مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا ترمم مسارات قلعة سمعان

ستصبح المسارات والدروب المؤدية إلى قلعة سمعان مهيئة فريبا لهواة الترجل والتمتع بجمال الصحراء DEZA, Büro in Syrien

وقعت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون مع وزارة الثقافة السورية بروتوكولا في مجال الآثار، يتكفل فيه الطرف السويسري بتمويل مجموعة من المشاريع لإعادة تأهيل مسارات للسياح في عدد من المدن التاريخية بمنطقة قلعة سمعان في محافظة حلب، على أن ينتهي العمل به قبل منتصف عام 2007.

المشروع يأتي في إطار اتفاقية ثقافية بين البلدين، تعني بالتعاون المشترك في مجال الحفاظ على التراث المعماري السوري الذي يمتد إلى آلاف السنين.

قد يبدو المشروع منذ الوهلة الأولى على أنه مجرد ترميم لبعض المسارات والدروب لا أكثر، بينما هو في الواقع أكثر من هذا، إذ من شأنه أن يحول المنطقة البكر الواقعة بين مدينتي حلب وإدلب إلى مزار سياحي من نوع مختلف على المنطقة العربية بوجه خاص.

وربما هي الثقافة السويسرية التي دفعت السفير جاك دي فاتفيل أثناء نزهة خلوية له هناك، للتفكير في تطوير الطرق المؤدية إلى قلعة سمعان والمناطق المحيطة بها لتسهيل زيارتها والاستمتاع بجمال طبيعتها التي لم تعبث بها الأيادي التي لا تعرف قيمة التراث، ومنه كانت التوصية للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون للإهتمام بهذا المشروع ودراسة امكانية تمويله.

راجي معاصري، الخبير المتخصص في الاستشارات البيئية والتنموية، يصف المشروع في حديثه مع سويس أنفو، بأنه فريد من نوعه ومتعدد المزايا؛ فهو من ناحية سيستخدم الإمكانيات البيئية والبشرية المتاحة في تلك المنطقة لتحسين تلك الطرق التي تربط بين مجموعة من القرى تصل بين قلعة سمعان التاريخية.

وفي الوقت نفسه، سيضع الخطوط العريضة لمفهوم السياحة البيئية في سوريا، وكيفية الاستعداد لها والاستفادة منها وفقا للمعاير الدولية، لاسيما وأنه منتدب من قبل الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية لمتابعة هذا المشروع، الذي يعتقد بأنه لن يكون الأخير في سوريا.

تاريخ وثقافة وبيئة

فممن مميزات هذا المشروع، حسب قوله، أنه يخدم منطقة من النادر في العالم أن تجد لها شبيها، تضم مجموعة من القرى العربية السورية حافظت على طابعها التقليدي في الزراعة والحياة اليومية ورعاية الغنم واستغلال إنتاجها الطبيعي بشكل بدائي بسيط بدون تعقيد أو مخاوف من تلوث بيئي مهما كان نوعه، ولم تزحف عليها الكتل الأسمنتية التي تشوه جمال الطبيعة النضرة.

هذه الطرق أو المسارات، بلغة رعاة الغنم والماعز الذين يجوبون المنطقة ذهابا وإيابا بحثا عن العشب والمياه، هي التي تربط بين مجموعة من القرى وسط الحقول والمزارع، تضم البنية التحتية البدائية البسيطة مثل خزانات المياه الجوفية أو أساليب التعامل مع المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني.

الدعم السويسري الذي يبلغ حوالي 190000 فرنك، سيعمل على تعبيد تلك الطرقات، لتصبح أكثر راحة في السير، وربما يمكن أن تسمح بمرور دراجة نارية في أحسن الحالات، أو سيارة خفيفة في الظروف الاستثنائية، ثم سيقوم المشروع أيضا بوضع لائحات إرشادية للعابرين باللغات العربية والإنكليزية، ليتعرفوا على المناطق الهامة حولهم، والمسافة الزمنية مشيا إليها.

ويتابع معاصري، “كل هذه الأعمال ستكون بخامات محلية، ويشارك فيها خبراء من سوريا وسويسرا، من أكاديميين وتقنيين، لأن المرحلة الأولى يجب أن تكون الأكثر دقة حتى تبدأ المرحلة الثانية للترويج السياحي لهذه المنطقة، عبر موقع على شبكة الإنترنت، والتواصل مع مكاتب السياحة الدولية المعينة بالسياحة البيئية والثقافية، التي تبحث عنها صفوة المجتمعات الأوروبية بشكل عام”.

لن يشد السير في المسارات المعبدة اهتمام الزائرين، بل ما سيشاهدونه من منطقة أثرية تاريخية هامة منذ عصر الرومان وحتى سنوات الفتح الإسلامي الأولى لسوريا، وما حولها من ثراء بيولوجي، يظهر في تعدد الحيوانات والنباتات الفريدة من نوعها، التي لا ينبت بعضها إلا في تلك المنطقة من العالم فقط، حسب قول معاصري.

ويؤكد معاصري على أن المشروع يجمع بين القيمة التاريخية متمثلا في أهمية قلعة سمعان التاريخية التي كانت إحدى درر العمارة في الحضارة المسيحية في قرونها الأولى، وحتى بداية الفتح الإسلامي، والقيمة الجمالية البيئية، ليعيش الزائر في مزيج لا يتكرر كثيرا.

“المدن المتألقة في الذاكرة”

على الجانب السوري، يثمن الدكتور بسام جاموس المدير العام للآثار والمتاحف التابعة لوزارة الثقافة السورية، هذا التعاون السويسري ويعتبره متميز للغاية، لحرص السويسريين على الدقة في العمل، وتحري المعايير الدولية القياسية في التعامل مع الآثار، والبحث عن قيمة المشروع من أكثر من زاوية لتتوزع إيجابياته على جميع الجبهات.

وتتابع حاليا 3 بعثات سويسرية للتنقيب عن الآثار في مناطق مختلفة في سوريا وسط ترقب بالغ لما ستسفر عنه تلك الحفريات، بعد أن أثمرت جهودها عام 2005 في العثور على عظام جمل عملاق تعود الى 100000 سنة في مدينة تدمر التي تبعد 220 كلم شمال شرق دمشق .

ويشرح الدكتور بسام لسويس انفو أهمية ذلك الحدث، في أن عظام الجمل التي تم العثور عليها هي في حجمها وضخامتها ضعفي حجم الجمال المتعارف عليها الآن، مؤكدا على أنه الحدث الأول من نوعه في العالم، ويشكل ثورة في عالم الاكتشافات الأثرية.

هذا النجاح الذي قدمته بعثات الآثار السويسرية في سوريا والتعاقد الجديد لرعاية مسارات قلعة سمعان، يراه الدكتور بسام جاموس مواتيا لمشروع “المدن المتألقة في الذاكرة” الذي تستعد به سوريا لإخراج كنوزها الحضارية إلى العالم، وتساهم سويسرا فيه أيضا بمشروعات مختلفة، بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي ومنظمة اليونسكو.

شهور قليلة تفصلنا عن نهاية مشروع مسارات قلعة سمعان، ومثلما كان القدماء يحجون إليها من قبل تيمنا بهذا الناسك الزاهد، فقد تستعيد دورها ولكن هذه المرة بين عشاق الطبيعة والثقافة، في سياحة ندر الإهتمام بها عربيا ويبحث عنها الأوروبيون كثيرا حتى لو كانت في آخر بقاع الأرض.

سويس انفو – تامر أبو العينين

أقيمت هذ القلعة في نفس المكان الذي عاش فيه القديس سمعان العمودي معظم حياته، واستمر العمل فيها من حوالي سنة 476 حتى 491 م برعاية وتوجيه الإمبراطور الروماني فلافيوس زينون وكانت تعد أضخم وأجمل كنيسة في العالم المسيحي آنذاك.

تحمل القلعة إسم ناسك عاش في الفترة ما بين عامي 386 و 456 م، زهد ملذات الدنيا واتخذ من التقشف طريقا للتقرب إلى الله، فذاع صيته بين الناس لتقواه وحبه للخير والدعوة إلى الإيمان، واتخذوا من مكان إقامته بعد وفاته مزارا، حتى قرر الإمبراطور الروماني تخليد ذكراه في هذه القلعة.

تتكون القلعة من مجموعة من الكنائس يرى خبراء العمارة أنها فريدة في تركيبها بالمقارنة مع وقت تشييدها، فهي على شكل صليب، يضم كل ذراع فيه كنيسة مستقلة، ذات بهو رئيسي واثنين آخرين جانبيين، ثم تتواصل جميع أطراف هذه المبنى في جدار يأخذ الشكل الثماني في النهاية.

تقع قرية تلانيسيوس في السفح الغربي للقلعة، وكانت قرية زراعية بسيطة، تطورت بعد تدفق الراغبين في زيارة قلعة سمعان، فتحولت إلى مدينة سياحية صغيرة تعج بالفنادق وأماكن التجمعات العامة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية