مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تونس: ملفات أربع للسنة السياسية الجديدة

نُـصب الشهداء في ساحة القصبة، التي تضم الوزارة الأولى وعددا من الوزارات والمؤسسات الحكومية وسط العاصمة التونسية Murielle-Joann

هل تشهد السنة السياسية الجديدة حالة تَـجاوز للعوائق التي اتسمت بها المرحلة السابقة؟

سؤال يبدو للبعض مُـملا ومكرورا لأنه سبق أن طُـرح في مطلع السنوات السابقة، وجاءت الوقائع مكذبة لجميع التوقعات والتخمينات والإشاعات.

هناك مؤشرات تُـوحي بأن الموسم السياسي 2006/2007 قد يحمل في طياته تعديلات في مكوّنات المشهد العام.

خمس مسائل شدّت الاهتمام وجعلت الكثيرين يتساءلون عمّـا يُـمكن أن تحمله الأشهر القادمة من تغييرات “إيجابية”، وتتعلق بالملفات التالية: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد العام التونسي للشغل وملف الإعلام و”حركة 18 أكتوبر” وأخيرا الإسلاميون.

يبدو أن “معضلة” رابطة حقوق الإنسان مرشّـحة لتجد طريقها نحو الحل، قبل نهاية السنة الجارية، هذا ما يُـوحي به الجدل الدائر منذ شهر حول الطرق الأنجع لتمكين الرابطة من عقد مؤتمرها السادس في ظروف طبيعية.

لقد شهدت الأسابيع الماضية تعدّد المبادرات والنداءات والمقالات، التي يلتقي أصحابها حول الاعتقاد بأن هذا الملف قد طال أكثر من اللّـزوم، وأن المصلحة الوطنية تفرض أن يلتقي جميع الأطراف حول الحدّ الأدنى، بعيدا عن منطق الغالب والمغلوب.

فالسلطة لم تستطع فرض إرادتها على أقدم منظمة حقوقية عربية وإفريقية، رغم لجوئها لمختلف الوسائل. وفي المقابل، لم تتمكّـن الهيئة المديرة من إخراج الرابطة من المأزق التنظيمي والقانوني الذي تردّت فيه، رغم الدعم الذي تلقّـته من قبل الأغلبية الواسعة من “الرابطيين” والرأي العام الديمقراطي المحلي وأصدقائها في الشبكة الدولية لحقوق الإنسان، أو حتى الحكومات الغربية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية.

هذه الوضعية، جعلت السلطة، ويدقق البعض فيقولون، “طرفا من أطراف السلطة”، يعتبر بأن المصلحة السياسية العاجلة تقتضي تسوية ملف الرابطة في أقرب الآجال. ولاشك في أن إلحاح الأوروبيين وطرحهم المتواصل لملف الرابطة على الجهات الرسمية التونسية، قد ساعد كثيرا على إضفاء صفة الاستعجال على هذا الملف.

الحوار هو السبيل الوحيد

لا تكمُـن المشكلة حاليا في المرشحين للقيام بوساطة بين السلطة والرابطة، خاصة بعد أن تعدّدت المبادرات وتكثفت الاستعدادات خلال الأسابيع الأخيرة.

كما يخطئ من يعتقد بأن الهيئة المديرة للرابطة، هي التي تقف حائلا أمام الشروع عمليا في مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة من أجل التوصل إلى تسوية نهائية.

فبالرغم من وجود تبايُـنات، تُـعتبر طبيعية، بين أعضاء قيادة الرابطة، إلا أنهم، بدون استثناء، متمسّكون بخيار الحوار ويرون فيه الطريق الوحيد لإعادة تفعيل دور منظمتهم.

إن ما ينتظره الجميع، هو قرار سياسي يتخذه رئيس الدولة، يقع بمقتضاه تفويض جهة رسمية للتفاوض بشكل مباشر أو غير مباشر مع الهيئة المديرة للرابطة أو من يمثلها، وهذا ما حدث في أزمات سابقة، وهو ما يفتقر إليه كل الذين عبّـروا عن حُـسن نواياهم في الأسابيع القليلة الماضية.

تحييد النقابات

الملف الثاني الذي أثار النقاش والتساؤلات في أوساط النقابيين والسياسيين، يخص القرار الفجئي، الذي أعلنت عنه قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة الوحيدة في البلاد) بتقديم تاريخ انعقاد مؤتمرها، وذلك قبل موفى السنة الجارية.

فما هي خلفيات القرار؟ وهل اتخذه الأمين العام للاتحاد عبد السلام جراد بمفرده، أم بتوافق مع السلطة؟ ولماذا يحرص النظام على تهيئة مناخ خال من التوترات قبل حلول عام 2007؟

تلك بعض الأسئلة التي تتردّد اليوم في تونس، وبقطع النظر عن الإشاعات الرائجة حاليا – وهي كثيرة – فالمؤكّـد أن السلطة حريصة جدا على إبقاء منظمة الشغالين في حالة غير معادية للحكم، خاصة مع تصاعد أسعار المحروقات وتعدد الصعوبات الاقتصادية، الداخلية والعالمية، مما دفع بالحكومة إلى إعداد ميزانية جديدة وُصفَـت بـ “الحذرة”.

وقد شهدت السنة الماضية تصاعدا ملحوظا في وتيرة الحركة المطلبية، من خلال سلسلة إضرابات شنّـتها قطاعات اجتماعية حسّاسة ومؤثرة. كما أن الاتحاد لا زال يشكل – رغم الأزمات التي مرّ بها منذ أواخر الثمانينات، والتي أثرت على أدائه السياسي والنقابي أحد الدوائر الأساسية لحماية الاستقرار وتحقيق الاستمرارية والتواصل ومواجهة الاستحقاقات القادمة.

يُـستبعد أن تحصل مفاجآت كُـبرى في المؤتمر القادم للإتحاد، لكن الأصوات المنادية بربط المسألة الاجتماعية بالإصلاح السياسي والديمقراطية، ستزداد ارتفاعا، خاصة وأن عددا واسعا من الكوادر المعروفة قد استكملت نقاشا دام أشهرا، لتُـعلن قريبا عن تأسيس منظمة عُـمالية جديدة، وتفتح بذلك مجالا واسعا للنقاش حول شرعية التعدّدية النقابية.

إعلام وحريات

بالنسبة لملف الإعلام، لم يحصل تغيير جوهري في المشهد، لكنه بمناسبة النقاش الدائر حول ملف رابطة حقوق الإنسان، نُـشرت مقالات وأجريت حوارات، وذُكرت أسماء حذفها مقصّ الرقابة مند أواخر الثمانينات (تراجع بالخصوص الأسماء التي استضيفت في صحيفتي لوتون والصباح).

فهل كان ذلك مجرد قوس سيُـغلق أم إشارة إلى بداية رفع الحجر على بعض القضايا السياسية، بعد أن تحرر الإعلام الرياضي وهبّ نسيم قليل على الكتابة الثقافية. كما جاء الإعلان عن قُـرب صدور قانون سيُـنظم الصحافة الإلكترونية، ليثير تفاؤل بعض الأوساط، لكن في المقابل، ترك الاعتداء الذي تعرّض إليه موقع “تونس نيوز” أو حجب موقع “التحالف المغاربي من أجل الديمقراطية”، الذي يُرأسه السيد عمر صحابو، المعارض الديمقراطي المقيم في باريس، ليعيد المتفائلين إلى المربّـع السابق.

قد يكون الأمر يتعلّـق بحالة تردّد وتوجّـس من تداعيات إطلاق الحريات الصحفية، لكن مع ذلك، فإن احتمال حصول تحسن، ولو طفيف، في الساحة الإعلامية ليس مستبعدا خلال الأشهر القليلة القادمة، لكنه لن يكون جذريا.

منتدى فكري حواري

أما فيما يتعلق بالملف الرابع، الخاص بحركة 18 أكتوبر التي تحتفل قريبا بالذكرى الأولى لانبعاثها تحت شعار “اليوم الوطني من أجل الحقوق والحريات”، فقد تكون هذه السنة بالنسبة إليها حاسمة في أحد الاتجاهين: إما أن تتحول إلى قوة فاعلة في الحياة السياسية أو أن تُـعلن عن إخفاقها، وتفسح المجال لمحاولات وصيَـغ قد تكون أكثر توفيقا.

فهذه المبادرة الجماعية، التي حرّكت عند انطلاقها المياه الراكدة وبعثت تفاؤلا في مختلف الأوساط، سرعان ما تراجع تأثيرها ونجحت السلطة في محاصرتها، حتى كادت أن تُـصيبها بالجمود الكامل.

ومع ذلك، عكفت أطراف المبادرة طيلة الأسابيع الماضية، لتعلن في بيان أصدرته مؤخرا بأنها عازمة على إطلاق مبادرات وحملات وطنية (بين الداخل والمهجر) حول الحقوق والحريات الثلاثة، التي حملت حركة 18 أكتوبر لواءها: “حرية التعبير والإعلام والصحافة، وحرية تأسيس الأحزاب والجمعيات ورفع القيود على نشاطها، وإطلاق سراح المساجين السياسيين وعودة اللاجئين وإعادة الاعتبار إليهم، في إطار قانون للعفو العام يشمل كل من طالهم القمع”.

كما قرر أصحاب المبادرة، الاستمرار في تنشيط المنتدى الفكري الحواري الذي أسّـسوه لتقريب المسافة التي تفصل العلمانيين عن إسلاميي حركة النهضة حول الموقف من بعض القضايا الأساسية.

وفي هذا السياق، سيتم عقد ندوة وطنية حول موضوع المساواة بين الجنسين. ومن المرجّـح أن يلقي المحامي عبد الفتاح مورو، الذي غيبته الظروف السياسية طيلة الخمسة عشر سنة الأخيرة، مُـداخلة ضمن فعاليات هذه الندوة.

ملف الإسلاميين

أخيرا، ملف الإسلاميين الذي لا يزال معلّـقا وخاضعا لإجراءات بطيئة، حيث لا يزال أكثر من مائة مسؤول سابق بحركة النهضة ينتظرون الإفراج عنهم من المعتقلات.

والجديد في هذا الملف، هو الزيارة المفاجئة التي قام بها وفد من السفارة الأمريكية في موفى شهر أغسطس الماضي إلى مقر إقامة السجين القيادي السابق حمادي الجبالي، هذه الزيارة التي فاجأت السلطة وأثارت قلقها، استمرّت حوالي ثلاث ساعات، ويبدو أنها تطرّقت إلى قضايا عديدة تخصّ حركة النهضة والموقف من السياسة الأمريكية في المنطقة.

وبالرغم من الفترة الطويلة التي قضّـاها الجبالي في السجن، إلا أنه لا يزال يتمتّـع بمُـؤهلات ترشّـحه ليلعب دورا محوريا في مستقبل الأيام، داخل حركة النهضة على الصعيد الوطني، والمعلوم أن الجهات الأمريكية الرسمية، مثلها مثل الأوساط الأوروبية، تعتبر معتقلي حركة النهضة “مساجين سياسيين”، خلافا لوجهة نظر السلطة، التي تصفهم بمساجين الحق العام.

من جهة أخرى، شهد فصل الصيف المنقضي عودة عدد من كوادر الإسلاميين الذين قضوا فترة طويلة بالمهجر، وحاولوا أن يستفيدوا من الانفراج الجزئي الذي أبدته السلطات تجاه الكثير ممّـن يرغبون في العودة.

وبقطع النظر عن الجدل الذي خلقته هذه العودة داخل أوساط التنظيم، فالملاحظ أن (الداخل) مرشح لكي يستعيد بهدوء المبادرة على حساب (الخارج)، الذي شكّـل ما يعتبره الكثيرون “حالة استثنائية ومرحلة متخطاة” في تاريخ الحركة، وهو ما يعكسه انخراط (النهضة) في مبادرة 18 أكتوبر.

تلك هي أبرز ملفات السنة السياسية الجديدة التي ستبقى مثار جدل واهتمام، خاصة خلال الأشهر الثلاث القادمة. ولا شك في أن السلطة ستوزع اهتمامها من جهة عين، على إعادة ترتيب بيتها الداخلي وعين على هذه الملفات المفتوحة.

صلاح الدين الجورشي – تونس

يتوقع المراقبون أن تحمل السنة السياسية الجديدة في تونس بعض التعديلات.
أربع ملفات تستأثر بالاهتمام، وتشمل مسائل ترتبط بالحريات والنقابات والإعلام والإسلاميين.
تتكثف الجهود لإيجاد حلّ لقضية الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قبل موفى السنة.
جاء الإعلان عن انعقاد مؤتمر اتحاد العام التونسي للشغل قبل موفى السنة، مفاجئا للجميع.
هناك مؤشرات إيجابية وأخرى سلبية بشأن ملف تحرير الإعلام.
حركة 18 أكتوبر للحقوق والحريات تستعد للاحتفال بالذكرى الأولى لإطلاقها، وتتجه لفتح حوار معمّـق مع الإسلاميين.
أثار لقاء مطوّل بين قيادي في حركة النهضة المحظورة ووفد من السفارة الأمريكية، انزعاجا وتساؤلات في أوساط السلطة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية