مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل نجحت إسرائيل حقا في اختراق الأسواق العربية؟

محاولات البضائع الإسرائيلية آختراق الأسواق العربية قائمة ومستمرة لكن الأرقام الحقيقية لحجم التجارة بين الجانبين ليست معروفة بدقة swissinfo.ch

يشكل فتح الأسواق العربية أمام إسرائيل، الغنيمة الكبرى التي لم تحصل عليها رغم كل ما حققته عسكريا في اعتداءاتها على البلدان العربية. لذلك فإن إسرائيل سعت دائما بشكل مباشر ومن خلال الضغوط الأمريكية على البلدان العربية، من أجل إنهاء المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل بدرجاتها الثلاث

يشكل فتح الأسواق العربية أمام إسرائيل، الغنيمة الكبرى التي لم تحصل عليها رغم كل ما حققته عسكريا في اعتداءاتها على البلدان العربية. لذلك فإن إسرائيل سعت دائما بشكل مباشر ومن خلال الضغوط الأمريكية على البلدان العربية، من أجل إنهاء المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل بدرجاتها الثلاث.

وقد نجحت الضغوط الأمريكية في اضطرار العديد من الدول العربية ذات العلاقة الوثيقة بها، إلى دفع الجامعة العربية إلى التخلي عن المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل من الدرجة الثالثة (مقاطعة الشركات المتعاملة مع الشركات المتعاملة مع إسرائيل)، والتخلي أيضا عن المقاطعة من الدرجة الثانية (مقاطعة الشركات المتعاملة مع إسرائيل مباشرة)، لتبقى المقاطعة الاقتصادية من الدرجة الأولى، أي المقاطعة الاقتصادية العربية المباشرة لإسرائيل وبضائعها وخدماتها وشركاتها من أي نوع.

والاستثناء من هذه المقاطعة ، يتمثل في الدول التي عقدت اتفاقيات للتسوية السياسية للصراع مع إسرائيل، أي مصر والأردن، وأيضا الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والتي أجبرتها إسرائيل لأن تكون سوقا للمنتجات الإسرائيلية وخزانا لقوة العمل الرخيصة، وذلك وفقا لأسوإ التقاليد الاستعمارية في استغلال البلد المستعمر ونهبه لمصلحة دولة الاحتلال.

وتحت الضغوط الأمريكية، وباستخدام القياس إلى كبرى الدول العربية أي مصر، قامت العديد من الدول العربية في الخليج (قطر وعمان) والمغرب العربي (المغرب وتونس)، بفتح علاقات اقتصادية مع إسرائيل وتبادل مكاتب التمثيل التجاري معها، رغم أن هذه الدول ليست مضطرة لذلك، حيث أنها لم تدخل صراعات مباشرة مع إسرائيل ولم تعقد معها اتفاقات للتسوية السياسية تتضمن فتح العلاقات الاقتصادية بين الطرفين كما هو الحال بالنسبة لمصر والأردن، وهذه الدول ليس من شأنها عقد مثل تلك الاتفاقات أصلا.

وهذا الأمر يعكس هشاشة موقف النخبة العربية الحاكمة من مقاطعة إسرائيل اقتصاديا ومن الضغط عليها من أجل إنهاء احتلالها للأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، بحيث أن المقاطعة تتحقق بالأساس لأن الشعوب العربية هي التي ما تزال ترفض استهلاك أي سلع إسرائيلية.

مصر والأردن حالتان استثنائيتان

ومن جهتها، عملت إسرائيل دائما على إدخال سلعها إلى البلدان العربية من خلال عمليات نصب وتزوير تجارية متواصلة، حيث تقوم بطمس العلامة التجارية واستخدام دولة ثالثة مثل قبرص لإدخال السلع الإسرائيلية إلى الأسواق العربية، بما في ذلك أسواق البلدان العربية التي تقيم معها إسرائيل علاقات اقتصادية وتجارية رسمية مثل مصر، لأنها تعرف أن المستهلك في أي بلد عربي لن يقبل باستهلاك سلع تنتجها دولة وجدت باغتصاب أراض عربية، وتوسعت باحتلال المزيد من تلك الأراضي، وما زالت مستمرة في الاعتداء على البلدان العربية وفي قهر الشعب الفلسطيني بأساليب همجية تنتهك أبسط حقوق الإنسان.

وتتعاون إسرائيل في محاولتها لاختراق الأسواق العربية عبر النصب والتزوير التجاري، مع حفنة فاسدة من المستوردين ورجال الجمارك الذين يسهلون دخول تلك السلع مخترقين قوانين بلدانهم ومضللين لشعوبهم التي يمكن أن تشتري هذه السلع دون أن تعلم أنها سلع إسرائيلية، لأنها ببساطة تكون مجهولة المصدر أو منسوبة لقبرص.

وبعد انفجار انتفاضة الأقصى الفلسطينية في سبتمبر 2000، عقدت الدول العربية، قمة لبحث كيفية دعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل حريته واستقلاله. وأصدرت هذه القمة التي عقدت بالقاهرة يومي 21، 22 أكتوبر من العام 2000، قرارا بعدم استئناف أي نشاط رسمي أو غير رسمي في الإطار متعدد الأطراف ووقف خطوات وأنشطة التعاون الاقتصادي مع إسرائيل في هذا الإطار، مع استثناء مصر والأردن من هذا القرار.

وفضلا عن هذا القرار، فإن اتحادات الغرف التجارية في البلدان العربية والنقابات والمؤسسات الاقتصادية العربية قد أكدت بدورها التزامها بمقاطعة إسرائيل. وكان من المفترض أن يعني ذلك تحجيم العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل من جهة وكل من مصر والأردن من جهة أخرى، وإنهاء العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وبين الدول العربية التي كانت قد فتحت علاقات اقتصادية معها.

والحقيقة أن العلاقات الاقتصادية الرسمية التي نشأت بين إسرائيل من جهة وبعض الدول العربية من جهة أخرى هي هامشية تماما ولا تكاد تذكر، باستثناء العلاقات مع الأردن ومصر والمغرب وموريتانيا. وبالتالي فإن ما تذكره بعض التقارير الإسرائيلية عن زيادة الصادرات الإسرائيلية بنسب هائلة لبعض الدول العربية مثل قطر أو الكويت، هو من قبيل التضخيم و”العبث” الإعلامي الإسرائيلي، لأن التجارة الإسرائيلية معهما تقل عن نصف مليون دولار!!

أما ما تثيره بعض التقارير الإسرائيلية عن أن صادرات إسرائيل للسعودية قد بلغت 2 مليون دولار عام 2001، ففضلا عن أنه رقم هزيل لا يكاد يذكر، فإنه دليل على احتراف الأطراف الإسرائيلية للنصب والتحايل، لأن هذه الصادرات الإسرائيلية لم تدخل إلى المملكة العربية السعودية إلا بعد طمس علاماتها التجارية وتزوير دولة المنشأ، وذلك ببساطة لأن السعودية لا تقيم أي علاقات تجارية أو غير تجارية مع إسرائيل، وهي، أي السعودية، لا يمكن بسبب وضعها الخاص في العالمين العربي والإسلامي، أن تتخذ خطوة من هذا القبيل في وقت تحتل فيه إسرائيل القدس العربية وضمنها المسجد الأقصى.

195 مليون دولار..

ويعتبر الأردن هو البلد الذي زادت تجارته كثيرا مع إسرائيل حتى بعد الانتفاضة. وإذا استثنينا التجارة النفطية فإن الأردن أصبح الشريك التجاري الأول لإسرائيل في عام 2001 متجاوزا مصر بكثير، حيث بلغت الصادرات الإسرائيلية للأردن نحو 77 مليون دولار وبلغت الواردات الإسرائيلية منه نحو 42 مليون دولار في عام 2001.

وترتبط الزيادة السريعة للتجارة الأردنية-الإسرائيلية، بوجود منطقة صناعية حرة مشتركة بين الدولتين في شمال الأردن. وتلك المنطقة كانت ثمنا لموافقة الولايات المتحدة على تحرير تجارتها مع الأردن، ذلك التحرير الذي بدأ بمنتجات المنطقة المشتركة بين إسرائيل والأردن ثم امتد ليشمل الأردن عموما كمكافأة له على تعاونه مع إسرائيل.

أما بالنسبة لمصر، فإن البيانات الإسرائيلية تشير إلى تراجع صادرات إسرائيل إليها في عام 2001 بنسبة 20% مقارنة بعام 2000، علما بأن تلك التجارة بعيدة عن سلع الاستهلاك المباشر، لأن المصريين، قبل الانتفاضة وبعدها، لا يقبلون باستهلاك السلع الإسرائيلية وينظرون إلى استهلاك أي مصري لها على أنه عار وأقرب للجريمة، باعتباره دعما لدولة معادية تحتل أراضي دول عربية وتقهر الشعب الفلسطيني في أراضيه المحتلة عام 1967، وتهدد مصر بترسانة من الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية.

وتنحصر التجارة القائمة رسميا بين مصر وإسرائيل في صادرات مصرية محدودة لإسرائيل لم تتجاوز قيمتها 17 مليون دولار في العشرة أشهر الأولى من عام 2001. وهي تتكون من غزل القطن ومواد البناء والتوابل والأغذية المعلبة. هذا فضلا عن صادرات مصر لإسرائيل من النفط والتي كان هناك ملحق بشأنها في اتفاقية التسوية السياسية بين مصر وإسرائيل منذ البداية. أما الواردات المصرية من إسرائيل فإنها بلغت 40.3 مليون دولار في العشرة أشهر الأولى من عام 2001.

وتتكون هذه الواردات من معدات وأدوات للزراعة والري والبذور والمبيدات وهي كلها واردات تتم بمعرفة وزارة الزراعة وحفنة من رجال الأعمال المرتبطين بها، وذلك في ظل تحمس د. يوسف والي الذي يحمل حقيبة وزارة الزراعة المصرية منذ عقدين من الزمن، لقضية التطبيع مع إسرائيل، على عكس اتجاه النخبة والجماهير في مصر على السواء!

كذلك فإن هناك بعض الواردات من المنسوجات المرتبطة بوجود شركات صغيرة مشتركة في مجال الملابس الجاهزة بين حفنة من رجال الأعمال على الجانبين. لكن ينبغي التأكيد على أن هذه التجارة نخبوية تتم بين بعض رجال الأعمال، لكن حتى الآن من الصعب إن لم يكن من المستحيل تسويق سلع استهلاكية مباشرة تنتج في إسرائيل، للجمهور في مصر.

أما المغرب فإن الصادرات الإسرائيلية المحدودة إليه (أقل من 10 ملايين دولار عام 2001، ترتبط بوجود جالية يهودية في المغرب تعمل بشكل حثيث على زيادة التجارة بين المغرب وإسرائيل. كذلك توجد تجارة محدودة (أقل من 5 ملايين دولار عام 2001) بين موريتانيا وإسرائيل، وهي تجارة مرتبطة بموقف الحكومة الموريتانية التي أقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل ولم تلتزم بأي قرارات عربية بشأن وقف التعاون الاقتصادي مع إسرائيل.

ويمكن القول إجمالا أن إجمالي حجم التجارة بين الدول العربية وإسرائيل والذي بلغ نحو 195 مليون دولار عام 2001، يقل عن 0.1% من قيمة التجارة الخارجية للبلدان العربية ، ويقل عن 0.4% من قيمة التجارة الخارجية لإسرائيل. وبالتالي فإن هذه التجارة ما زالت هامشية تماما بالنسبة للطرفين، لأن الشعوب العربية لا تقبل استهلاك سلع دولة تحتل أراضيها وتقهر الشعب الفلسطيني بشكل همجي.

أما السلع الإسرائيلية التي تدخل الأسواق العربية من خلال طمس العلامات التجارية وتغيير دولة المنشأ فإنه دليل دائم على احتراف رجال الأعمال في إسرائيل للنصب والتزوير بعلم دولتهم أو بغيره، وهو في النهاية لا يعبر سوى عن “كفاءة” التسلل الذي يتم بالضرورة من خلال تعاون حفنة من رجال الأعمال من البلدان العربية على عكس التوجه العام لشعوبهم ولحكوماتهم.

د. أحمد السيد النجار – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية