في مدينة سياتل الأمريكية في ديسمبر 1999، واجهت منظمة التجارة العالمية مظاهرات صاخبة وقوية نظمها مناهضو العولمة
swissinfo.ch
هذا هو عنوان الندوة الدولية التي نظمها في برن يومي 1 و2 يونيو الجاري التحالف السويسري لمنظمات التنمية بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس منظمة التجارة العالمية.
تم نشر هذا المحتوى على
9دقائق
وجرد التحالف -استنادا لاستشارات واسعة مع زهاء ستين منظمة غير حكومية في دول الجنوب – حصيلة قاتمة عن التجارة العالمية التي “تحتاج إلى إصلاحات ملحة”.
كيف تنظر منظمات التنمية السويسرية لعمل منظمة التجارة العالمية؟ وما هي أبرز مشاكل السياسة التجارية الدولية؟ وكيف يمكن وضع التجارة بشكل أفضل في خدمة التنمية؟
للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها وبمناسبة الذكرى العاشرة لمنظمة التجارة العالمية، بادرت أبرز المنظمات غير الحكومية النشيطة في مجال المساعدات التنموية (سويس إيد، حركة الصوم، الخبز للجميع، هيلفيتاس، كاريتاس والتعاون البروتستانتي) بتنظيم ندوة دولية في العاصمة برن يومي 1 و2 يونيو الجاري بعنوان “أية تجارة لأية تنمية؟”.
ولتحضير الندوة وإثراء النقاشات، أقدمت تلك المنظمات التي تنتمي إلى “التحالف السويسري لمنظمات التنمية” على القيام باستشارات واسعة مع المنظمات غير الحكومية التي تتعاون معها في دول الجنوب. ومن أصل زهاء 120 من تلك المنظمات، استجابت 57 منها بإرسال إسهامات تتضمن تحاليل وتقييما لنشاطات وسياسات منظمة التجارة العالمية.
لا مُبرر للاحتفال
ولم يكن مضمون تلك الإسهامات مفاجئا إذ أعربت في مجملها عن الرفض للنظام الاقتصادي المسيطر. فهي ترى أن التيار الليبرالي الجديد (النيوليبرالي) مجرد “خداع”، وأن “منظمة التجارة العالمية ومؤسسات بريتن وودز (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) والقوى الكبرى تصر منذ عشرين عاما على إقناع الجميع بأن الاندماج في السوق العالمي يعدُّ مفتاح التنمية ومحاربة الفقر. لكن ذلك غير صحيح”.
بعبارة أخرى، تظل الدول الغنية وشركاتها العملاقة متعددة الجنسيات المستفيد الأول من منظمة التجارة العالمية. وفي هذا السياق، أكد رئيس مجموعة عمل “التحالف السويسري لمنظمات التنمية” فرانز شول لدى افتتاح ندوة برن أن المنظمات غير الحكومية التي ساهمت برأيها في أعمال الندوة، سواء كانت من إفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية، لا ترى أي مبرر للاحتفال بالذكرى العاشرة لقيام منظمة التجارة العالمية، بل تعتقد، على العكس من ذلك تماما، أن “مأزق” المنظمة “بات جليا”.
من جهته، أضاف ميشيل إيغر، الصحفي ومنسق سياسة التنمية لدى مجموعة عمل التحالف، أن حصيلة التبادل الحر قد أظهرت منذ سنوات حدودها. ولدى عرضه للتقرير الذي صاغه التحالف بناء على الاستشارات التي قام بها، أوضح أن وضع سكان الدول الأكثر فقرا في العالم لم تشهد أي تحسن. وقال في هذا السياق: “لا يستطيع أي شريك من دول الجنوب تقديم أمثلة نجاح تدل على المساهمة الحقيقية لتحرير التجارة في التنمية”.
قوانين واحدة لأطراف غير متكافئة
على صعيد آخر، شددت المنظمات غير الحكومية في التقرير على أن المشكلة لا تكمن في التجارة العالمية في حد ذاتها بل بالأحرى في الطريقة التي يتم بها تحديد القواعد الدولية. وأوضحت بهذا الشأن أن منظمة التجارة العالمية تضع قواعد تطبق على الجميع وكأن كافة الفاعلين على قدم المساواة، بينما تسود لا مساواة عميقة وغير متناسقة بين الدول والاقتصادات الشريكة في التجارة الدولية.
وقد أعربت المنظمات غير الحكومية في دول الجنوب عن اعتقادها أن نظام التجارة العالمية يرسخ في حقيقة الأمر هيمنة دول الشمال. كما أدانت ممارسة الدول الصناعية وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لضغوط قوية تضطر الدول الفقيرة لتحرير اقتصادها في وقت تواصل الدول المتقدمة مساعدة وحماية أسواقها وقطاعاتها الحساسة. والنتيجة: انخفاض الأسعار المحلية، وانهيار الدخل بالنسبة لعدد كبير من المزارعين وفقدان الأمن الغذائي.
في المقابل، لم تـُخف المنظمات غير الحكومية أن المشاكل تأتي أيضا من الدول الفقيرة نفسها، إذ أن عددا منها غالبا ما يفتقر للموارد المالية والقدرة على الإنتاج أو المعارف التقنية المرتبطة بالسوق ليتحول إلى منافس حقيقي في ساحة التجارة المعولمة.
كما أدانت المنظمات سوء الإدارة – وخاصة الفساد- والافتقار إلى الرؤية والاستراتيجية السياسية على المدى البعيد، وعدم القدرة (مرارا) على معالجة الملفات الأكثر تعقيدا في منظمة التجارة العالمية بطريقة مُرضية.
الخروج من “منطق انتحاري”
وأمام هذه الحصيلة القاتمة، حاول التحالف السويسري لمنظمات التنمية وشركاؤه في دول الجنوب تقديم جملة من الحلول التي لا تبدو بسيطة التنفيذ. فهي تتفق على ضرورة إعادة التوازن للتجارة كليا كي تستفيد منها الدول الفقيرة.
وبهذا الصدد، قال أمادو سي كانوت، المدير الإقليمي لمنظمة “Consumers International Afrique” في زمبابوي: “لكي تتحول التجارة إلى أداة تنمية، يجب ألا يكون تحريرها متبادلا”. وتتمثل هذه الفكرة في ضرورة حماية بعض القطاعات الحساسة للاقتصاد الإفريقي مثل الزراعة والصناعة التقليدية، بينما تظل قطاعات أخرى خاضعة للمنافسة الحرة.
وقد ذهبت بعض المنظمات غير الحكومية إلى حد المطالبة بإعادة تحديد كاملة للقواعد الرأسمالية السارية المفعول لحد اليوم. وتعتقد تلك المنظمات أنه يجب الخروج بأسرع أجل من “المنطق الانتحاري” للرأسمالية المتمثل في المطالبة دائما بـ”أكثر وأكثر”، للعمل على ترسيخ مفهوم التنمية.
لكن على الرغم من الانتقادات اللاذعة التي وجهتها إلى منظمة التجارة العالمية، لم تحتج المنظمات غير الحكومية على ضرورة وجود جهاز حكومي عالمي قادر على ضبط وتقنين العلاقات التجارية عبر إدارة النزاعات وحماية الأطراف الأكثر ضعفا. في المقابل، تطالب المنظمات المعنية باعتماد قدر أكبر من الديمقراطية والشفافية داخل المنظمة.
سويس انفو مع الوكالات
يبلغ عدد الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية 148 دولة. في عام 2001، أطلقت المنظمة جولة جديدة من المفاوضات التجارية في العاصمة القطرية الدوحة. تقرر انعقاد المؤتمر الوزاري المقبل للمنظمة في شهر ديسمبر 2005 في هونغ كونغ. تعتبر “سويس إيد” و”الخبز للجميع” و”كاريتاس” و”هيلفيتاس” و”حركة الصوم” أبرز المنظمات غير الحكومية السويسرية العاملة في مجال المساعدة والتنمية. تطور هذه المنظمات تحركات ورؤى مشتركة داخل مجموعة عمل. تنظم يومي 1 و2 يونيو الجاري في برن ندوة دولية مخصصة لتقييم أداء منظمة التجارة العالمية في مناسبة الذكرى العاشرة لانبعاثها.
قراءة معمّقة
المزيد
شؤون خارجية
نحو 90 ألف شخص يغادرون سويسرا كل عام: من هم ولماذا يرحلون؟
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.
اقرأ أكثر
المزيد
باسكال لامـي .. مديرا عاما لمنظمة التجارة العالمية
تم نشر هذا المحتوى على
ويرى كثيرون في اختيار رئيس المفاوضين الأوروبيين لقيادة المنظمة حلا وسطا بين مطالب بلدان الشمال وبلدان الجنوب التي عرفت تعثرا في إكمال جولة الدوحة لتحرير التجارة العالمية. أخيرا، وبعد مسار استغرق تسعة أشهر توصلت الدول الأعضاء ال 148 في منظمة التجارة العالمية بعد ظهر الخميس السادس والعشرين مايو إلى الإعلان رسميا عن اختيار الفرنسي باسكال…
تم نشر هذا المحتوى على
وقد تضمن التقرير جملة من التوصيات قد تساعد على فهم الدور الحقيقي والإيجابي لنظام تجاري متعدد الأطراف، وعلى تحسين آداء المنظمة. من التمارين التي قلما تجرؤ الكثير من المنظمات الدولية على القيام بها، إصدار تقرير يُـشـرّح طريقة عملها، ويحلل كيفية تعاطي الرأي العام الدولي لنشاطها وللمبادئ التي تقوم عليها. ومن المؤكد أنه عندما يتعلق الأمر…
تم نشر هذا المحتوى على
هذه المناشدة جاءت في إطار الحملة التي انطلقت عشية التئام الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي في 3 أكتوبر بالولايات المتحدة، الذي تشارك فيه سويسرا بوفد يضم وزيري الإقتصاد والمالية. يترأس وزير المالية هانز رودلف ميرتس الوفد السويسري المشارك في الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي الذي سينعقد نهاية هذا الأسبوع في بريتون…
تم نشر هذا المحتوى على
ويسعى سوباتشاي بانشباكدي إلى استغلال الاجتماعات الإقليمية المقبلة (ومنتدى دافوس أيضا) لطي الملفات العالقة مثل ملف القطن وتمديد فترة جولة الدوحة إلى ما بعد غرة يناير 2005. لم يتوان المدير العام لمنظمة التجارة العالمية التايلاندي سوباتشاي بانشباكدي في لقاء جمعه مع الصحافة بجنيف صبيحة يوم الاثنين، في الإثناء على اتفاق يوليو الذي تم التوصل إليه…
تم نشر هذا المحتوى على
لكن صياغة الاتفاق بشكل عام لم تعمل إلا على تأجيل كل ما من شأنه أن “يغضب” إلى المراحل القادمة، وهو ما يفسر تحفظ بل قلق العديد من الأطراف من بلدان الشمال والجنوب على حد سواء. بعد فشل المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في كانكون العام الماضي، ومع قرب موعد إنهاء جولة مفاوضات قمة الدوحة المقرر…
تم نشر هذا المحتوى على
ويتركز النقاش حول مقترح وسط يهدف إلى تقريب وجهات النظر بين البلدان المتقدمة الداعمة لقطاعها الفلاحي ومن بينها سويسرا، والبلدان النامية المطالبة بإلغاء تام لهذا الدعم. لم تعد يفصلنا سوى أيام معدودة، عن 31 يوليو آخر موعد للتوصل لاتفاق بخصوص رفع الدعم الذي تقدمه البلدان المتقدمة إلى قطاعها الفلاحي، والذي طالبت الدول النامية بإلغائه ضمن…
تم نشر هذا المحتوى على
في المقابل جاءت تلك النتيجة مفرحة للمزارعين ومنتجي الألبان ومشتقاتها، حيث تبددت مخاوفهم، ولكن إلى حين. “فقدنا مرحلة هامة في خطوات تدعيم اقتصادنا” هكذا وصف اتحاد أرباب العمل السويسريينEconomiesuisse فشل مفاوضات منظمة التجارة العالمية في منتجع كانكون المكسيكي، حيث كانت الرابطة تأمل في الخروج بنتائج تساعد على دفع الاقتصاد السويسري، من خلال تحرير المزيد من…
تم نشر هذا المحتوى على
ولئن فشل المؤتمر في إنجاز وعود جولة الدوحة، فإنه سمح ببروز مجموعة جديدة تتحدث باسم الدول النامية، قد يكون لها ثقل في المفاوضات القادمة. خابت الآمال التي كانت معقودة على أن يتوصل الوزراء في اجتماعهم بكانكون إلى تجاوز العراقيل التي استعصت على السفراء في مفاوضات منظمة التجارة العالمية بخصوص ملفات شائكة مثل الزراعة او الملفات…
تم نشر هذا المحتوى على
في المقابل، تندد المنظمات غير الحكومية السويسرية بالمشروع وترى أنه منحاز بشدة لمصالح الشركات المتعددة الجنسيات على حساب البلدان الفقيرة. مع اقتراب موعد انعقاد الإجتماع الوزاري الخامس للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية في كانكون تبرز في سويسرا المزيد من الخلافات حول عدة ملفات مطروحة للبحث. ونظرا لأهمية وتشعب الملفات التي سينظر فيها وزراء التجارة…
تم نشر هذا المحتوى على
قبل بضعة اشهر فقط، كان النقاش يدور في الهيئات العليا للمؤسستين الماليتين الدوليتين حول استبعاد سويسرا من هذه الهيئات، التي تضم اربعة وعشرين دولة. اوساط واشنطن بررت حينها هذا الموقف بضرورة انسحاب البلدان “الصغيرة” من المواقع القيادية والاقتصار على القوى الاقتصادية الكبرى. لكن الكنفدرالية التي تراس وفدها هذه المرة وزيرا الاقتصاد والمالية، دافعت بقوة عن…
تم نشر هذا المحتوى على
يتواجد في سويسرا منذُ يوم الخميس التاسع من مايو رئيس البنك العالمي جيمس وُلفنسون بمناسبة إحياء الذكرى العاشرة لانضمام سويسرا إلى البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. وكان الناخبون السويسريون صادقوا يوم 17 مايو من عام 1992 في استفتاء شعبي على انضمام الكنفدرالية إلى المؤسستين النقديتين العالميتين. وقد التقى رئيس البنك العالمي وزير الشؤون الاقتصادية باسكال…
تم نشر هذا المحتوى على
وطورت برن على مدى 11 عاما عدة مشاريع لمساعدة هذه المجموعة على الانتقال من الاقتصاد المُسير إلى اقتصاد السوق. غير أن هذه المهمة لا تخلو من العراقيل… أُطلقَ مصطلحُ “هلفيتيستان” على مجموعة الدول التي تمثلها سويسرا في البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. وتضم هذه المجموعة خمس جمهوريات من آسيا الوسطى…
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.