مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“المساعدة المالية للميزانيات”.. بين الـمـؤمّـل والمُـنـجـز

swissinfo.ch

نظمت كتابة الدولة للإقتصاد في 29 يونيو يوما دراسيا دوليا، ناقش "المساعدة المالية للميزانية" في الدول الفقيرة، لتقييم هذه الآلية والتعرف على خبرات المانحين واحتياجات الدول النامية.

واتفق الخبراء على ضرورة البحث عن منهج لتقييم هذه المساعدات تفاديا للتضارب بين الأهداف والترقبات.

ترى كتابة الدولة للإقتصاد SECO بأن برامج “المساعدة المالية للميزانية”، تمثل آلية جديدة من المفترض أن تتحول إلى ترس جديد فعال يساهم في تدوير بقية المساهمات التي تسعى لمكافحة الفقر في افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية.

وقد اعتمدت سويسرا هذه الآلية في بعض الدول التي اثبتت بالفعل أنها حققت نجاحات ملحوظة في مجال الإصلاح الإقتصادي وتطبيق الديمقراطية، على أمل أن تؤدي هذه “الميزانية المساعدة” في الوصول إلى تحقيق أهداف الألفية.

وقال كاتب الدولة للإقتصاد جان دانيال غربر في افتتاح اليوم الدراسي، بأن مناقشة ملف المساعدة المالية لميزانية بعض الدول النامية، يجب أن يكون بين الدول المانحة والدول المتلقية، ويتطلب واقعية في التعامل مع مشكلة الفقر، لأن “المساعدات المالية بأنواعها المختلفة وحدها لا تكفي، بل لابد من وضع برامج متكاملة تشمل نواح مختلفة، وتتعرض للتحديات التي يمكن أن تعوق الهدف المرجو منها”.

وأكد غربر في أكثر من موضع في كلمته، على أن المساعدة المالية للميزانية، هي في الأساس لدعم الإقتصاد المحلي في الدول المستفيدة، كي يصل إلى الإستقرار على أسس سليمة تساعد في برامج الإصلاح الإقتصادي الهيكلي، وبالتالي فإن هذا الإستقرار يجب أن يساهم في تحقيق النمو المنشود لتلك الدول.

مخاطر وتجارب

من ناحيتها، أشارت ايفيلين هيرفكينس مبعوثة الأمم المتحدة الخاصة لأهداف الألفية، إلى أن تجربة دعم ميزانيات الدول النامية عادة ما تكون محاطة بالمخاطر والمخاوف، وبررت ذلك بعدم استقرار الأنظمة السياسية في افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية، والضبابية التي تغطي الرؤية المستقبلية لتلك المناطق، لذا، فإنه الصعب التوقع بأن يكون لهذا النوع الجديد نجاح إلا إذا كان دقيقا وواضحا، ويستند إلى معطيات سليمة.

وأشارت هيرفكينس إلى أن خلاصة تجربتها في العمل التنموي، سواء في بلادها هولندا أو من خلال منظمات الأمم المتحدة، تشير إلى أن التنمية هي مسؤولية الدول المتلقية وليست الدول المانحة، فتلك الأخيرة يجب أن تكون الداعم من خلال الخبرة والخبراء، ودعم الحوار البناء بين المتلقي والمانح، في الوقت نفسه تؤكد على أن أي دعم يتوجه إلى الدول النامية لابد وأن يتضمن من بين اهدافه، الوصول إلى تحمل الدول المتلقية المسؤولية في رفع مستواها الإقتصادي.

واعترفت هيرفكنيس بأن أغلب الدول المانحة للمساعدات أغفلت لسنوات عدة، الكثير من الحقائق والمعلومات والوثائق حول الدول النامية المتلقية لهذا الدعم، وبالتالي ذهبت الأموال إلى المكان الخطأ، ولم تتحقق إلا القليل من الخطوات الإيجابية، كما نوهت إلى أن بعض الدول المانحة تضطر إلى اتخاذ قرارات أو خطوات فقط لإرضاء الناخبين ودافعي الضرائب.

أما التجربة السويدية التي تحدثت عنها ايفا ليتمان من الوكالة السويدية للتعاون والتنمية، فخلصت إلى ضرورة أن تعمل المساعدة المالية للميزانية على ترشيد الإنفاق في الدول المتلقية، وأن تكون مصحوبة بالحوار الدبلوماسي بين الطرفين، مع شروط سياسية.

وحسب رأيها فإن أغلب الدول المانحة تضع هدف مكافحة الفقر نصب عينيها عند وضع برامج الدعم والمساعدات، في المقابل فالدول المتلقية لها متطلباتها التي تعتمد على برامجها الخاصة وتصوراتها للأوضاع، والمهم هو التعامل مع الأمور من خلال الحقائق والمعطيات المتوفرة من خلال مراقبة مدى نجاح الدول المتلقية في برامجها.

وأكدت ليتمان على أن هذا النوع من المساعدات هي طريقة جديدة وتحتاج إلى تقييم دوري، لاسيما إذا ساهمت الدول المانحة في مساعدة البلدان النامية على تأهيل الكوادر المسؤولة عن الإدارة والتخطيط، فهذا يساعد على التعاون البناء في التعامل مع الموارد المتاحة ماليا وبشريا، حسب قولها.

انتقادات من الواقع

أما من جانب الدول المستفيدة من هذه المساعدات فكانت وجهة نظر المتدخلين من افريقيا تتعلق بكيفية التكامل بين الاموال الممنوحة والطموحات المختلفة للدول المستفيدة منها، لأن التجربة الأفريقية سواء في تقييم الجانب الحكومي أو من خلال ملاحظات المنظمات غير الحكومية، توضح أن هناك فرقا بين التمني والواقع.

فحسب مداخلة نغوشا مغونيا مفتش التمويل الخارجي في وزارة المالية في تنزانيا، فإن بناء مدرسة وحدها لا يكفي بل أيضا لابد من دراسة ما تتطلبه من ماء وكهرباء والطريق المؤدية إليها والوسائل التعليمية ورواتب المدرسين، وكلها عوامل يجب أن تتكامل فيما بينها عند النظر في مشروع بناء مدرسة على سبيل المثال، وطالب بقياس هذا على كافة الخطوات الأخرى.

ويتفق مغونيا مع الخبيرة الهولندية هيرفكنيس بأن مكافحة الفقر، تحتاج إلى خطوات واضحة يتبادل فيها الطرفان (الدول المانحة والدول المتلقية) المسؤولية، في وضع الإستراتيجيات المناسبة والملائمة، وضرب مثلا على ذلك بأن بعض الدول التي تعرض تمويل مشروعات معينة تفرض مسبقا جدولة إعادة هذا الدين وفوائده، بينما لا يعلم المستفيد من هذا القرض متى يمكن أن يحقق هذا المشروع ربحا، وهل سيتمكن بالفعل من السداد في الموعد المحدد؟.

ولذلك يرى الخبير الافريقي بأن مناقشة الموضوعات والمشروعات بوضوح وشفافية بين جميع الأطراف أمر ضروري وبالغ الأهمية، بدلا من أن تكون المساعدة نقمة، أو تذهب في طريق غير صحيح.

في الوقت نفسه اوضح دانيال أرموند تايبا(من بوركينا فاسو) الخبير في اقتصاديات التنمية لدى العديد من المنظمات الدولية، أن بعض الدول المانحة تفهم كلمة “الحوار” على أنها ملتقيات لفرض الرؤية الأوروبية تنتهي بلائحة من الشروط والإملاءات، “كما لو أركبوك سيارة وذهبوا بك إلى حثيما يريدون هم وليس لك أن تتكلم، أي ان تكون منقادا لهم في كل شئ”.

كما انتقد أيضا عدم النظر إلى الإهتمامات الأساسية للدول المتلقية، وتشكيك المانحين في كثير من الأحيان في البرامج التي يعدها المسؤولون في بعض الدول النامية، وبالتالي يقترحون مساعدات في مجالات بعيدة عن الواقع، يصبون فيها أموالهم، في المكان غير الصحيح، فلا يتحقق منها هدف واحد، أو القليل للغاية في أحسن الأحوال.

“الفساد يبدأ من القمة”

وقد استعرض اليوم الدراسي ملاحظات مختلفة من المشاركين في العمل التنموي، ومن ممثل البنك الدولي، الذي أثنى على خطط المساعدة المالية في ميزانيات الدول النامية، واشاد بالتجربة السويسرية التي تتمتع بنظرة بعيدة المدى من خلال تأهيل المتخصصين في برامج التخطيط الإقتصادي والحكومي وأعمال الميزانيات، واعتبرها نوعا من الدعم الجيد، لأن هذه الكوادر هي التي ستعمل على نقل ما اكتسبته إلى أجيال أخرى جديدة

الجميع اتفقوا على أن النوايا الحسنة للدول المانحة في هذه المجالات يجب أن تتم ترجمتها إلى خطوات عملية، أهمها عدم التعامل مع الأنظمة الفاشلة أو المستبدة، لأنها منبع الفساد الذي يقف حائلا أمام تحقيق أحلام النمو والإستقرار.

وقال كاتب الدولة السويسرية للشؤون الإقتصادية جان دانيال غربر في ختام هذه الفعالية الديناميكية، بأن الفساد والدعم التنموي لا يلتقيان أبدا، ولأن الفساد والرشوة يبدآن من القمة، فلابد من تغييرها بمن هي أصلح وأدرى بمستقبل تلك الشعوب، وهنا سيكون نجاح المساعدات التنموية مضمونا بنسبة كبيرة.

ولكن تبقى خطوة لم يتمكن أطراف الحوار في الإقدام عليها، وهي التفاهم المشترك، فالخبراء الأوروبيون بطالبون الدول الفقيرة بأن تكون واضحة في برامجها وتحديد متطلباتها، والدول المتلقية للدعم تطالب أيضا بتفهم احتياجاتها وظروفها الداخلية الخاصة، وعدم فرض ما لا يتناسب مع أوضاعها، أو كما قال أحد المتداخلين الافارقة، “أصرت دولة أوروبية على بناء مسرح في قريتي، وهذا جميل، لكنني أريد ماءا أغتسل به قبل أن اذهب إلى هذا المسرح”.

سويس إنفو – تامر أبوالعينين – برن

المساعدة المالية للميزانية: هو دعم جزء من ميزانية الدول النامية في مجالات مثل التعليم والصحة والإدارة المالية والتخطيط، وذلك في البلدان التي يتم التأكد من أنها حققت تقدما في مجالات الإصلاح الإقتصادي والديموقراطية.

يتوجه الدعم السويسري في هذا المجال حتى الآن إلى تأهيل وتدريب المتخصصين في الإصلاحات الضرائبية وبرامج التخطيط الإقتصادي واعداد الميزانية.

تمثل ميزانية هذا البرنامج ما بين 3 و 4% من قيمة المساعدات التنموية السويسرية الإجمالية، سواء من خلال برامج الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، أو من خلال كتابة الدولة للإقتصاد.

يعتقد الخبراء أن هذا النوع من المساعدة يجب أن يخضع لآلية مراقبة دقيقة كي لا تصب الأموال في نفقات ترفيهية وليست ذات أهداف تنموية حقيقية.

الدول المستفيدة حتى الآن من برامج “المساعدة في الميزانية” المقدمة من سويسرا:
موزمبيق:30 مليون فرنك، مخصصة كمساعدات تقنية في تأهيل الكوادر المتخصصة في إدارة الضرائب، والتحليل والتخطيط في الفترة ما بين 2004 و 2006.
غانا: 27 مليون فرنك، في مجال الإصلاحات الضرائبية ودعم الكفاءات المحلية في إدارات الضرائب في الفترة ما بين 2006 – 2008.
بوركينا فاسو: 24 مليون فرنك لتأهيل المتخصصين في اصلاح النظام الضريبي في الفترةما بين عامي 2006 و 2008.
نيكاراغوا: 19.5 مليون فرنك مخصصة لتدريب المتخصصين في وضع الميزانيات متوسطة المدى، في الفترة ما بين عامي 2005 و 2007.
تنزانيا: 18 مليون فرنك، دعم تقني في تأهيل المتخصصين في تخطيط البرامج الإقتصادية الكبيرة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية