هو السيناريو المُـرعب الذي تتحرك به ألسن جنرالات الجيشين. كما أن قيادات الجيشين على علم تام بمخاطر هذه الأفكار. غير أن واقع أزمة الصحراء يمنع الجميع من التفكير.
الرشوة التي تنحر عظام البلدين
لقائل أن يقول: “هناك أيضا مشاركات جزائرية ومغربية في نشاطات مجموعة خمسة + خمسة، بالإضافة إلى التعاون مع حلف شمال الأطلسي، ومشتريات سلاح متفرقة من أسبانيا وجنوب إفريقيا وأوكرانيا”، وهذا أمر صحيح. غير أن شروط البيع المجحفة تجعل من الصعب القول بأن الاستقلال الوطني محفوظ. فهناك طائرات استطلاع تنوي الجزائر شراءها من الولايات المتحدة لا يمكنها التحليق حسب مسودة العقد قرب الحدود مع المغرب. كما حصلت المغرب على دبابات أسبانية منعت مدريد تواجدها قرب مستعمرتي سبته ومليلية.
هل سيستمر هذا الوضع طويلا ؟ هذا أمر مجهول لأن اقتناء الأسلحة لا يمكن إخفاء تفاصيله على عامة الشعب لأنه حق عام، تماما كما يحدث في الدول الديموقراطية. ولأن السلاح المقتنى يمكن التعرف على تفاصيل أداءه و مميزاته من الإنترنت أو الكتب العسكرية، أما السبب في هذه السرية المفرطة فجوابه هو: الرشوة التي تنخر عظام البلدين.
هيثم رباني – الجزائر – خاص بسويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.