مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المصالحة العراقية: “الغائب – الحاضر” في شرم الشيخ

وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في حفل افتاح مؤتمر شرم الشيخ (22 نوفمبر 2004) Keystone

تضاربت الآراء حول نتائج وأهمية ما حدث في مؤتمر شرم الشيخ بشأن القضية العراقية.

في المقابل، اشترك الجميع في القول أن المؤتمر يُـعد نقطة فاصلة في تطور القضية العراقية، على الأقل من زاوية المواقف الدولية ما قبل المؤتمر وما بعده.

للوهلة الأولى، تعكس النتيجة الأبرز الحدّ الأدنى من التوافق الدولي الإقليمي بشأن ما يجري في العراق. والقول بحصول توافق في شرم الشيخ بين مواقف كانت متعارضة، يعني بالضرورة حدوث تنازلات متبادلة بين أطراف الحضور، كما يعني أيضا قدرا من المكسب ممزوجا بقدر من الخسارة، وهو توافق لم يعُـد يُـلقي بظلاله على الماضي فحسب، بل أيضا على مستقبل العراق.

وإذا كان الماضي محصورا بالاختلاف حول مشروعية ما يجري في العراق وبشأن التوصيف الأكثر دقّـة لوجود القوات الأجنبية فيه، فإن المستقبل يرتبط بقضيتين جوهريتين تمثلان حجر الزاوية بالنسبة للعراق الجديد.

الأولى، قضية المصالحة العراقية. والثانية، إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وكلاهما مرتبطان بسلوك القوات الأجنبية من جانب، وأداء الحكومة العراقية المؤقتة من جانب آخر.

الترابط المقصود هنا، هو ترابط عضوي. فلا تنظيم للانتخابات قبل إجراء مصالحة عامة في البلاد تقود إلى أوضاع سياسية هادئة، وإلى توسيع المشاركة في العمليات السياسية، والأمران مرهونان بالوضع الأمني المرهون بدوره بوقف العمليات الحربية، وتوقف أعمال العنف والمقاومة العسكرية، وتطوّر أداء الاقتصاد العراقي، وتحسّـن أسلوب عمل الحكومة العراقية المؤقتة.

تشابكات وعلاقات عضوية

إنه كَـمّ هائل من التشابكات والترابطات والعلاقات العضوية بين مُـجمل عناصر الأزمة العراقية. ومع ذلك، يجوز القول بأن المدخل الحقيقي لجميعها هو المصالحة العراقية الشاملة.

ولكن أين هذه المصالحة من مؤتمر شرم الشيخ؟ فبالنظر إلى نتائج المؤتمر، كما يُـظهرها البيان الجامع الصادر عن أعماله، يتبيّـن أن مزيجا بين ثلاثة أنواع من التوافقات الدولية والإقليمية قد حصل.

أولها، مجموعة من التوصيات، من قبيل أن تنظر الدول الدائنة للعراق في تخفيض الديون المتخلّـدة بذمة بغداد، لعل ذلك يُـسهم في تنشيط الاقتصاد العراقي، ودعوة المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدة للشعب العراقي، وأن يقوم جيران العراق باتخاذ التدابير المناسبة لاستقرار العراق، ومن بينها منع مرور “إرهابيين وأسلحة وموارد مالية غير شرعية”، مثلما جاء في نصّ البيان.

وثانيها، مجموعة مبادئ لا خلاف عليها من قبيل تأكيد سيادة العراق وسلامة أراضيه، وحق شعبه في حياة مستقرة وآمنة وحرة، وأهمية مبادئ حسن الجوار، وإعادة تأكيد ما ورد في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1546 حول مدة بقاء القوات الأجنبية وارتباطها بانتهاء العملية السياسية، وضرورة محاكمة مسؤولي النظام السابق، ورفض العنف والاستخدام المفرط للقوة كأساس لتسوية الأزمة العراقية، وتحية دور الأمم المتحدة في الشأن العراقي.

ثالثا، عدد من التمنيات الكبرى. ولعل التمني الأكبر تمثل فيما وصفه البيان بـ “توسيع المشاركة”، والتمني على الحكومة العراقية المؤقتة بأن تسارع بعقد مؤتمر يضم ممثلي مختلف أطراف الخارطة السياسية العراقية وممثلي المجتمع المدني، بُـغية تحضير الأجواء السياسية المناسبة لعقد الانتخابات المعلنة في 30 يناير 2005.

وكلا الأمرين يصبان، كما هو واضح، في دعم العملية السياسية التي تُـجرى وفقا لمنظور القرار رقم 1546، ويقدّمان بالتالي، بديلا للعنف الأعمى الذي تمارسه بعض الجماعات ولأعمال المقاومة المشروعة، وأيضا لما وصفه البيان بالاستخدام المُـفرط للقوة، العائد لممارسات القوات الأجنبية المتواجدة فوق الأراضي العراقية، وفي مقدمتها القوات الأمريكية.

تمني المصالحة العراقية

مثل هذا التمني الذي صيغ بقدر من الحصافة حتى يكون محل إجماع الحاضرين في شرم الشيخ، يعكس إدراكا بقيمة انخراط القوى السياسية العراقية أو غالبيتها العظمى في خِـضمّ العملية السياسية، والتي تعد انتخابات يناير المقبل ذروتها الكبرى، وفرض إجرائها بقدر من الحرية والشفافية.

ويعكس إدراكا أيضا، ولو ضمنيا، بأن الحكومة العراقية المؤقتة، ومن ورائها قوات الاحتلال، مسؤولتان عن تغييب تلك العملية من خلال الاستعلاء على القوى السياسية العراقية التي لها وجهة نظر مخالفة لما يحدث في البلاد أو النظر إليها باعتبارها مناهضة للاحتلال، ومن ثم فهي غير مرغوب فيها أو تحميلها بشكل أو بآخر المسؤولية عن مناخ المقاومة والعنف ضد مؤسسات العراق الجديد.

ناهيك عن استخدام أسلوب العمليات العسكرية الموسعة جدا كوسيلة وحيدة لاستعادة السيطرة على ما يوصف عراقيا بأنها المناطق المحررة من قبضة الاحتلال، والذي يعني تلك المدن أو القرى التي تتمرد على الاحتلال وعلى مؤسسات الدولة العراقية الجديدة.

والخلاصة هنا، أن كلا من الاستعلاء والاستخدام المُـفرط للقوة مسؤولان عن غياب عملية سياسية موسّـعة يصطلح دائما على تسميتها بالحوار الوطني العام، الذي من شأنه أن يكون وسيلة للتفاعل السياسي الموسع الذي يمهِّـد بدوره لتوافق عراقي – عراقي حول أسس بناء العراق الجديد. ولا شك أن دعوة مؤتمر شرم الشيخ لتوسيع مجال المشاركة يعني بالضرورة اعترافا بأن المرحلة السابقة عن المؤتمر افتقدت لمثل هذه العملية.

من التمني إلى الفعل.. مشكلات بالجملة

كيف يمكن الدخول في عملية للمصالحة العراقية الشاملة؟ هذا هو السؤال الأبرز والذي لم يتطرق إليه أحد داخل المؤتمر أو حتى على هامشه، رغم اليقين المشترك بأن هذه هي الآلية الوحيدة التي تضمن حصول انتخابات حقيقية، وبدء تطور عراقي سلمي نحو مستقبل واعد وآمن.

وحتى الرسالة التي حملها عراقيون اعتبروا أنفسهم على الجانب الآخر، وأسموا أنفسهم “ائتلاف القوى العراقية المناهضة للاحتلال”، وأكّـدوا بأنهم يمثلون قطاعا عراقيا مهمّـشا، فقد كان تركيزهم فيها على وصف ما يجري من انتهاكات تقوم بها القوات الأمريكية مع المطالبة بلجنة تقصِّـي حقائق مستقلة حول وضع حقوق الإنسان في العراق، مع تحميل الاحتلال مسؤولية ما يجري على خلفية التفرقة والتمييز الطائفي والعرقي، وإحداث تغييرات ديموغرافية خلافا لإرادة الشعب العراقي، والمطالبة بوقف القرارات المؤدية لذلك.

وتمثلت المطالب الأخرى فيما سُـمي بالوقف الفوري وغير المشروط لكل أعمال الإبادة الجماعية، وإنهاء الاحتلال وجدولة خروجه من البلاد تحت إشراف الأمم المتحدة، ومساهمة من المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بالقضية العراقية، فضلا عن التأكيد على مشروعية المقاومة ضد الاحتلال، بما في ذلك مشروعية المقاومة السلمية في صورة معارضة سياسية، “لا شرعية لأي قرار يُـتَّـخذ بدونها”، حسب نص الرسالة.

وإذا كان مضمون رسالة ائتلاف القوى المعارضة يطالب بدور للمعارضة السياسية، فإنه لم يقل كيف يتحقق ذلك عمليا. بعبارة أخرى، لم يقل أحد كيف يُـمكن أن تُـجرى المصالحة العراقية الموسّـعة، وهل مجرد انعقاد مؤتمر يضم خليطا من تيارات سياسية وقوى مجتمع مدني وصلت تنظيماتها المُـعلنة إلى أكثر من 500 جمعية وتنظيم ومنتدى، يكفي لإحداث الأثر المطلوب.

ثم، من هي الجهة التي يُـمكن أن تشرف على هذه المصالحة، وتتمتع بصدقية لدى كل الأطراف، ومن يتابع تطبيق ما قد يتوصل إليه المجتمعون؟ وهل هناك دور لما سُـمي في بيان شرم الشيخ بآلية متابعة لقرارات المؤتمر في هذا الصدد؟ وهل هناك صفات معينة يجب على من يشارك في هكذا مؤتمر أن يتسم بها، وما هي تلك السمات؟ وأيضا، هل تكفي المدة الزمنية الباقية في حدود الشهرين فحسب للقيام بكل هذه الأمور؟ ثم هل يتصور أحد أن يتوقف العنف والمقاومة فجأة لمجرد وعود غامضة بالمشاركة في مؤتمر وطني عام في ظل وجود القوات الأجنبية، التي هي أولا وأخيرا قوات احتلال بغيض؟

أسئلة كُـبرى لم يوضّـح منها بيان مؤتمر شرم الشيخ سوى مجرد تمني بتوسيع المشاركة السياسية العراقية، رابطا ذلك بجُـهد تقوم به الحكومة العراقية المؤقتة، التي ترى نفسها في مواجهة أكثر منها في سياق مصالحة.

وحتى الدور الذي أسنده البيان الختامي إلى الأمم المتحدة، فما زال غير محدد. فهي تظل الجهة التي يمكن أن تكون أكثر قبولا من طرف العراقيين جميعا، شريطة أن يُـترك لها مجال العمل بحرية دون تدخل من هذا الطرف أو ذاك، وتلك بدورها مُـعضلة غير قابلة للحل، على الأقل في المدى الزمني المنظور.

د. حسن أبو طالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية