رفع أسعار الكهرباء شبه الغائبة يثير قلقا بين السوريين
يخشى غسان أعمى، وهو صاحب ورشة حدادة قرب دمشق، من أن يعجز عن تأمين قوته اليومي بعدما رفعت السلطات السورية بشكل مفاجئ، وبعشرات الأضعاف، تعرفة الكهرباء في بلاد لم تتعاف بعد من تداعيات النزاع.
وفي ورشة صغيرة في منطقة عين ترما تحيط بها منازل مهدمة جراء النزاع الذي امتد 14 عاما، يقول أعمى بقلق “فوجئنا بأن أسعار الكهرباء سوف ترتفع، ونحن مردود عملنا محدود”.
ويوضح الرجل أنه يدفع أساسا بدل اشتراك في مولّد كهرباء ليتمكن من تشغيل ورشته في ظل انقطاع التغذية الحكومية بالتيار لفترات تتجاوز 20 ساعة يوميا، في ظل أضرار بالغة تعانيها البنى التحتية في سوريا خلال أعوام النزاع الذي انتهى الى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد أواخر العام 2024.
ويقول “اذا كانت الفواتير مرتفعة قد لا نتمكن من تحصيل قوت يومنا”، مضيفا “كنا نتأمل أن تتحسن أحوالنا لا أن تتجه إلى الأسوأ… قد خرجنا للتو من حرب، بيوتنا دمرت (…) استدنت المال لكي أتمكن من تصليح” الورشة.
ويتابع “عملي كله يتطلب الكهرباء”.
وأعلنت وزارة الطاقة أواخر تشرين الأول/أكتوبر، تعرفة جديدة للتغذية الكهربائية. ورفع سعر الكيلواط المخصص للاستهلاك المنزلي من 10 ليرات سورية، الى ما بين 600 و1400 ليرة.
ووضعت السلطات هذه الزيادة “في إطار مشروع إصلاح قطاع الكهرباء وتحقيق الاستدامة وتحسين الخدمة”.
ويبلغ معدّل الاستهلاك المنزلي نحو ألف كيلواط شهريا، ما يعني أن الفاتورة قد تتخطى مليون و400 ألف ليرة (130 دولارا)، في حين يبلغ الحدّ الأدنى للأجور 750 ألف ليرة (نحو 75 دولارا).
قبل اندلاع النزاع في العام 2011 بعد قمع السلطات حينها لتظاهرات مناهضة لها، كانت الكهرباء الحكومية متوافرة باستمرار وشبه مجانية.
ويشرح مستشار وزير الاقتصاد مازن ديروان بأن رفع الأسعار يأتي ليتناسب مع الإنتاج وتحسين خدمة الكهرباء.
وكتب ديروان في منشور على فيسبوك “الخلل كان و ما زال هو بيع الكهرباء بأسعار بالغة الانخفاض تؤدي إلى خسائر جمة لمنتجها… بالتالي لا مهرب من تعويم سعر الطاقة الكهربائية للحصول إنتاج وتوزيع كافيين”.
– “لا أحد سيدفع” –
ويشرح الخبير الاقتصادي جهاد يازجي بأن قرار رفع تعرفة الكهرباء “يندرج في إطار التحرير الاقتصادي الذي يبدو أن الحكومة أعلنت عنه مطلع العام”.
ويضيف أن السلطات بقرارها تكون قد “وضعت حدا للإعانات للكهرباء”.
على غرار أعمى، لا تعرف بائعة القهوة آلاء موسى كيف ستتمكّن من تأمين ثمن فاتورة الكهرباء. وتقول لفرانس برس من أحد شوارع دمشق “لا أحد سيدفع، لا أحد يملك المال (…)ولا يوجد عمل”.
وتضيف باستياء “كنا فرحين، توقعنا أنه سيكون هناك خير ونقود، لكن خنقنا، لا يوجد شيء، لا نقود”.
ولا تخفي بائعة الخبز أم الزين (43 عاما) خشيتها من صعوبة تأمين كلفة فاتورة الكهرباء والأقساط التعليمية لولديها في الوقت عينه.
وتقول “بالكاد أدفع قسط ابني في الجامعة ودروس ابنتي الخصوصية في البكالوريا… الكهرباء بالكاد تأتي ساعة (في اليوم)، وإذا لم تأت الكهرباء، لا تأتي الماء”، مضيفة “سوف نتدفأ تحت البطانيات في الشتاء!”.
ومنذ وصولها الى الحكم قبل نحو عام، تعهدت السلطات مرارا برفع ساعات التغذية بالكهرباء، وسعت لاستيراد الغاز من تركيا وقطر لزيادة الانتاج.
ووقّعت دمشق مذكرات تفاهم مع تركيا ودول خليجية في إطار سعيها لجذب الاستثمارات وترميم بنيتها التحتية.
وفي آب/أغسطس، بدأت تركيا توريد الغاز من أذربيجان الى سوريا بمقدار ملياري متر مكعب سنويا، ما من شأنه أن يوفر 1200 ميغاواط من الكهرباء. وأمّنت قطر من جهتها في آذار/مارس 400 ميغاواط من الكهرباء يوميا عبر إمدادات الغاز عن طريق الأردن.
لكن حاجات البلاد في مجال إعادة الإعمار، بما في ذلك محطات الطاقة، لا تزال كبيرة. وقدّر البنك الدولي كلفة إعادة الإعمار بـ 216 مليار دولار، من بينها 108 مليارات أضرار مادية مباشرة للبنية التحتية والمباني السكنية وغير السكنية.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن تسعة من كل عشرة سوريين اليوم تحت خط الفقر، وواحد من كل أربعة عاطل عن العمل.
يقول أحمد يونس العبد، وهو من سكان عين ترما، إن “الشتاء مقبل، ولا المولد وكهرباء الدولة متوفرة، كلاهما باهظ الثمن، ونحن محرومون منهما، والوقود باهظ، كيف نتدفأ؟”.
ويتابع الرجل “كنا نتأمل أن تتحسن الأوضاع، والأسعار وأن يرأفوا بحال هذا الشعب الذي لا يملك شيئا”.
بور/لو/كام