مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أي مستقبل للإسلاميين في المغرب العربي؟

بعد التعامل الأمني خلال التسعينيات، هل تتجه الأنظمة المغاربية في المرحلة المقبلة إلى إدماج جزء من الإسلاميين في اللعبة السياسية عبر صناديق الإقتراع؟ swissinfo.ch

هل تكون العشرية الأولى من هذا القرن عشرية إدماج الإسلاميين بمنطقة المغرب العربي في الحياة السياسية والمدنية؟

سؤال أصبح مطروحا، رغم أن الثلث الأخير من القرن الماضي تميز بالصراع وتبادل الإقصاء بين الأنظمة وحركات ما يسمى بالإسلام السياسي.

الدواعي إلى طرح مثل هذا السؤال عديدة. خاصة في ظل المعطيات والمتغيرات الدولية الجديدة.

وإذا كانت أحداث 11 سبتمبر قد وضعت قضية الإسلام والإسلاميين في مقدمة الأجندة الدولية، حيث لا يكاد يمر يوم إلا وثار جدل أو اندلعت أزمة لها علاقة بأحد المحورين، إلا أن هناك أسباب أخرى إضافية أصبحت تفرض التوقف عند هذا الموضوع على الصعيد المغاربي.

الجزائر: ما بعد الوئام الوطني..

في الجزائر، اختار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن يجعل في مقدمة برنامجه السياسي خلال دورته الثانية تحقيق المصالحة الوطنية، بعد أن نجحت مبادرته الخاصة بالوئام المدني.

وفي هذا السياق، تتوالى الأخبار المتضاربة حول احتمال حصول مفاوضات بين قيادة الجيش وآخر المجموعات المسلحة التي لا تزال تتحصن بالجبال، وهذه الأخبار رحب بها أغلب الجزائريين، بمن في ذلك قياديو وأنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي كان جناحها العسكري أول من تخلى عن العنف قبل أكثر من أربع سنوات.

وبقطع النظر عن خلفية تلك الأخبار ومدى جدية نفيها، فالمؤكد أن مفهوم المصالحة الوطنية لا يقف عند حدود إلقاء الأسلحة مقابل العفو عن إرهابيي الأمس وحل مشكلاتهم الاجتماعية، ولكنها تستوجب أيضا إيجاد صيغة لإدماجهم في الحياة السياسية، إذا كانوا لا يزالون مُـصرين على تغيير الشأن العام بالطرق السلمية.

والحقيقة، أن هذا الأمر بالتحديد لا يتعلق بالجماعات المسلحة، التي استسلمت تدريجيا خلال المرحلة السابقة وتراجع دورها كثيرا، بقدر ما يخص “جبهة الإنقاذ” التي يطالب رموزها بإعادة الاعتبار القانوني والسياسي لحزبهم. وتشكّـل هذه المسألة العقدة المحورية لمبادرة المصالحة الوطنية.

جبهة الإنقاذ وتوجس السلطة..

لقد أنجز النظام الجزائري شوطا هاما في عملية إدماج الإسلاميين في الحياة السياسية، واعترف بحزبين هما حركة السلم وحركة النهضة، وسمح لهما بالمشاركة في عدد من الانتخابات التشريعية والرئاسية، وفتح لهما مجالي المشاركة في أكثر من حكومة والدخول إلى غرفتي البرلمان، مما أكسبهما خبرة والتصاقا بأجواء الحكم وأجهزة الدولة، وذهب إلى حد التحالف مع بعضهم، مثلما حصل مع حركة مجتمع السلم (حـمـس) التي ساندت بقوة للمرة الثانية ترشح بوتفليقة للرئاسة.

وبالرغم من أن ذلك قد عكس الثقة التي أصبح يتمتع بها النظام الجزائري في قدراته على إدارة العلاقة مع الإسلاميين بعيدا عن أجواء التوتر وحالات الخوف والاستنفار، غير أنه لا يزال متوجسا من نوايا وحجم جبهة الإنقاذ.

كما أن أي رئيس للجزائر لا يستطيع أن يحسم في هذه المسألة من دون أن يأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل، من بينها مصالح جزء من القيادات العسكرية التي خاضت حربا ضروسا ضد الجبهة والجماعات المسلحة التي انبثقت عنها، إذ على الرغم من تراجع ملحوظ في سلطة التيار الاستئصالي، إلا أن ذلك لا يقلل من أهميته ودوره.

يضاف إلى ذلك أن التضاريس السياسية الحالية لجبهة الإنقاذ لا تزال غير واضحة المعالم للمراقبين. كما أن التعاطي مع بوتفليقة قد كشف عن وجود تباينات بين أبرز رموز الجبهة، حيث مال بعضهم إلى اتخاذ مواقف وصفت بالمعتدلة، في حين استمر آخرون في التلويح بلغة التشدد.

والأهم من ذلك، أنه لا يُعرف إلى حد الآن ما إذا قام “الإنقاذيون” بنقدهم الذاتي، أم أنهم ظلوا سجناء مرحلة ما قبل الانقلاب ولم يُـدركوا بأن العالم قد تغير من حولهم كثيرا.

الأكيد أن النظام و”الإنقاذيين” ليس من مصلحتهم العودة بالجزائر إلى أجواء التسعينات، لكن تبقى المشكلة كامنة في مدى قدرتهما على التوصل إلى صيغة تُـرضي الطرفين وتسمح لهذا الجزء الرئيسي من “الجسم الإسلامي السياسي” من الاندماج والحركة.

المغرب: رفضٌ لأساليب المعالجة الأمنية..

وفي المغرب الأقصى، تتوفر أيضا إرادة سياسية واضحة على الاستمرار في عملية الدمج السياسي للحركات الإسلامية المحلية. ورغم أن بعض الأوساط السياسية عملت جاهدة على استغلال أحداث الدار البيضاء لدفع النظام نحو اللجوء إلى أساليب المعالجة الأمنية واستئصال الظاهرة برمتها، لكن الملك محمد السادس، وجزء هام من مكونات النخبة المغربية، رفضوا بشدة الانزلاق في ذلك الطريق المسدود، مما ساعد على استمرار التمييز بين دعاة العنف وبين المتمسكين بالخيار السلمي والطابع الملكي لمؤسسة الحكم.

إن توجيه برقية من الملك إلى حزب العدالة والتنمية بمناسبة انعقاد مؤتمره الأخير، يدل على أن التعايش بين القصر وهذا الجناح من الحالة الإسلامية السياسية المغربية مرشح للاستمرار.

لكن في المقابل، لا تزال جماعة العدل والإحسان متمسكة برفضها الانخراط في اللعبة السياسية الحالية، ورافضة الاعتراف بالشرعية الدينية للملك، مما جعلها تتحرك خارج الأطر القانونية. ورغم ثقلها العددي الهام، إلا أنها حافظت على طابعها السلمي، وبقيت تفتقر للخبرة المؤسساتية والبرنامج السياسي العملي والواضح.

ومع ذلك، لا توجد مؤشرات على احتمال لجوء السلطة إلى استعمال القوة ضد هذا التنظيم، الذي قد يتحدد موقعه مستقبلا إذا تقدم النقاش حول طبيعة الإصلاحات الدستورية التي تطالب بها أطراف عديدة، خاصة فيما يتعلق بصلاحيات الملك وعلاقته بآليات الحكم.

لكن تبقى المعضلة الرئيسية التي تعاني منها جماعة العدل والإحسان هي مشكلة فكرية تخص منهج التغيير وطبيعة الدولة والانتقال بالحركة من حالة “الجماعة” إلى حالة “الحزب السياسي”.

ليبيا وموريتانيا: مواقف مغايرة

في مقابل الحالتين، الجزائرية والمغربية، تتخذ بقية دول المغرب العربي مواقف مغايرة في أسلوب التعامل مع حركاتها الإسلامية المحلية. فليبيا، التي عرفت مواجهات دامية بين النظام وخصومه من الإسلاميين، بدأت تخوض تجربة مختلفة عن السابق، وإن كانت لا تزال جنينية، مما يصعب التكهن بمآلها.

فالحوار الجاري منذ فترة بين الإخوان المسلمين والسلطة، شكّـل في حد ذاته حدثا لافتا للنظر. فالانتقال من اعتبار الإسلاميين “كلابا ضالة” إلى الدخول في مفاوضات سياسية معهم، ليس أمرا عاديا. كما أن الطريقة التي اُعتمدت في محاكمة عناصرهم الموجودين في حالة إيقاف منذ أواسط التسعينات أثارت عديد التساؤلات.

ورغم أن الإخوان ليسوا الفصيل الإسلامي الليبي الوحيد، حيث لا تزال القطيعة قائمة بين النظام وجماعة حزب التحرير أو التيارات السلفية، غير أن تحقيق أي تقدم في معالجة سياسية لملف الإخوان يمكن أن يشكل مقدمة لتثبيت أسلوب مغاير في التعامل مع ظاهرة الإسلام السياسي التي صمدت في ليبيا منذ انقلاب 1 سبتمبر 1969.

أما في موريتانيا، فإن رفض السلطة الاعتراف بحزب “حمد” (حزب الملتقى الديمقراطي) الذي جمع أهم الفعاليات ذات التوجه السياسي الإسلامي إلى جانب مجموعات أخرى، قد كشف عن تمسك النظام بموقفه المعادي لأي حزب يرتكز على أساس ديني.

ويأتي هذا الرفض في الوقت الذي “يجمع فيه الفاعلون السياسيون في النظام وفي المعارضة على أن احتمال الخطر الأصولي ضعيف جدا”، وذلك حسبما نقلته صحيفة (النجم العدد 45 بتاريخ 23 مارس 2004) عن تقرير حرره وفد برلماني أوروبي زار موريتانيا مؤخرا.

إن الحركة الإسلامية الموريتانية لا تزال في حالة مخاض، وتطغى على خطابها نبرة التحدي الأيديولوجي، في مقابل نظام يشعر بأنه مستهدف من قبل معظم القوى السياسية المناوئة له. ومع ذلك، فإن المراقبين يستبعدون حصول صِـدام بين الطرفين، حيث يتمتّـع الإسلاميون بهامش مهم من حرية الحركة والتعبير.

تونس: حالة استثنائية

أخيرا، يبقى المثال التونسي يُـشكل حالة استثنائية في منطقة المغرب العربي، حيث لا توجد مؤشرات فعلية عن احتمال تغيير أسلوب النظام في التعامل مع ملف حركة النهضة.

فباستثناء تسلم جهة إدارية لملف “الجمعية الدولية للمساجين السياسيين” التي تعمل منذ عدة أشهر على التعريف بقضايا مساجين حركة النهضة المحظورة، لم تتخذ السلطة أي إجراء للتخفيف من معاناة حوالي 600 سجين يقضون عقوبات طويلة منذ أكثر من 12 عاما.

لكن حضور السفير التونسي بالرباط في جلسة الافتتاح لمؤتمر حزب العدالة والتنمية المغربي أثار نقاط استفهام عديدة. هل هو محاولة لتحييد هذا الحزب المعروف بتبنيه لقضايا الإسلاميين التونسيين، والذي أصبح يملك وزنا سياسيا لا يمكن الاستهانة به؟ وقد سبق أن أثمرت مثل هذه المحاولة في الجزائر مع “حركة مجتمع السلم”، أم أن قرار الحضور يحمل دلالة سياسية أكثر أهمية؟

الواضح أنه بالرغم من نجاح السلطة في إخراج النهضة من اللعبة السياسية على الصعيد الداخلي، وإن لم تتمكن من شطبها نهائيا، حيث استمرت سياسة القبضة الأمنية تجاه كل محاولة لإعادة بناء التنظيم، إلا أنه يلاحظ في المقابل، وجود تعامل مرن ومحسوب في التعاطي مع بعض العناصر والشخصيات المحسوبة على الحركة، والتي لم تعد تتردد في التعبير عن وجودها.

لقد توالت خلال الأشهر الأخيرة دعوات المصالحة التي أطلقها بعض أنصار النهضة، لكنها لم تجد آذانا صاغية إلى حد الآن. والمؤكد، أنه إذا لم يتم إطلاق سراح مساجين الحركة قبل شهر أكتوبر، موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، فإن أوضاعهم ستزداد سوءاً بعد ذلك التاريخ.

كل المعطيات السابقة تدل على أن موضوع احتواء الإسلاميين ودمجهم في الحياة السياسية والاجتماعية سيكون مطروحا خلال المرحلة القادمة في معظم البلدان المغاربية، وأن ذلك دليل على أن محاولات استبعادهم أو استئصالهم لم تنجح طيلة التسعينات.

كما أن المؤشرات تدل أيضا على أن محاولات الاحتواء تجري بدون اعتراض الأوروبيين، وربما بتشجيع من الأمريكيين الذين أكدت نقاشاتهم ومبادراتهم بأنهم عادوا للتمييز بين حركات العنف وتيارات الاعتدال.

صلاح الدين الجورشي – تونس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية