مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الصراع على هوية الدولة المصرية

أحد طلبة الأخوان المسلمين الملثمين يقوم باستعراض للفنون القتالية في تجمع نظم احتجاجا على اعتقال نشطاء من الجماعة في صفوف طلبة جامعة الأزهر بالقاهرة يوم 10 ديسمبر 2006 Keystone

على مدى تاريخ الدولة الحديثة في مصر، كان هناك خطّـان أحمرين لا يجوز التفريط فيهما أيا كانت طبيعة نظام الحكم السائد ـ ملكي، إقطاعي، جمهوري ـ وهما حماية الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة، أي المسلمين والأقباط. وثانيا، تأمين مستقر ودائم لمياه النيل أو ما يُـسمى أصل الحياة في بر مصر.

الآن، أضِـيف إليهما خط أحمر ثالث، وهو الدولة المدنية.

الخط الأحمر الثالث يطرحه البعض الآن، باعتباره قضية خطيرة في ضوء التطوّرات الجارية بسرعة في نهر السياسة المصرية، خاصة المتعلِّـقة بموقف جماعة الإخوان المسلمين، المحظورة قانونا، والموجودة واقعا، تُـجاه الديمقراطية كشكل للحكم، والتي يقابلها موقف المعارضين للجماعة والمناهضين لها إلى حدّ كراهية التحريم، ومنهم من يعتبرها وَرما خبيثا لا يجُـوز معه سوى الاستئصال، ولكنه لا يعرف كيف.

الإشكالية الأكبر في هذا الخط الأحمر الثالث، أنه على عكس الخطَّـين الأحمرين الآخرين (الوحدة الوطنية ومياه النيل)، ملتبس وغامض ولا يوجد اتفاق على مضمونه، ولكنه يطرح بصفة عامة باعتباره النقيض لما يُـسمى بالدولة الدينية، التي يفترض كثيرون أنها جوهر ما يريده الإخوان لمصر وللمنطقة العربية ككل.

وفي حين يتحدث الإخوان الآن عن قناعتهم بالدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، تتُـوه المفاهيم والمصطلحات ويغيب الوضوح، ليس فقط عن العامة من الناس، بل أيضا عن النُّـخبة المثقفة وتلك التي تنشط في مجال الفكر والسياسة والعمل العام.

إلتباس المفاهيم.. بين الجهل والعمد

هذا الالتباس عبَّـر عنه أحد كبار مسؤولي الحزب الوطني الحاكم، وكان وزيرا سابقا قبل فترة قصيرة بأن “الناس البسيطة لا تعرف ماذا تعني الدولة المدنية، وأن ما يطرحه البعض بأنها النقيض الموضوعي للدولة الدِّينية، يجعل الغالبية من المصريين تميل إلى مفهوم الدولة الدينية، أي التي يحكمها شرع الله، حسب فهمهم، ومن ثم، تكسب الجماعة المحظورة أرضا جديدة وتأييدا إضافيا، دون عناء، وذلك بسبب غباء الطرح الذي يقدمه مؤيِّـدو الدولة المدنية”.

وربما – من قسوة ما تتعرّض له الجماعة المحظورة – عن حق أو عن باطل، وصف أحد الكتَّـاب المؤيدين للطرح الرسمي بشكل عام، بأن ما يحدث في مصر هو كارثة جديدة، تجاوزت حدود الحوار العقلاني.

هجوم غير مسبوق

عُـنف الحوار أو بالأحرى الهجوم الذي يتعرّض له الإخوان، القائم على افتراض ضمني مُـسبق، وهو أنهم ذوى نوايا سيِّـئة وأنهم يريدون تحطيم الدولة في مصر وإقامة حكم ديني، شبيه بما هو قائم في إيران مثلا، يقضي على الحريات ويلغي الحقوق المكتسبة ويعامل الأقباط باعتبارهم من أصحاب المِـلل، وليسوا بمواطنين كاملي الأهلية والحقوق، وينظر للمرأة نظرة دُونية، ويعتبر المرجِـع الوحيد لهم هو تصوراتهم عن الدّين، والتي ليست بالضرورة مقبولة من العموم، وأنهم الأساس لفِـكر الجماعات الإسلامية الجهادية العنيفة، وهم الذين أسّـسوا لفِـكر ولثقافة الاغتيالات السياسية المدفوعة باعتبارات ومفاهيم وتبريرات دينية.

وعلينا هنا أن نلاحظ أن هذه الاتِّـهامات قديمة جدا، ولكنها زادت من حدَّتِـها وكثافتها بطريفة لافتة للنظر، بعد ما يعرف بأحداث جامعة الأزهر قبل شهر، حين اصطدم بعض الطلاب المحسوبين على الجماعة مع إدارة الجامعة بسبب قرارات فصلهم، نظرا لتكوينهم اتحادا طلابيا بطريقة غير رسمية، فقاموا بنوع من الاحتجاج الرمزي أمام إدارة الجامعة لعدّة أيام، انتهى بقيام البعض منهم بعمل عرض عسكري ظهر فيه الطلاب معصُـوبو العينين ومرتدين لِـباسا رياضيا أسود، وفوق الجبين كُـتبت عبارة “صامدون”.

وقد جاء العرض أشبه بما يقوم به ملثمو الحركات الجهادية والإسلامية في فلسطين، مما أشاع الذُّعر في نفوس الكثيرين، حتى لدى هؤلاء الذين كانوا يدافعون عن حق الجماعة المحظورة في الحصول على إجازة قانونية كحزب أو كجماعة، لكي تمارس دورها في حدود القانون وإطار الدستور، فإذا بكثيرين منهم يتراجع عن هذا الطرح، ويطالب الجماعة بأن تُـعيد النظر في آليات عملها وأن تُـثبِـت حسن نيتها.

مثل هذا التراجع وحالة الذعر، أتاحت بالفعل فرصة ذهبية للهجوم المكثف على الجماعة وعلى دورها وعلى ما يُـفترض أنه نيتها وخُـططها للإجهاز على الدولة المدنية في مصر، كما أتاح أيضا القيام بحملة أمنية على أعضاء الجماعة في كثير من المحافظات المصرية وسط صمت من يُـسمّـون بمنظمات حقوق الإنسان.

أي مفهوم للدولة المدنية

أخطاء الإخوان المحظورة، لا تعني بالضرورة أنها إضافة للمناهضين لها، خاصة إذا لم يكن هناك توافق بينهم على المفهوم البديل، الذي يرونه الخط الأحمر الثالث.

فالدولة المدنية كمفهوم، ليست واضحة بما يكفي، ويمكن للمرء أن يلاحظ وجود عدّة تيارات بين هؤلاء المدافعين عنها بكل قوة، أول الأصناف من يرى أن الدولة المدنية المرغوبة، هي الدولة التي تُـخاصم الدِّين بالضرورة، لأنه في عُـرفهم مصدرا للتخلّـف والتّـراجع والتّـمييز، وأن ما يطالبون به، ليس فقط تهميش الدِّين، بل مكافحته بكل ما في الكلمة من معنى يقترب إلى حد الاستئصال.

هؤلاء يعتبرون عِـلمانية أوروبا في نماذجها المتطرفة، هي الأساس المُـبتَـغى، ويتمنَّـون أن لو قامت الدولة في مصر بتجاهل كل ما له علاقة بالدِّين.

هذا الصِّـنف المتطرف قليل العدد، ولكنه لا يستحى من المناداة بقناعاته، وهؤلاء يرون أن المؤسسات الدِّينية الرسمية، كالأزهر وخلافه لا يقلّـون خُـطورة عن الجماعة المحظورة، وأنه يجب التعامل معهم بكل صلف.

دولة للحريات الشخصية

التيار الثاني، ينظر إلى الدولة المدنية باعتبارها دولة الحريات والمواطنة المتساوية بشكل عام، وأن الدِّين فيها يجب ألاّ يُـشكّـل عاملا للتّـمييز وأن أكثر ما ينتظره من الدِّين، أن يكون مُـجرد علاقة شخصية بين الإنسان وربِّـه وله أن يعبُـده بالطريقة التي تحلو له، ولا يجب أن يكون هناك أي إطار مؤسسي باسم الدِّين، وإن وُجِـد للضرورة، فلا يجب أن يكون له أي دور في العملية السياسية أو تشكيل ثقافة الناس أو ممارسة دور توجيهي في التنشِـئة الثقافية والفكرية، هذا الصنف في حقيقته يَـعتبر الدولة المدنية نموذجا للحرية الدينية الشخصية المنزوعة المؤسسية.

دولة حريات تنظم العلاقة مع الدِّين

يرى التيار الثالث أ، الدولة المدنية، وفي ظروف مصر تحديدا، لا يجوز لها أن تُـخاصم الدِّين أو تحاصِـر مؤسّـساته أو تتطرّف في الهجوم عليه. والفرض الذي يقوم عليه فكر هؤلاء، يفرق بين ما تطرحه الجماعة المحظورة من أفكار سياسية مغموسة بالدِّين أو أفكار دينية مغموسة بالسياسة، هي في عُـرفهم مرفوضة وخطيرة، وتؤسّس لدولة دينية بشكل ما، وبين الدِّين الإسلامي أو المسيحي، والذي لا يمكن المَـساس به ولا بالمؤسسات التي تسهر عليه.

واستطرادا، فإن هذا التيار يَـعتبر الدولة المدنية مرهونة بالقوانين الوضعية والدستور، الذي لا يتعارض مع الأسُـس المعلومة للشريعة، وكل ما هناك، أن السياسة لا تمارَس باسم الدِّين المُـقدَّس، وإنما تُـمارس باسم الاجتهادات البشرية القابلة للخطأ والصّـواب، ومن ثم، فإن القائمين على السياسة، هم سياسيون وليسوا رجال دِين.

ومُـجمل هذا الطرح يندرج تحت فكرة تنظيم العلاقة بين ما هو ديني وما هو سياسي، مع وضع ضوابط بالاّ تُـمارس السياسة باسم الدِّين، وألاّ تُـلغي السياسة دور الدِّين أو تُـهمله.

حقيقة الأمر، أن ما يطرحه هذا الطرف أو ذاك، هو جزء من صراع ليس على حاضر مصر، بل على هويَّـتها وعلى مُـستقبلها، صراع تستخدم فيه أحيانا المفاهيم المُـلتبسة والأكاذيب الفكرية والشعارات الدِّينية، أكثر مما تستخدم فيه العقلانية والرشادة الفكرية، وهنا يكمُـن حجم الإثارة والخطر أيضا فيما يجري الآن في بر مصر.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

“إن تيار جماعة الإخوان المحظورة خطر على أمن مصر، لأنه يتبنّى نهجا دِينيا، ولو افترضنا أن هناك صعودا لهذا التيار، فسوف تتكرَّر في مصر تجارب أخرى، ليست بعيدة لأنظمة تمثل الإسلام السياسي وما تواجهه من محاولات فرض العزلة عليها وعلى شعوبها.. وفي حالة صعود تيار الإخوان، فإن كثيرين سيأخذون أموالهم ويهربون من البلاد وستتوقف الاستثمارات وتتزايد البطالة وتعزل مصر نهائيا عن العالم”

“إن أحداث جامعة الأزهر سبَّـبت قلقا لهذه الأوساط، ولكن وعيها بحقائق الموقف على الساحة المصرية وقوة الدولة والمجتمع المدني، أعاد الهدوء والاطمئنان إلى النفوس”.

(تصرحات نشرتها صحيفة الأسبوع المصرية يوم 15 يناير 2007)

“ليس في الإسلام دولة دينية ودولة مدنية، الإسلام يجمع الاثنين، دولة إسلامية في كل ما يخُـص الناس، حيث الالتزام بالشريعة الإسلامية، أما الدولة الدِّينية، فهي ما كانت تُـعرف في أوروبا في القرون الوسطى، حيث السلطة الدِّينية وسلطة الكنيسة وسلطة الدولة، ولكن الإسلام لا يَـعرف إلا دولة وسلطة واحدة، ولا تُـعطى لرجال الدِّين سلطة مستقلة عن الدولة”

“لا يوجد أحد يتكلم باسم الله، ولا يوجد تفويض إلاهي، ولكن السلطة التشريعية للعلماء والفقهاء مستقلة تماما عن الدولة، لأنها القرآن والسُـنة، وهناك مصدران أجازهما الرسول صلى الله عليه وسلم، وهما الإجماع والاجتهاد. الإجماع ينتهي بعملية التصويت، وقد طبِّـق ذلك منذ الخليفة الأول، أما مبادئ الشريعة الإسلامية، فهي دستور فوق الدستور، وليس للحاكم التدخُّـل في مجلس الشورى، وهناك أهل الذكر ويختَـص بها الفقهاء، وشاورهم في الأمر هذا للعامة، والإسلام نشأ قبل الدولة، والدولة جاءت لتحمي الإسلام”.

(تصريحات نشرتها صحيفة “نهضة مصر” يوم 13 يناير 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية