الشبان العراقيون يترشحون للبرلمان لتحدي الحكم الطائفي ودفع الإصلاح
من أحمد رشيد
بغداد 6 نوفمبر تشرين الثاني (رويترز) – يشعر أنور إبراهيم (25 عاما) بالإحباط الشديد من السياسة الطائفية في العراق لدرجة أنه قرر الترشح للبرلمان، لينضم إلى موجة من الشبان العراقيين الذين يتحدون النخبة المهيمنة على المشهد السياسي لسنوات في انتخابات الأسبوع المقبل.
وقال إبراهيم، وهو ناشط مؤيد للديمقراطية “أعتقد أنه يجب منح الشباب والتكنوقراط المساحة للمشاركة في إدارة الدولة، وأن علينا وضع حد لهيمنة بعض الأحزاب”.
وينتاب التشكك الكثير من العراقيين الذين يستبعدون أن تجلب انتخابات 11 نوفمبر تشرين الثاني أي تغيير حقيقي في السياسة الراكدة في البلاد، مع سيطرة الجماعات القوية نفسها على الدولة وثرواتها النفطية منذ سقوط صدام حسين في عام 2003.
لكن وجود أعداد كبيرة من المرشحين الشبان ـ للمرة الثانية منذ انتخابات عام 2005 ـ يمثل مرحلة نضج سياسي بالنسبة للعراقيين الذين كانوا رضعا أو أطفالا عندما أطيح بصدام حسين، وقد يؤدي هذا إلى تحفيز المطالبات بالإصلاح.
وقال مسؤول في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق لرويترز “حقيقة أن نحو 40 بالمئة من المرشحين المسجلين هم من الشباب تظهر أن هناك اهتماما متزايدا بين شباب العراق بالمشاركة في رسم مستقبل البلاد”.
وأضاف “هذا يعكس رغبة في التجديد وفي أن يكون لجيل طالما شعر بالتهميش عن السياسة صوت أقوى”.
وتتراوح أعمار معظم المرشحين الشبان الجدد بين أواخر العشرينات ومنتصف الثلاثينات، وهو ما يمثل تناقضا حادا مع البرلمان الحالي حيث يبلغ متوسط أعمار النواب نحو 55 عاما، ويوجد مرشحون من الأغلبية الشيعية في البلاد فضلا عن الأقلية السنية.
تقول المفوضية العليا للانتخابات إن حوالي 40 بالمئة من المرشحين المسجلين تقل أعمارهم عن 40 عاما، وإن نحو 15 بالمئة منهم تقل أعمارهم عن 35 عاما، أي ما بين 28 و35 عاما.
وفي انتخابات عام 2021، كانت نسبة المرشحين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما تبلغ 24 بالمئة، وفقا للمفوضية.
قد يقنع التدفق الجديد للمرشحين الشبان بعض العراقيين بالتصويت لأول مرة بحثا عن بدائل للزعماء الطائفيين الذين انتخبتهم الأجيال الأكبر سنا مرارا.
ورغم إجراء انتخابات ديمقراطية روتينية، لا يزال العراقيون يعانون من الفساد والبطالة وسوء الخدمات.
* صوت لجيل مهمش
مع ذلك، يبدو أن الشبان العراقيين منقسمون بشأن التصويت. فبعضهم متحمسون وآخرون تمكن اليأس منهم مما جعلهم يعزفون عن المشاركة في السياسة.
ومزق علي عبد الحسين (28 عاما) بطاقته الانتخابية، وهو عازف كمان وخريج معهد الفنون الجميلة في بغداد ويعمل موسيقيا في أحد مطاعم بغداد.
وقال “الذين انتخبناهم سابقا للبرلمان بدأوا حملاتهم بملابس بسيطة ويسافرون بسيارات الأجرة وهم يقولون: صوّتوا لنا لنحقق التغيير”.
وأضاف “بعد أن صوتنا لهم، حدث تغيير كبير، لكنه لم يكن من أجلنا نحن الفقراء، بل من أجلهم. بين ليلة وضحاها بدأوا يرتدون بدلات فاخرة ويقودون سيارات فارهة ذات نوافذ مظللة لأنهم لم يعودوا يريدون رؤية وجوهنا. بالتأكيد لن أصوت”.
ولم يشكل الشبان أحزابا سياسية جديدة، بل اختاروا بدلا من ذلك الانضمام إلى كتل سياسية راسخة لمحاولة فرض التغيير من الداخل، وهو هدف طموح للغاية.
وقال الخبير الدستوري كاظم البهادلي المقيم في بغداد إن “شبكات المحسوبية المرتبطة بالأحزاب السياسية توزع الوظائف والعقود والمناصب الأمنية، مما يضمن الولاء ويحد من مساحة المشاركة أمام من هم ليسوا مقربين من الأحزاب”.
* “كسر الحلقة”
يقول البهادلي أيضا “كسر هذه الحلقة يتطلب ليس فقط إرادة سياسية، بل أيضا إعادة هيكلة جوهرية لموازين القوى الاقتصادية والأمنية، وهو أمر لا تملك النخبة الحاكمة في العراق دافعا حقيقيا للسماح به”.
لم يكن المشهد السياسي الراسخ حاليا هو ما توقعه المحللون عندما أسقط العراقيون تمثال صدام في بغداد عام 2003، وضربوه بأحذيتهم احتفالا بسقوط الاستبداد.
واعتقد المسؤولون الأمريكيون أن الإطاحة بالزعيم السني القوي ستضع العراق على طريق الحرية والرخاء تتمتع به كل الطوائف من خلال تقاسم ثروات البلاد النفطية بشكل عادل.
لكن بدلا من ذلك، نشأت حركة مسلحة مؤيدة لصدام أعقبها ظهور مسلحين متشددين من تنظيم القاعدة، ثم اندلعت حرب أهلية طائفية صعد معها تنظيم الدولة الإسلامية الأكثر تطرفا.
وفي الوقت نفسه، تحول ميزان القوة السياسية بشكل مطرد من الأقلية السنية التي انتمى إليها صدام إلى الأغلبية الشيعية، وتمثل ذلك في سياسيين مدنيين وفصائل مسلحة متحالفة مع إيران.
* “عراق جديد”
سيواجه أي شاب يسعى لتغيير الوضع الراهن مقاومة شرسة. ومع ذلك، يسعى عدد من المرشحين الشبان إلى إعادة صياغة قانون الانتخابات وتأسيس لجنة انتخابية مستقلة والحد من نفوذ الجماعات المتحالفة مع إيران على السياسة والانتخابات.
ووجد البعض، مثل أنور إبراهيم، الحافز بعد قصف إسرائيل لإيران في يونيو حزيران الماضي في حرب دامت نحو أسبوعين انضمت إليها الولايات المتحدة لفترة وجيزة، وهو تطور رأى أنه سيضعف الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران في العراق.
لكن آخرين يخشون أن تسحق الجماعات الشيعية المسلحة أي تحد لنفوذهم.
ففي أكتوبر تشرين الأول 2019، اندلعت احتجاجات على ارتفاع معدلات البطالة وسوء الخدمات العامة والفساد مما أدى إلى حملة أمنية عنيفة أسقطت 149 قتيلا.
وخلص تقرير حكومي أجرى تحقيقا في الأمر إلى أن أكثر من 70 بالمئة من الوفيات نجمت عن طلقات نارية في الرأس أو الصدر.
وقال المرشح الشاب حسين الغرابي “نحن بالتأكيد قلقون من محاولات منع التغيير، فالأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة ستحاول إيقاف أي تغيير حقيقي في العملية السياسية في العراق، وستستخدم أسلحتها ضدنا”.
وأضاف “إذا نجحنا، فستكون الانتخابات الخطوة الأولى نحو عراق جديد، أما إذا فشلنا، فسيكون الوضع مأساويا وستتراجع الديمقراطية في العراق بشكل مقلق، وستبقى مجرد حبر على ورق”.
(إعداد رحاب علاء للنشرة العربية – تحرير سها جادو)