مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حقوق الإنسان العربي تـُواصل تدحرجها..

توقف التقرير عند تنامي ظاهرة الاعتداءات المجهولة التي تزايدت مؤخرا بحق الناشطين السياسيين والإصلاحيين والصحفيين من بينهم الصحفي والكاتب اللبناني سمير قصير Keystone

انتقد التقرير السنوي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان تزايد الاعتداءات على المعارضين في البلدان العربية، سواء بالقتل أو الضرب أو أعمال "البلطجة".

كما أدان إفلات المعتدين من العقاب دون الكشف عن هويتهم، معتبرا أن ذلك “ينذر بتصاعد حلقات العنف إذا لم تتوقف هذه الظاهرة الخطرة”.

عبرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في تقريرها الذي يغطي الفترة الممتدة بين مارس 2004 ومارس 2005 عن القلق من “استمرار ظاهرة التعذيب وسوء المعاملة، واتساع دائرتها وارتفاع أعداد الذين فقدوا حياتهم بشبهة التعذيب”، مشيرة إلى أن العرب أصبحوا يواجهون هذه الظاهرة داخل أوطانهم وخارجها، وتحديدا “فى سجون الولايات المتحدة المنتشرة في أماكن كثيرة”.

ويعتبر هذا التقرير الثامن عشر من سلسلة التقارير السنوية للمنظمة التي تصدر منذ عام 1987 والتي تتناول حالة حقوق الإنسان في العالم العربي، وترصد “مظاهر التطور الإيجابية والسلبية”، من خلال أقسام خمسة تشمل التطورات على الصعيد القانوني، وحالة الحقوق الأساسية، وحالة الحريات العامة، بالإضافة إلى قسمين جديدين يختصان بمدى احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وبرعاية حقوق الفئات الخاصة.

وجديد تقرير هذا العام تناوله حالة حقوق الإنسان من منظور إقليمي، إذ رصد القواسم المشتركة بين مختلف البلدان العربية في الظواهر والإشكاليات.

مسار حقوق الإنسان في تدهور

ولاحظ التقرير أن مسار حقوق الإنسان واصل اتخاذ مُنحنى الهبوط للعام الرابع على التوالي، ليس على الصعيد العربي فقط، ولكن أيضاً على الصعيد الدولي نتيجة تداعيات الحرب ضد الإرهاب، وما ترتب على ذلك من تغليب دواعي الأمن على الالتزام بمواثيق حقوق الإنسان الدولية.

وشدد التقرير على أن “منطقتنا العربية تبقى حالة خاصة، نتيجة الاحتلال العسكري في كل من فلسطين والعراق”.

وبعدما رصد “المجازر التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية ضد المدنيين العزّل، وقتل القيادات الفلسطينية وهدم المنازل وتشريد سكانها، والاستمرار فى تشييد الجدار العازل (…) تطرّق إلى دور “الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق (الذي) يحاول إقامة دولة بقوة السلاح، دون القدرة على توفير العناصر الأساسية للأمن الداخلي”.

ورأى أن القوات الأمريكية تحاول “تحقيق انتصارات عسكرية تكتيكية، عادة ما يكون ضحاياها من المدنيين العراقيين الأبرياء”، مركّـزا على “تصاعد موجات العنف وزيادة الخلط بين المقاومة والإرهاب، مما يؤدي فى النهاية إلى تعميق معاناة الشعب العراقى وانتهاك حقوقه”.

وحذر التقرير من أن “التراخي في مواجهة نموذج غوانتنامو أدّى إلى أن العالم أبصر نموذجا آخر في سجن أبو غريب”، ملاحظا ما أوردته تقارير صحفية من أن “هناك 900 مركز احتجاز سرّي تديره وكالة المخابرات المركزية خارج الولايات المتحدة، حتى لا تتعرض لرقابة القضاء الأمريكي”.

وسجل أيضا أن “بعض المجتمعات العربية شهدت قدراً من التوتر والاحتقان، نتيجة ازدياد انتهاكات حقوق الإنسان مع تردّى الأحوال المعيشية، وفي المقابل، أدّى ذلك إلى زيادة حيوية، ودينامية هذه المجتمعات التي ابتدعت طرقاً مختلفة للاحتجاج السلمي، وابتكرت وسائل جديدة للحوار بين الأطراف المختلفة وازدياد المطالبة بالإصلاح وربطه باحترام حقوق الإنسان”.

تفشي ظاهرة الاعتداءات المجهولة

ولاحظ التقرير استمرار قمع المعارضين السياسيين والناشطين الحقوقيين والإصلاحيين في كل من السعودية والكويت وسوريا ومصر والأردن والمغرب وليبيا واليمن والسودان وعمان ولبنان، وفي ظاهرة تسليم وتسلم المشتبه فيهم، دون ضمانات كافية لسلامتهم وحقوقهم وبصفة خاصة في سوريا ومصر والكويت والسعودية والمغرب واليمن.

كما لاحظ تزايد الإحالات إلى محاكمات جائرة أو ذات طبيعة استثنائية، أو إحالة مدنيين إلى القضاء العسكري الذي لا يمثل قاضيهم الطبيعي في تونس وموريتانيا والمغرب وليبيا والسعودية ومصر والسودان والأردن وعمان ولبنان وسوريا، لاسيما فيما يتصل بالمشتبه في علاقتهم بالإرهاب.

كذلك، ركز التقرير على استمرار تردّي الأوضاع في السجون ومراكز الاحتجاز في معظم البلدان العربية، مصحوبة باستمرار أنماط التعذيب وسوء المعاملة والعقوبات غير القانونية في غالبيتها.

وتوقف التقرير في أقسام مختلفة عند تنامي ظاهرة الاعتداءات المجهولة التي تزايدت مؤخراً بحق الصحفيين والناشطين السياسيين والإصلاحيين، بغرض إرهابهم على نحو ما وقع للصحفي عبد الحليم قنديل في مصر، أو وقوعهم ضحية للاغتيال، كما حصل للكاتب سمير قصير في لبنان، أو قتلهم بعد تعرضهم للاختطاف والتعذيب على نحو ما وقع بحق كل من الشيخ محمد معشوق الخزنوي في سوريا والصحفي ضيف الغزال في ليبيا.

وتطرق التقرير، مثلما كان متوقعا، لموضوع الإصلاح السياسي الذي قال إنه “بات مطلباً جماهيرياً في كل أنحاء الوطن العربي، واعترفت الحكومات العربية بضرورته”، إلا أنه اعترف بـأن “الجدل ما زال يحتدم على طول الساحة العربية حول آليات وأولويات هذا الإصلاح ووتيرته”.

وهنا، عزا التقرير ارتفاع لهجة هذا الجدل إلى النتائج التي تحققها الضغوط الخارجية، وخاصة الأمريكية على الحكومات العربية من ناحية، وارتباط هذه الضغوط بما أسماه “التدخل في الشؤون الداخلية ونظم الحكم، وربطها الإصلاح بالتزامات سياسية إقليمية ومحلية من ناحية أخرى”. ووصف معظم مشروعات الإصلاح الحكومية حتى الآن بالجزئية والتأخر في نقاط انطلاقها، معتبرا إياها “أقل كثيراً من طموحات الجماهير ومتطلباتها”.

تطورات إيجابية أيضا

وانسجاما مع هاجس التوازن الذي تسعى المنظمة العربية للتقيد به، بغية تحصيل المصداقية لتقاريرها، رصدت أيضاً العديد من الإيجابيات التي رأت أنها “برزت خلال هذا العام من تعديلات إيجابية في بعض الدساتير وتوسيع دائرة انضمام الدول العربية إلى المواثيق الدولية، واعتماد نموذج العدالة الانتقالية في بعض الدول العربية (الإنصاف والمصالحة في المغرب)، وإجراء انتخابات حرة نزيهة في بعض المجتمعات العربية (فلسطين)، والمزيد من الاهتمام بقضية مساواة المرأة وحصولها على المزيد من حقوقها المنتهكة”.

كما لاحظ أن كلا من السعودية وقطر وعُـمان والبحرين والإمارات لم تنضم بعد إلى الشرعية الدولية لحقوق الإنسان (العهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق المدنية والسياسية).

ولدى عرضه للتطورات المتعلقة باحترام الحقوق الأساسية، أشار التقرير إلى “التطورات الإيجابية التي وقعت خلال العام، مثل ملاحقة بعض المسؤولين عن جرائم تعذيب أو سوء معاملة في الاحتجاز أو إخلال بمقتضيات الوظيفة، وخاصة في مصر والسودان والبحرين، فضلاً عن التجربة الأولى، عربياً، التي بدأتها المغرب بتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة للعمل على تجاوز ماضي الانتهاكات الجسيمة في البلاد”.

كما نوَّه ببعض “الجهود الإيجابية التي تقوم بها مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان، وخاصة في المغرب ومصر والأردن وقطر والسعودية، فضلاً عن استجابة الحكومات العربية للدعوات إلى تعزيز ثقافة موظفي إنفاذ القوانين في مجال حقوق الإنسان، بالتعاون مع كل من مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بالإضافة لسماح مزيد من الحكومات للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة السجون وتفقّـد أوضاع المحتجزين”.

لكنه لاحظ تفاقم “معدلات انتهاك الحقوق الأساسية على نحو خطر، نتيجة للجرائم والانتهاكات المستمرة المرافقة للاحتلال الأجنبي أو النزاعات الداخلية المسلحة، أو الناتجة عن اتساع نطاق الأنشطة الإرهابية وإجراءات مكافحة الإرهاب على بُـقعة جغرافية أوسع من المنطقة، فضلاً عن الانتهاكات التي تقع نتيجة استمرار بعض الممارسات السلبية، مثل التعذيب وسوء المعاملة في الاحتجاز.

انتهاك حق الحياة

ولاحظ التقرير في هذا السياق، استمرار انتهاك حق الحياة بأرقام غير مسبوقة في مناطق النزاعات المسلحة، والتي وصلت في العراق قرابة 100 ألف قتيل مدني منذ بدء الاحتلال في مارس 2003، وذلك حسب مصادر بريطانية امتنعت الحكومة البريطانية عن التعليق عليها، وبلغت في فلسطين أكثر من 4 آلاف قتيل منذ بدء الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000، وفي إقليم دارفور غربي السودان أعدادا كبيرة منذ بدء النزاع في فبراير 2003 لم يتفق على تقديرها حتى الآن، وفي الصومال 300 ألف قتيل منذ بدء النزاع الأهلي عام 1991، وذلك حسب ما أعلنه رئيس البلاد الجديد.

إلا أن التقرير لاحظ في الوقت نفسه قدراً إضافياً من التراجع خلال العام، إذ تعرّضت حرية الرأي والتعبير لضغوط ناتجة عن استمرار القيود على إصدار الصحف والعمل بالعقوبات السالبة للحريات والغرامات المالية الباهظة في قضايا الرأي والنشر، وخاصة في الجزائر واليمن وتونس والمغرب ومصر والسعودية والكويت وموريتانيا وليبيا.

واستمرت أيضاً القيود على حريات التنظيم الحزبي وتكوين الجمعيات تأسيساً ونشاطاً بما يؤدّي لتقويض مبدإ التعددية السياسية وحرية الاجتماع والمشاركة في الشأن العام، وخاصة في المغرب ولبنان وتونس والجزائر ومصر وسوريا والبحرين وعمان وليبيا.

وأشار إلى أن تلك القيود تضافرت مع الحظر شبه الكامل على التجمع السلمي في غالبية البلدان العربية، الأمر الذي يؤدّي إلى مضاعفة العزوف الشعبي عن المشاركة السياسية.

رشيد خشانة – تونس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية