مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مفاجأتان مثيرتان بعد عام من رحيل الأسد

نجح بشار الأسد في اقرار ما يشبه الاجماع حوله لكن معضلة الاصلاح الاقتصادي تظل أكبر التحديات القائمة بوجهه Keystone

بعد مرور اثني عشر شهرا على رحيل الرئيس السوري السابق حافظ الأسد تتراوح التقييمات بين الاعجاب بأداء ابنه بشار فيما يتعلق بملف الصراع مع اسرائيل وبين خيبة الأمل من تبدد الآمال التي علقت على احتمالات تمكين السوريين من المزيد من فرص التنظم والتعبير الحرة..لكن العام المنقضي حمل في طياته مفاجأتين مثيرتين..

مفاجأتان مثيرتان ومتناقضتان في الذكرى السنوية الاولى لرحيل الرئيس السوري حافظ الاسد: الاولى، ذلك القدر المهم من الاستقرار والتماسك الذي أظهرته النخبة العسكرية – السياسية الحاكمة في سوريا ( حتى الان على الاقل ).

والثانية ، ذلك القدر الاكثر أهمية من الحيوية الذي ابدته نخبة المجتمع المدني السوري، بعد ان ظن الجميع أن ثلاثين عاما من الحكم الشمولي أسفرت عما يشبه
“التصحير” النهائي لهذه النخبة.

لكن كيف أمكن لهاتين الظاهرتين المتنافرتين أن تولدا في الوقت نفسه، برغم ان احداهما تلغي ( أو يجب ان تلغي ) الاخرى؟ هنا، وفي محاولة الاجابة على هذا السؤال، قد نعثر على احد المفاتيح الرئيسة لفهم طبيعة النظام السوري في حاضره ومستقبله.

فالنخب الحاكمة ، والتي تتكون من تحالف معقد بين الفئات الريفية المهمشة سابقا والبورجوازية السنية المدينية واجهزة الامن والاستخبارات، أدركت ان انفجار الصراعات بينها على السلطة بعد رحيل دينامو هذا التحالف ( حافظ الاسد )، سيؤدي الى خسارة كل اطرافها، فرادى وجماعات، للسلطة نفسها.

وهذا ما خلق اجماعا نادرا حول الرئيس الجديد بشار، برغم صغر سنه(أربعة وثلاثون عاما)، وايضا برغم انه خلال ” سنتي التأهيل ” اللتين سبقتا وصوله الى قصر قاسيون، استنفر مخاوف ” الحرس القديم” منه ومن توجهاته الاصلاحية الليبرالية.

بيد ان هذه المخاوف تبددبيد ان هذه المخاوف تبددت الان. والسبب ، على ما يبدو ، اقتناع بشار لاحقا(أي بعد تربعه على عرش الرئاسة) بان العودة الى ثوابت والده الاستراتيجية، مع بعض التعديلات في الاداء والاسلوب، هي الوسيلة الوحيدة للحفاظ على النظام، أو لتجنب الخضات التغييرية غير محمودة العواقب.

الطريق الصيني نحو الرأسمالية

ويمكن تلخيص هذه الثوابت في:

– منح الاولوية الاولى والقصوى لدور سوريا الاقليمي، على الصعيدين الجيو – سياسي والايديولوجي في آن واحد. أما القضايا السورية المحلية فتم اعتبارها مصدرا هامشيا وثانويا لشرعية النظام.

– تبني ” الطريق الصيني نحو الرأسمالية ” بالكامل وادارة الظهر، بالكامل ايضا،
للمطالبين بوضع حصان الاصلاحات السياسية قبل عربة النمو الاقتصادي.

– طي صفحة الملاحقات ضد الفساد والمفسدين، واعادة الاعتبار نسبيا لاركان “الحرس القديم”.

وبالطبع ، كان بديهيا ان تؤدي هذه الاولويات الى تقليص الفترة الزمنية ل”ربيع
دمشق”. فتم وقف ظاهرة المنتديات الثقافية، وكبح جماح المطالبات بحرية الاحزاب
والاعلام، وقننت عملية الانفتاح السياسي بطريقة تجعلها لا ترقص الا على دف الانفتاح الاقتصادي .

لكن ، وبرغم ذلك ، كشف ربيع دمشق، وبشطحة قلم واحدة، عن الامكانات الهائلة التي ما يزال يختزنها المجتمع المدني السوري. كما كشف ايضا عن عملية نضج عاينتها نخب هذا المجتمع على تنوع ينابيعها الايديولوجية (بما في ذلك حتى الاخوان المسلمين) خلال حقبة النظام الشمولي. اذ انها لم تندفع الى التطرف الانتقامي المطالب برأس النظام خلال حقبة الربيع، ولم تفقد لغة الاعتدال والحوار والتطور التدريجي خلال حقبة “الخريف” التي تلته. وهذا خلق ما اسميناه في البداية، الولادة المتزامنة لظاهرتي استقرار النظام وحيوية المعارضة.

حسنا..الى اين الان من هنا؟.
بعد سنة على وفاة حافظ الاسد، بات من المؤكد تقريبا انه لا الازمات الاقتصادية الطاحنة، ولا الحروب الاقليمية الكبيرة، ولا المعارضة السياسية الداخلية مهما بلغت قوتها، قادرة على زعزعة النظام او دفعه نحو اتجاهات لا يريدها.

شيء واحد فقط يمكن ان يؤدي الى هذه النتيجة: انهيار الاجماع داخل صفوف النخبة الحاكمة السورية. وهذا ليس واردا أو واضحا، حتى الان على الاقل.

سعد محيو – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية