مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإخوان والسلطة في مصر: معضلة بلا حـل؟

يتواجد نواب من الأخوان المسلمين تحت قبة البرلمان المصري وذلك رغم عدم اعتراف الدولة بأي وجود رسمي للحركة ikhwanonline.net

لا تزال علاقة الإخوان المسلمين بالسلطة في مصر واحدة من المعضلات التي تواجه الجماعة ولغزا يصعب على المواطن العادي والمراقب الضليع تفهم أبعاده بسهولة.

فقد شهدت تلك العلاقة على مدى تاريخها الطويل مراحل متفاوتة من الصراع الذي لا يخبو أواره حتى يندلع من جديد وبشكل مختلف.

استخدمت السلطة في مصر في العشريات الماضية مجموعة من السياسات والاستراتيجيات في تعاملها مع حركة الأخوان المسلمين التي ظهرت للوجود في عام 1928، يمكن وصفها بالمتضاربة والمحيرة.

ففي إحدى الفترات كانت مرحلة “تكسير العظام”، ثم خفت لتصل إلى سياسة “الشد والجذب”، ومنها إلى “المد والجزر”، مع بعض “التحجيم لا الاستئصال”، ثم علا التفاؤل بعد ظهور بوادر”الحل الوسط” في ظل ما سمي بـ”العلاقة المزدوجة” أو انتهاج “غض الطرف” أحيانا، لتنقلب الآية وتتحول مجددا إلى “الإجهاض المبكر” أو “المتتالي” من حين إلى آخر.

ويرى الدكتور محمد جمال حشمت، أحد قيادات الإخوان، والعضو السابق في البرلمان المصري، في حديث مع سويس أنفو أن “موقف الحكومة من الإخوان متغير، ونظرتها للجماعة ما زالت أمنية، وأن الإخوان أيديهم ممدودة للحوار والتواصل، مؤمنين بالحفاظ على الشرعية”، ويضيف أنه “إذا كانت الجماعة قد انتزعت بطاقتها فما زالت شرعيتها، كمن يسير بلا بطاقة هوية، فالحياة السياسة في مصر تدار بمبدأ “فرق تسد”، مع قناعة الحكومة بأن الفرصة لو أتيحت للإخوان فإنهم سيكتسحون الانتخابات وسيتولون السلطة”.

“رسائل زائفة” أم “استهداف مبرمج”؟

أما الأستاذ مختار نوح محامي الإخوان، فيُرجع السبب الرئيس وراء الأزمة القائمة منذ زمن طويل بين الحكومة والجماعة إلى “الرسائل الزائفة” المتبادلة بين الطرفين، حيث “يصل إلى الحكومة رسالة مفادها أن الجماعة “طلاب سلطة” وأنهم يريدون الوصول للحكم، ويعدون أنفسهم كبديل للنظام، في المقابل، يصل إلى الجماعة رسالة مفادها أن النظام يسعى لاستئصالهم تمامًا”، على حد تعبيره في تصريحات لسويس انفو.

من جهته، يلخص عبد الرحيم علي الخبير في شؤون الحركات الإسلامية ومدير المركز العربي لدراسة الحركات الإسلامية في القاهرة العلاقة بين السلطة والجماعة بالقول بأن هناك أربع رؤى داخل الجماعة للعلاقة مع الدولة وهي:

1- الرؤية “الكربلائية”: ويؤمن بها المرشد الحالي عاكف و مفتي الجماعة الشيخ محمد عبد الله الخطيب ومن قبلهما المرشد الخامس مصطفى مشهور، وهم ينظرون إلى ما يحدث من صدام بين السلطة والجماعة على أنه ابتلاء ولا بد من الصبر.

2- الرؤية “المنهجية”: ويتبناها مجموعة من القيادات الشابة مثل عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح، وهي تقوم على فكرة التعامل السياسي مع الأزمة بالواقع.

3- الرؤية “التوافقية”: وهي رؤية يتبناها المحامي الإخواني الشهير مختار نوح ورفاقه، وهي ترى أن الحل يكمن في التفاهم مع الدولة لتعطينا حدودا نعمل فيها، وتنطلق هذه الرؤية من أن فكرة تبادل السلطة غير موجودة إطلاقا في دول العالم الثالث، وهذه رؤية أمنية ربما تختلف كثيرا عن الرؤية السياسية.

4- الرؤية “الجذرية”: وهي رؤية المهندس الإخواني المنشق أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط ورفاقه، وتقوم على فكرة نسف الجماعة وحلها وتشكيل حزب سياسي يمارس السياسة بمرجعية إسلامية حضارية.

“صفقة” و.. “تحجيم”

أما عن مستقبل العلاقة بين السلطة والجماعة، فيقول عبد الرحيم على في حديث مع سويس انفو: “هناك متغيرات جديدة فرضت نفسها، فالأمريكان دخلوا على الخط لحسم عدد من الأمور، وخاضوا حوارات مع الأوروبيين ومع الإخوان حول مدى إمكانية استخدامهم كتنظيم دولي في ضرب “تنظيم القاعدة”، في مقابل تقاسمهم السلطة مع الحكومة، غير أن الأمريكان يتخوفون من تحول الإخوان إلى منافس قوي للسلطة، ولا زال الأمريكان يدرسون هذا الأمر” حسب قوله.

وأضاف عبد الرحيم أن “الصفقة انطلقت من قناعة الأوربيين بعد حوارهم مع الإخوان أنهم يقدمون “خيار المشاركة” على “خيار المبادلة”، غير أن بعض الحكام العرب ومنهم مبارك أوصلوا للإدارة الأمريكية أن “الإرهاب لا يهزم بالإصلاح”، وأنه في حال وصول الإسلاميين للسلطة فإنهم سيفتحون الأبواب للإرهابيين”.

في المقابل يشير الأستاذ عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد للجماعة في حديث مع سويس إنفو إلى أن مظاهر تطبيق السلطة لسياسة التحجيم ضد الجماعة كثيرة، منها على سبيل المثال:

1- إغلاق بعض – وليس كل – الجمعيات التابعة للإخوان .
2- سن القانون رقم 100/1992 الذي يضع شروطا تعوق سيطرة الإخوان على النقابات.
3- التزوير في الانتخابات، فيسمح لهم بالحصول على نسبة ما، دون تجاوزها، فيما يتوقع أن يفوز الإخوان بنسبة 25 %.
4- القيام بحملات اعتقال من حين لآخر بهدف الحيلولة دون تمدد الجماعة.
5- إعطاؤهم “المشروعية العملية” بالسماح لهم بنوع من التواجد، دون منحهم “المشروعية القانونية” بالاعتراف بهم.

وفيما اعتبر المحللون أن سماح الدولة للإخوان بالفوز بانتخابات 84، و87 ، و2000، خطوة تحسب للدولة، أرجع أبو الفتوح ذلك إلى “النمو الطبيعي للجماعة” وتمددها، مشيرا إلى أن هذا لم يحدث بين يوم وليلة وإنما هو نتاج طريق طويل عبر الاتحادات الطلابية في السبعينيات، والنقابات المهنية في الثمانينيات.

عــلاقة “الحل الوسط”

ويعتقد المحلل السياسي ضياء رشوان، خبير شؤون الحركات الإسلامية، ورئيس وحدة النظم السياسية بمركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية بمؤسسة الأهرام، أن “العلاقة بين جماعة الإخوان والسلطة في مصر يحكمها نوع من “الحل الوسط “، مؤداه ألا تطالب الحكومة بإلغاء أو إبادة الإخوان، وألا يسمح لهم بتواجد رسمي” على حد تعبيره.

ويشير ضياء رشوان في حديثه إلى سويس أنفو إلى أن “فكرة المعادلة التي يعيش بها الإخوان مع الدولة تقوم على أن الدولة منذ عهد عبد الناصر وحتى عهد مبارك مرورا بعهد الرئيس السادات تدرك أن الإخوان هم تيار حقيقي وموجود بالشارع وله ثقله، ولكنها تكتفي بتحجيمه ولا تسعى لإلغائه، فالدولة لديها تخوف من قوتهم، ومن ثم فهي لا تسمح لهم بالتحول إلى قوة كبيرة أو وجود رسمي، وليس هناك أي أمل أن تضفي عليهم صفة الشرعية خاصة وأن الدولة تدرك جيدا حجم الإخوان، وأن لديها من المؤشرات ما يساعدها على ذلك”.

ويلخص الدكتور رشوان أهم محددات العلاقة بين الإخوان والسلطة في النقاط التالية:

1- عدم نفي الإخوان نفيا مطلقا قديما أو جديدا.
2- السماح بوجودهم بأشكال مختلفة اجتماعية و ثقافية وعلمية.
3- عدم السماح لهم بأي تواجد سياسي شرعي معترف به.
4- التدخل من حين لآخر باستخدام استراتيجية “الإجهاض المبكر” والتي بدأت في التعامل بها ابتداءا من ديسمبر عام 1994 م.

حضور يفرض نفسه

ويرى الدكتور جهاد عودة أستاذ السياسية الدولية بجامعة حلوان، عضو لجنة السياسات بالحزب الحاكم، في حديث لـ”سويس إنفو”أن العلاقة بين الإخوان والسلطة هي”علاقة مزدوجة” فيها عداء لكنه ازدواج غير متساو، وقد استطاع الإخوان أن يضعوا أنفسهم داخل الحياة السياسية المصرية، وهو ما فشل فيه الشيوعيون” على حد قوله.

وحول مستقبل العلاقة بين الإخوان والسلطة قال عودة: “هناك فئات أمريكية أو تابعة للأمريكان تسعى إلى “تتريك مصر” وذلك بتقديم الإخوان كنموذج مثل حزب العدالة والتنمية بتركيا وهذه نظرة غير سليمة لأن الخبرة التركية وما قامت عليه من العلمانية وعلاقة العسكر بالحياة المدنية، جاء في سياق تاريخي غير الحالة المصرية. وأشار عودة إلى أن السلطة تتعامل مع الإخوان على أنها “جماعة سرية غير علنية”، موضحا أن “مشكلة الإخوان أنهم يلعبون بالنار ويغازلون الأمريكان” حسب تعبيره.

على صعيد آخر، اكدت مصادر مصرية وُصفت بالـ “مطلعة” لصحيفة “الحياة” الصادرة بلندن يوم 29 يوليو الجاري أن جماعة “الاخوان المسلمين” لن تستفيد من قرارات يتوقع أن يعلنها الرئيس حسني مبارك في المؤتمر المقبل للحزب الوطني الحاكم في ايلول (سبتمبر) المقبل، خصوصاً تلك التي تتضمن الغاء بعض القوانين المقيدة للحريات وتوسيع المشاركة السياسية وتعديل قوانين ذات علاقة بالانتخابات. واكدت المصادر نفسها للصحيفة أن الدولة ستظل تعتبر الجماعة “غير شرعية” و”محظورة قانوناً”.

وبغض النظر عن الصيغة التي قد تؤول إليها علاقة الإخوان بالسلطات في المرحلة المقبلة، لا يوجد شك لدى المراقبين في أن الحركة مرشحة لاكتساب المزيد من الأهمية في المستقبل، نظرا للمتغيرات الكبيرة التي تشهدها الساحة العربية، على غرار ما أوضحه تقرير مثير أعدته “المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات” (مقرها بروكسل) وصدر في أبريل 2004، تحت عنوان “الأسلمة في شمال إفريقيا: الفرصة المصرية”.

همام سرحان – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية