مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإخوان المسلمون وصيف مصر الساخن

التحق أنصار الأخوان بنشطاء حركة "كفاية" وبدؤوا في النزول إلى الشارع والتظاهر أمام البرلمان swissinfo.ch

يبدو أن صيف مصر المقبل سيكون ساخنا بكل المعانى في ظل احتدام الجدل السياسي حول مضمون وأبعاد تغيير المادة 76 من الدستور.

ولا تخفي العديد من القوى السياسية المعارضة، بمن فيها الإخوان المسلمون، خشيتها من أن يؤدى التعديل إلى مجرد إعادة الاستفتاء، ولكن بشكل ديمقراطى بحيث يسمح بالتوريث المرفوض.

يبدو أن صيف مصر المقبل سيكون ساخنا بكل المعانى. فعلى وقع الجدل السياسى القائم بتغيير المادة 76 من الدستور التى تقضى بالاستفتاء على منصب رئيس البلاد، وتحويلها إلى مادة تقضى بالانتخاب الحر بين اكثر من مرشح، وتخوف الكثير من القوى السياسية المعارضة بأن يؤدى التعديل إلى مجرد إعادة الاستفتاء، ولكن بشكل ديمقراطى، بحيث يسمح بالتوريث المرفوض، بدأت القوى السياسية على اختلافها بالتحرك فى الشارع، عبر الدعوة المتكررة لمناصريها بالتظاهر أمام البرلمان المصرى او بعض النقابات المهنية، وذلك للتعبير عن رفضها محاولات تفريغ التعديل الدستورى المرتقب من مضمونه، والمناداة بمزيد من التعديلات الدستورية وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وقانون الطوارئ المعمول به منذ اكثر من 30 عاما متصلة.

إغراء النزول للشارع

الحركة بين الشارع وفى الشارع تبدو مغرية لأكثر من سبب. فهناك حالات حية ومعاصرة أثبتت بالصوت والصورة أن اللجوء للجماهير وتحفيزها وكسر حاجز الخوف لديها ودعوتها للمطالبة بحقوقها، كفيلة بأن تهز عروشا وتسقط نظما، وتؤسس لجمهوريات جديدة. وما جرى فى أوكرانيا ثم قرغيزيا واضحان فى هذا الصدد، ناهيك عن حالة لبنان القريبة من قلب ووجدان العرب والمصريين معا.

والسبب الثانى، أن ثمة إجماعا بأن مصر واقعة تحت ضغوط أمريكية وأوروبية شديدة من أجل الإسراع بوتيرة الإصلاح السياسى فيها، والتأسيس لجمهورية جديدة ذات طابع ديمقراطى تعددى يسمح بمشاركة أوسع لكل القوى السياسية.

وبالرغم من أن الغالبية من هذه القوى السياسية ترفض قولا مثل هذه الضغوط، وتنأى عن مد يد التعاون المباشر مع أى مؤسسة أمريكية، إلا أنها تدرك أن بها جانبا إيجابيا، ولو بطريق غير مباشر.

فهذه الضغوط الخارجية لم تعد تسمح بمزيد من الكبت للقوى السياسية، أو الاستمرار فى الآليات نفسها التى ثبت يقينا أنها تدفع بالمجتمع إلى حالة تكلس وإفلاس سياسي شديدين. ومن ثم، فهى تشكل بيئة جديدة يمكن استثمارها للحصول على المزيد من الحريات والحقوق السياسية، بما فى ذلك حق تداول السلطة وانتخابات نيابية ورئاسية شفافة.

أما السبب الثالث، فهو أن القوى السياسية قد رضيت بالقليل لمدة طويلة جدا، ولم يعد أمامها سوى أحد خيارين، إما الاستمرار بنفس المعادلات السابقة، ومن ثم تدخل فى حالة إفناء ذاتى، أو الدخول فى معركة سياسية لتجديد نفسها والاستعانة بمدد شعبى وجماهيرى يحميها ويدعم من وجودها. ووفقا للمؤشرات الظاهرة، فإن القوى السياسية الحية وذات التاريخ والجذور قررت الدخول فى معركة البقاء والتجديد والمساندة الشعبية.

مبررات إضافية للإخوان

هذه الأسباب العامة توضح بعض دوافع لجوء العديد من القوى السياسية الناصرية والقومية والليبرالية الوطنية واليسارية، وكذلك الإسلامية وفى مقدمتها الإخوان المسلمين، وذلك للتظاهر فى الشارع، ليس فقط للتعبير عن المطالب، ولكن لكسر حاجز الخوف تدريجيا لدى المواطن البسيط، والحصول على دعمه لمواصلة الطريق.

ولكن، ما يلفت النظر هنا، أن الإخوان المسلمين لديهم مبررات إضافية للنزول إلى الشارع، ليس فقط لإثبات الوجود والانتشار الجماهيرى الواسع كما يعتقدون، ولكن أيضا للتأثير فى الحالة السياسية العامة فى البلاد، والمشاركة فى توجيه مستقبلها على نحو يسمح لهم بالحصول على الشرعية التى ما زالت غائبة، وتبدو عصية إلى حد كبير طالما استمرت نفس المعادلات السياسية القائمة.

هن المعادلات السياسية القائمة من وجهة نظر الإخوان، لم يعد أمرا مستحيلا كما كان قبل عقد من الزمن. فالتغير الأمريكى والتمسك بهدف تغيير النظم العربية التى لم تعد صالحة للمصالح الاستراتيجية الأمريكية الكبرى، بات يسمح بالتحرك نحو الشرعية والمشاركة المباشرة فى الحياة السياسية.

ولا يعنى ذلك أن هناك اتفاقا مباشرا بين الطرفين، كما تدعى ذلك بعض المصادر الرسمية أو الموالية كجزء من حملة الدعاية السوداء ضد الإخوان، ولكنه يعنى توظيف تلك التوجهات الأمريكية فى كسر الطوق الذى استمر طويلا.

والشيء المرجح هنا أن بعض قادة الإخوان باتوا يقرءون التصريحات الأمريكية التى تشدد على انه “لا يوجد موقف أمريكى مسبق يرفض العمل مع أى قوة سياسية إسلامية إذا وصلت الحكم فى أى بلد عربى”، على انه تطور إيجابى فى حد ذاته، أخذا فى الاعتبار النزعة العملية للسياسة الأمريكية ككل.

وما يجرى فى العراق اليوم، يؤكد هذا المنحى الامريكي. فرئيس الوزراء المرشح حتى الآن، وهو إبراهيم الجعفرى، زعيم لحزب دينى ويتمسك بتطبيق للشريعة وفقا لما تسمح به ظروف العراق، فى الوقت الذى يبدى فيه الأمريكيون استعدادهم للتعاون معه.

ناهيك عن أن الموقف الأمريكى الآن يختلف عن فترة سابقة لم يكن يعترض فيها على أى انتهاكات موسعة تمارس ضد أعضاء الجماعة او القوى السياسية الاخرى، إضافة إلى أن الموقف الامريكى الآن لم يعد يقبل بمعادلة أن بديل النظم السلطية القائمة هو قوى ظلامية دينية، ومن ثم فالأفضل هو بقاء النظم القائمة. فالرغبة فى التغيير باتت أوسع واعمق.

وهناك من الإخوان من ينظر إلى التجربة التركية فى ظل حكم حزب العدالة والتنمية باعتبارها حجة قوية تدعم مطالبهم بالحصول على صك الشرعية والمشاركة فى الحياة السياسية، دون وجل من مواقف أمريكية سلبية.

فما حدث فى تركيا، أثبت أن القوى الدينية الإسلامية المعتدلة وذات الشعبية فى أوطانها والمدركة حدود العمل دوليا وإقليميا، يمكنها أن تحقق أهدافا مشتركة للداخل والخارج على السواء، بما فى ذلك المصالح الأمريكية نفسها، ولكم يتمنى الكثيرون منهم إعادة نسخ التجربة التركية فى مصر على يد الإخوان أنفسهم.

رسالة للجميع

وإذا كان النزول إلى الشارع يمثل وسيلة للتأثير، فإنه يبعث برسالة أيضا مضمونها أن الجماعة، وبالرغم من كل القيود والضربات الأمنية، ما زالت قادرة على الصمود والانتشار، وما الدعوة للقيام بمظاهرة مليونية فى قلب العاصمة ومدن مصرية أخرى، إلا رد على الانتشار الامنى الواسع والقيود وعمليات اعتقال بعض كوادر الجماعة من منازلهم ليلة القيام بمظاهرة الأحد 27 مارس الماضى.

ومن غير المرجح أن تمر المظاهرة المليونية بسلام إن حدثت، فالطابع الامنى فى التعامل مع الجماعة هو الأسلوب الوحيد المعمول به، انطلاقا من مقولة أنها جماعة غير شرعية.

وثمة همسات محدودة بين بعض مؤسسات سيادية ترى أن الظروف التى تمر بها البلاد تستدعى اقترابا جديدا فى التعامل مع الجماعة، وأنه لا بأس من السماح بطريقة غير مباشرة بحزب ينضوى تحته بعض أجيال الإخوان، لاسيما المحدثين منهم، لان ذلك ينطوى على مخرج قانونى سيضع الجماعة أمام أعباء العمل السياسى، وسيفرض على القوى الأخرى قدرا من التجديد لأغراض المنافسة السياسية فى ظل دستور يسمح بالتعدد والحزبية.

والمؤكد أن هذه الهمسات لم تصل بعد إلى تيار قوى يقف أمام النزعة الأمنية الغالبة، وإلى أن يحدث ذلك، فلن يكون أمام الجماعة سوى التحصن بالناس التى تقول إنهم يناصرونها إنهم بالملايين.

د. حسن أبو طالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية