مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

عباس في ملعب شارون

محمود عباس (عندما كان رئيسا للوزراء) في آخر لقاء له مع أرييل شارون يوم 1 يوليو 2003 Keystone Archive

مع اقتراب موعد اللقاء المرتقب في شرم الشيخ يوم 8 فبراير بين محمود عباس وأرييل شارون ترتفع وتيرة التكهنات والإنتظارات.

لكن النجاح الاسرائيلي الفلسطيني لا يُـقـاس عادة بالامتار ولا بمناخ من التوقعات الكبيرة كما في الحالة التي يؤشر اليها بوصفها فرصة الامل الجديد بميلاد قيادة فلسطينية تتوق للحوار طريقا للسلام.

في واقع الأمر، ثمة ما هو أوسع وأعقد في مفهوم هذه العلاقة القائمة على معادلة تناقضات مختلطة ومختلفة تتصارع بأقصى ما لديها من أدوات وأسباب تفضي في العموم الى تراكم كم آخر من التناقضات.

وليست تلك حالة فلسفية، بل إن ترجمتها الميدانية ظاهرة للعيان، لكن إنما يتم تقديمها وتصويرها غالبا في قالب بعيد عن اساس الصراع وبادوات ووسائل تؤدي الى تضليل وتعتيم.

ربما كانت التصريحات المتعددة اللغات واللهجات بضرروة “اغتنام رياح الفرصة” التي شكلها غياب الرئيس الرئيس الراحل ياسر عرفات قد طغت على صورة واقع ساحة المواجهة بين الطرفين.

لاشىء، حتى الان، ارتدى حلة جديدة، سوى تبدل بزة عرفات العسكرية بلباس محمود عباس المدني وانطلاق الرئيس الجديد الداعي للحوار والاصلاح خارج اسوار المقاطعة المحاصرة وتنقله بين عواصم العالم على الرحب والسعة.

إن في الامر – رغم ظواهر الأشياء – ما يشير الى إرباك، وما يفتح الباب على أسئلة محورية حول توفر الاسباب والظروف اللازمة لوجود فرصة حقيقية على الجانبين وليس على طرف واحد من المعادلة التي تعبت طحنا وتكرارا.

فعلى سبيل المثال: هل في حوار الفلسطينيين الداخلي وآفاق التهدئة (مع الإسرائيليين) سعيا لاحتمالات إقرار الهدنة ماهو أكبر وأرحب من مجرد انتقال آخر لخطوة قديمة لازال تقويمها رهينا بكيفية تعامل اسرائيل وحكومتها وجيشها مع مضمونها.

وسط أجواء مفعمة بالتفاؤل ونظرات حالمة بتحقيق انفراج غير مسبوق خلال زمن قياسي، يجري تقديم النجاح على أنه استحقاق فلسطيني أولى قبل الانتقال الى الجهة الاسرائيلية، بيد أن واقع الحال يشير إلى أن الرئيس عباس قد دخل في رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون.

شارون المزدوج

يقول الكاتب الاسرائيلي بن كسبيت، إن ثمة وجهين لشارون في ما يتعلق بالنظرة الى عباس، الوجه المتفائل الذي يظهر مطلقا التصريحات الايجابية، واخر يعتقد ان عباس لن يتمكن من مغادرة الكلام المعسول والدافىء الى الترجمة العملية على الارض.

وفي توضيحه لهذا الراي، يقول بن كسبيت: “إن رئيس الوزاء الاسرائيلي “منزعج وقلق” في واقع الامر من قدرة عباس على تقديم هذه الصورة السلمية المعتدلة التي من شأنها ان تضطر اسرائيل الى الانتقال الى المرحلة الاساسية المتعلقة بالمفاوضات السياسية حول إقامة الدولة الفبلسطينية والبحث في الوضع النهائي”.

لكن استراتيجية شارون غير ذلك تماما وهو لايريد الخروج من دائرة التكتيك حتى يبلغ مرامه في منع إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة خصوصا وأنه لن يتنازل أبدا في مسألة جدار الفصل الذي يبدد حلم عباس والفلسطينيين معه.

هنا مدخل آخر لتناقض إضافي على ساحة التناقضات الإسرائيلية الفلسطينية حيث تصبح لعبة السياسة بوطأة مواجهة الدم وآلام الحرب المستعرة. في كل من الحالين حرب على حرب فوق حرب، وعلى المتبارين الاصطفاف من جديد ولو في حلقة ناعمة على مائدة مفاوضات.

وإذ يكد شارون في استراتجيته فانه يستطيع الهرب من الإستحقاقات المرتقبة إلى شروط حلفائه لاسيما شرط حليفه الاساسي بنيامين نتايناهو صاحب مطلب الحفاظ على جدار الفصل مقابل بقائه في الحكومة وتمريره مبدأ الفصل الاحادي من قطاع غزة.

إن حكومة إسرائيل تريد شريكا فلسطينيا وقد حل مستعدا متأهبا وواثقا، بيد إنها لا تذهب الى لعبة السياسة دون التزود باسلحة الحرب حتى تقطع الدرب الموحش الى سلام الشجعان أو إلى “شجاعة السلام”، إن صح هذا التعبير.

والى حين لقاء القمة المرتقب يظل شارون على تفاؤله المعلن برؤية الرئيس الفلسطيني الجديد، ويبقى في ذات الوقت مضطرا إلى الاستماع كتلميذ نجيب الى وصايا الهيئات العسكرية والامنية والسياسية المختلفة والمتناقضة حول كيفية التعامل مع “العهد العباسي”.

عباس واقفا

تحتاج بطانة عباس الى أدعية وصلوات متواصلة بتجنيه شر الوقوع في شرك شارون، ويحتاج الزعيم الفلسطيني صاحب الموقف الثابت المتماسك وذو الارادة الصلبة الراسخة الى ماهو أكثر من حظ جيد ورضا دولي غير مسبوق.

وفي حين تقول القراءة الاولية في استراتجيته أنه لايستعجل لقاء شارون من أجل تقديم طلبات محدودة برفع حاجز عكسري أو تسهيل عبور مواطنين عالقين، وإنما بالتقدم بطلبات ذات تاثير قوي في الشارع ولدى المعارضة، لاسيما إطلاق سراح اعداد كبيرة من المعتقلين.

وعباس لايستعجل تلبية زيارة سيد البيت الابيض وحليف شارون الاساسي قبل أن يكون قد مهد للقمة بالانتهاء من أمور الاجراءات على الارض مع اسرئيل حتى يتسنى لبه البحث في المضمون الاساسي وتقديم طلباته المتعلقة بالسياسة والمفاوضات النهائية.

بيد ان درب هذه الاستراتيجية يمر من ملعب من شارون .. ومورادها تتطلب إزالة الحصار الذي تفرضه اسرائيل على الميدان الفلسطيني وعلى السياسة الفلسطينية .. كما يتوجب على عباس أن يحقق انتصاراته فيها أولا.

وثمة من في بطانة عباس من يستعجله ومن يشجعه على الدوران في ملعب شارون ولملمة ما يمكن من اهداف، لكن المرمى يظل بعيدا أو قريبا بقدر ما يتوفر من لاعبين مهرة ومدربين أكفاء وقادة لا يستعجلهم أحد.

حصيلة المشهد الحالي تُفيد بأن عباس واقف ثابت واضح لايريد أن يحيد عن المرمى ولا يريد أن يتيح للحكم أي فرصة بتسجيل مخالفة ضده لكن الصافرة انطلقت والمعلب لازال.. ملعب شارون.

هشام عبدالله – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية