مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

فيروس الإرهاب يصل إلى قطر

مواطنون قطريون ومقيمون أجانب يتظاهرون في الدوحة يوم 21 مارس تعبيرا عن استنكارهم على التفجير الذي شهدته العاصمة القطرية مساء 19 مارس Keystone

و"جاء دور قطر"، هكذا علّـق أكثر من مراقب على عملية التفجير التي استهدفت مسرحا تابعا لمدرسة بريطانية في قلب العاصمة الدوحة.

وقد أدّى حادث التفجير الذي فاجأ الجميع إلى قتل أحد المقيمين البريطانيين، إلى جانب جرح عدد من المدنيين القطريين والعرب والآسيويين

تنفّـست السلطات القطرية الصعداء عندما تبيّـن أن الشخص الذي يُـفترض بأنه منفِّـذ العملية الانتحارية ليس قطريا. لقد خشيت هذه السلطات من أن يكون أحد مواطنيها مُـوَرّطا بشكل مباشر أو غير مباشر في حادثة خطيرة مثل هذه التي تُـعتبر الأولى من نوعها في قطر.

فانخراط محليين في أعمال إرهابية، من شأنه أن يثير المخاوف في صفوف المسؤولين القطريين، لما في ذلك من مؤشر على احتمال وجود معارضة متجذرة بلغت درجة حمل السلاح، وعدم التردد في جر البلاد إلى دوامة مجهولة العواقب والتداعيات، مثلما حصل في دول خليجية أخرى.

لقد تمّ استبعاد هذه الفرضية حتى الآن، حيث أن المعلومات الأمنية التي تم الكشف عن جزء منها لم تشر إلى احتمال وقوف جهة قطرية وراء العملية. فالقطريون، فيما يبدو، قد يختلف بعضهم مع القيادة السياسية الحالية حول بعض المسائل، لكنهم متفقون على رفض العنف كأداة للتغيير أو الضغط السياسي.

ورغم أن الفكر السّـلفي يتمتع بحضور قوي في الأوساط الدينية، غير أن ذلك لم يفرز حركات معارضة عنيفة، مثلما حصل في دول خليجية مجاوزة مثل السعودية والكويت. ويعتقد البعض بأن وجود الشيخ يوسف القرضاوي (وهو مصري حاصل على الجنسية القطرية) بالعاصمة الدوحة قد أسهم من موقعه المؤثر في ترويض الفكر الديني السائد، وبالتالي، قد شكّـل ضمانة هامة لخلق حالة من الاعتدال، انعكست إيجابيا على مجتمع صغير مثل المجتمع القطري الذي لا يتجاوز عدد سكانه 400 ألف نسمة.

من هو منفذ العملية؟

إنه شاب مصري اسمه “عمر أحمد عبد الله “. عُـرف بشخصيته الهادئة والصامتة. إنه يلتقي مع مواصفات العديد من الأشخاص الذين استقبلهم تنظيم القاعدة، ونفّـذوا عمليات شبيهة، رغم غياب المعلومات المؤكدة التي تثبت انتماءه لإحدى الخلايا النائمة لهذا التنظيم.

وكان “عمر” يعمل مهندسا ناجحا في اختصاص الإعلامية بشركة نفطية، ويتقاضى مرتبا عاليا (حوالي 5 آلاف دولار). وكان هذا الرجل متزوجا بطبيبة مصرية، أدخلتها الصدمة غرفة الإنعاش، وترك وراءه ثلاثة أطفال أورثهم تركة ثقيلة ومؤلمة ستلازمهم طوال حياتهم.

قالت إحدى زميلاته في العمل بأنها لم تر الابتسامة على وجهه منذ أن التحق بالوظيفة، لكنه رغم ذلك، لم يُـعرف عنه طبع عنيف رغم آرائه السلفية، ولم يخطر ببال أحد من المحيطين به أن هذا الشخص الهادئ يمكن أن يَـقدِم على الانتحار، وأن يعمد إلى قتل أبرياء مدنيين معهم نساء وأطفال.

من وراء العملية؟

هل كانت العملية فردية أو جزء من مخطط جماعي يرمي إلى أهداف أكثر بعدا وخطورة؟

إلى حد كتابة هذا التقرير، لم يُـكشف عن أسماء أخرى قد تكون مُـورّطة بشكل مباشر أو غير مباشر، لكنه يجري حديث عن التحقيق مع ثمانية أشخاص آخرين في حالة إيقاف، من بينهم شقيق منفذ العملية.

كما صدر بيان عن جماعة مجهولة، زعم الموقعون عليه بأن التفجير الذي حصل في الدوحة ليس سوى البداية. وبالرغم من شكوك حامت حول هوية المتهم الوحيد وعن دوره في التخطيط لهذه العملية التي قد تستفيد منها أكثر من جهة، غير أن شهود عيان، من بينهم زميلته في العمل وابنة د. موزة (شخصية نسائية معروفة في قطر أصيبت بجروح أثناء الانفجار) أثبتوا أن الشخص المتهم قد كان فعلا جالسا بمفرده في إحدى الكراسي الخلفية من المسرح، وكان شاردا وفي حالة غير عادية.

لكن، من بين الأشياء التي لم يفهمها أحد هنا في الدوحة: لماذا اختار “عمر أحمد عبد الله” مدرسة للأطفال، وإن كانت بريطانية، غير أن روادها مدنيون، وأغلبهم أطفال؟ ويعتقد هؤلاء بأن الدوحة كانت مفتوحة، وأنه كان بإمكانه أن يفجّـر نفسه في مواقع أخرى ذات أهمية أو أهداف استراتيجية تابعة لجهات أمريكية أو بريطانية، إذا كانت الغاية سياسية.

“الخطير والغريب”

وبالرغم من أن الجميع في قطر يرفض المساس بالأمن، لما تتميّـز به البلاد من استقرار وبحبوحة عيش، وتطور سريع لافت للنظر في المجال المعماري، غير أنه مما زاد في غضب واستهجان السكان للعملية وصاحبها، استهدافه لموقع ثقافي وتربوي، وأن ضحاياه كانوا مدنيين، وهو ما اعتبره القرضاوي عملا “ينكره الدين وينكره العرف وينكره القانون”، بل ذهب إلى أكثر من ذلك حين قال: “هؤلاء الحمقى استكثروا على المجتمع القطري جو الأمان الذي يتمتع الناس في ظلاله بحرية الحركة والنشاط دون قيود ولا عوائق”.

أما عن تداعيات الحدث، فإن السلطات القطرية، وإن بدت حريصة على غلق القوس والإيحاء بأن الحياة اليومية لم تتغير في البلاد، غير أنه في خط موازي تم الشروع في تنفيذ بعض الإجراءات التي يتعرض لها القطريون والأجانب المقيمين لأول مرة.

ومن “المظاهر الجديدة”، إجراءات التفتيش التي أصبحت تخضع لها السيارات في بعض المواقع الحساسة، ووضع أجهزة الكشف عن الأسلحة والألغام في مداخل الفنادق الكبرى. كما تكثفت الحراسة أمام عدد من المباني الحساسة، بما في ذلك مقر قناة الجزيرة الفضائية.

وفي سياق مواز أيضا، بدأت الجهات الأمريكية تفكّـر في تشديد المراقبة الأمنية على التجمعات السكانية التي يوجد بها أمريكيون أو بريطانيون، خاصة ما له صلة بقاعدتها العسكرية التي تعتبر الأكبر والأضخم في المنطقة.

إن عملية الدوحة قد كشفت مرة أخرى عن أن التفكير الإرهابي لا يحقق أي نتائج إيجابية لأصحابه الذين يحترقون من أجل أوهام، وإنما تترتب عن مثل هذه العمليات تداعيات سلبية على جميع الأصعدة، الأمنية والسياسية والثقافية والاجتماعية. لهذا، شبّـه القرضاوي ظاهرة العنف هذه التي انتشرت في المنطقة بـ “الفيروس الخطير والغريب”.

صلاح الدين الجورشي – الدوحة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية