مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الجزائر بين تذمر الجهاز التنفيذي وجمود المؤسسات

يوم 15 نوفمبر 2006، استقبل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي في قصر المرادية Keystone

رُشّـح من مصادر سياسية غاية في الإطّـلاع، أن تذمّـرا كبيرا يعيشه الجهاز التنفيذي في البلاد بسبب حالة الجمود التي تمر بها مؤسسات الدولة.

وأكّـدت المصادر لسويس إنفو أن التذمّـر عبّـر عنه بعض الوزراء في الحكومة، كدليل قاطع أن على وجهة البلاد في الأمدين، لقصير والمتوسط، تظل غير واضحة المعالم.

في تصريح خاص لسويس إنفو، يقول أرسلان شيخاوي، الخبير الاقتصادي والعضو الدائم في منتدى دافوس الاقتصادي السويسري: “حالة الجمود التي تعرفها مؤسسات الدولة، سببها غياب الشفافية حيال مرض الرئيس أو ما يُـشاع عن مرضه، كما أن الانسداد قادم من الصراع الدائر بين أجهزة الحكم، التي لا تعرف التعبير عن خلافاتها عبر شكل ديمقراطي سليم، فتتحول الخلافات إلى مواجهات في الصحف أو إشاعات يتناقلها الناس”.

ما عبّـر عنه أرسلان شيخاوي بغياب الشفافية، تجسّـد في معركة غريبة عشاتها الصحافة الجزائرية ومرّت على جزء من الرأي العام مرور الكرام.

تتمثل هذه المعركة في نشر يومية “لوكوتيديان دوران” الصادرة في وهران، مقالا للصحفية الجزائرية غنية عكازي من أهم ما جاء فيه، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مريض بالفعل وبأنه على خلاف مع المؤسسة العسكرية بسبب مخالفته لاتفاق مبرم معها، يقضي بتسلم رئاسة البلاد لفترة رئاسية واحدة، غير أنه أصر على عُـهدة رئاسية ثانية يدير دفة البلاد من خلالها اليوم.

وجاء في مقال الصحفية غنية عكازي، أن الجيش هو الذي أوقف عملية تعديل الدستور من أساسها وأقنع بوتفليقة بالعدول عن الفكرة، لأنه مريض وعلى هذا الأساس لا يمكنه تطبيق أفكاره التي أراد تجسيدها من خلال تعديل الدستور.

وأخيرا، ذكّـرت غنية عكازي نقلا عن مصادرها، أن جزءا من المؤسسة العسكرية يرفض بشكل قاطع أي تعديل للدستور، لأسباب تتعلق باستقرار المؤسسات وأخرى بحتمية التناوب على الرئاسة بين شخصيات من مختلف أقاليم البلاد، الشرقية والغربية، الجنوبية والقبائلية، التي تمثل الشمال في غالب الأحيان.

بين الشك واليقين

منذ الإعلان عن مرض الرئيس بوتفليقة، قبل حوالي عامين، رفضت الرئاسة التعامل مع الصحافة الوطنية المستقلة، لأسباب مجهولة بالمنطق الإعلامي، غير أنها بالمنطق الجزائري مفهومة، وتتعلق بترك الأمر متراوحا بين الشك واليقين، حتى يتسنى جلب هذا الصحفي وإبعاد ذاك، حسب الولاء و القرب أو البعد عن القصر الرئاسي.

غير أن مقال غنية عكازي، وما ورد فيه من إيحاءات وصلتها من مصادرها (التي قالت عنها بأنها من المحيط الرئاسي)، تؤكّـد أن رأس الدولة الجزائرية يمر بظروف صعبة جدا، ولعل الدليل على “متانة” هذه المعلومات الطريقة التي تم بها الرد على مقال عكازي.

فعوض أن يصدر قصر المرادية بيانا رئاسيا يكذّب فيه ما جاء في المقال، تكفّـلت يوميتا “لانوفال ريبوبليك” لصاحبها عبد الوهاب جاكون، و”صوت الأحرار”، التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني بالرد على “لوكوتديان دوران”، وتفنيد فكرة أن الرئيس مريض، بدليل أنه زار كوبا قبل ثلاثة أشهر وقام بزيارات ميدانية داخل الجزائر.

وعوض أن يأتي مقال “صوت الأحرار” موقّـعا من طرف صحفي، يملك الشجاعة الأدبية لذكر إسمه، تم توقّيـع مقال الرد منسوبا إلى هيئة التحرير، في إشارة واضحة إلى أن الرد في صفحات جريدة حزب جبهة التحرير ممكن، حسب أبجديات الحزب، غير أنه ردٌّ ينبغي أن يكون محسوب العواقب، لأن الجزائر أثبتت أن تبادل الأدوار قد يتم بين عشية وضحاها، وسيُـسأل كاتب المقال عما كتب أو أنه قد يعيش الجحيم في فترة رئيس آخر.

صحة الرئيس تشغل الكبير والصغير

على صعيد آخر، علمت سويس إنفو أن زيارة عبد العزيز بوتفليقة الأخيرة إلى الصين، لم تكن خالية من المفاجآت الخطيرة. فقد اضطر الفريق الطبي المرافق للرئيس إلى التدخل، كي يعالج وضعا صحيا حرجا تعرّض له بوتفليقة، وخشي عليه خلاله من الهلاك.

ومما زاد الطين بلّـة، هو تأكيد عبد العزيز بوتفليقة أنه في صحة جيدة، عبر وسيلة إعلامية غير جزائرية، حيث تحدث مطولا عمّـا جرى له من اعتلال صحته قبل عامين، ردا على سؤال صحفية فرنسية رافقت وزير الداخلية نيكولا ساركوزي في زيارته إلى الجزائر الأسبوع الماضي.

وعلى الفور صدّق بوتفليقة البعض ولم يقتنع بكلامه الكثيرون بسبب تأخر الرد من جهة، ولأنه جاء في سياق غير واضح من حيث عدم استقرار الجهاز التنفيذي من جهة أخرى، بالإضافة إلى اختلاف سلوك الرئيس بعد مرضه عن الفترة التي سبقتها.

فقبل المرض كان الرجل شاغلا للدنيا والناس، وبعد مرضه لم يجد الناس ما يشتغلون به، كما أنهم لم يشغلوا أنفسهم بشيء آخر لأن الرئاسة في فترة بوتفليقة أصبحت مرادفا لتكفل رأس الدولة بكل ما يشغل الناس صغيره وكبيره.

من ناحية أخرى، ولكي تظهر مسألة الأزمة في أعلى هرم السلطة، أدلى أبو جرّة سلطاني، زعيم حركة مجتمع السلم الإسلامية، بتصريحات قال فيها “إن أعمال العنف الأخيرة ليست من صنع الجماعات المسلحة، بل من تنفيذ مافيا المال والاقتصاد، بسبب كشْـف ملفات الفساد واستمرار الإصلاحات داخل مؤسسات الدولة”.

الجزائر .. إلى أين؟

كلام خطير جدا مرّ مرور الكرام ولم تكترث له ظاهرا، لا رئاسة الجمهورية ولا الجيش، ولم يكترث له الائتلاف الحاكم الذي يضم، بالإضافة إلى حركة مجتمع السلم كلا من جبهة التحرير الوطني بزعامة عبد العزيز بلخادم رئيس الحكومة، والتجمع الوطني الديمقراطي بزعامة رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى.

هناك من المراقبين من يعتقد اعتقادا جازما أنه كلَّـما زاد الكشف عن ملفات الفساد، كلما زادت وتيرة أعمال العنف، وكلما زادت وتيرة المطالبة بتعديل الدستور، كلما انغمست مؤسسات الدولة في الجمود والخمول.

وإذا ما تتبَّـعنا تقاليد الحكم في الجزائر منذ عام 1962، يتبيّـن أن من يتّـهم جهات مجهولة بارتكاب أعمال العنف أو بافتعال اضطرابات، يكون في شبه المؤكد أنه في موقف ضعف.

حدث هذا للرئيس الأسبق أحمد بن بلة قبل انقلاب هواري بومدين عليه عام 1965، وحدث نفس الأمر لعبد العزيز بوتفليقة إثر وفاة هواري بومدين، قبل تفضيل الجيش للشاذلي بن جديد عليه وتقليده منصب الرئاسة عام 1978، واكتوى بن جديد نفسه من نفس النار، عندما أشار إلى جهات مجهولة بافتعال القلاقل، فأقيل أو استقال في يناير 1992 بعد إلغاء المسار الانتخابي، الذي كادت الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة حاليا أن تفوز به.

وحالة الضعف يعقبها تغيير شامل للشكل السياسي، لأن الخلاف بين رؤوس الحكم حاد جدا، لدرجة يصعب معها التوفيق بين هذا الطرف أو ذاك، ولئن سأل البعض السؤال المباشر: “الجزائر إلى أين”؟ قد يكون الجواب الأكثر منطقية هو: “إلى تغيير محتمل في الأسابيع المقبلة أو الأشهر القادمة في أبعد تقدير”.

هيثم رباني – الجزائر

ولد عبد العزيز بوتفليقة يوم 2 مارس 1937 ولم يكمل دراسته الثانوية، ليلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني وهو ابن 19 سنة وذلك عام 1956.

أصبح بوتفليقة بعد استقلال الجزائر عام 1962 عضو أول مجلس تأسيسي وطني، كما انتخب عام 1964 عضوا باللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني وعضوا بمكتبها السياسي. تقلد منصب وزير الخارجية في الحكومة الجزائرية وكان من أبرز الوجوه السياسية في عهد الرئيس الأسبق هواري بومدين.

ترشح بوتفليقة لرئاسيات الجزائر إلى جانب ستة مرشحين انسحبوا قبل يوم من موعد إجراء الاقتراع في 15 أبريل 1999، وحصل بحسب الأرقام الرسمية على 70% من أصوات الناخبين، ليصبح الرئيس الجزائري السابع منذ حصول البلاد على استقلالها عام 1962.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية