مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ثـقافة “روش” على مدى 40 عاما..

swissinfo.ch

"تحقيق المكاسب دون إغفال التنمية المستديمة"، "ترسيخ مبدأ الوقاية أفضل من العلاج"، "اعتماد سياسة لا طبقية لإدارة الموارد البشرية"، "تقاسم الخبرات والحديث بلغة واحدة"..

هذه أبرز ملامح “الثقافة” التي تعمل مجموعة “روش” السويسرية الدولية للصناعات الصيدلية والكيماوية على تثبيتها في المغرب منذ أكثر من 40 عاما.

لا شك أن مجموعة “روش” السويسرية الدولية للصناعات الصيدلية والكيماوية في غنى عن التعريف في المغرب، بل وفي العالم بأسره. فهذه المجموعة التي يعود تأسيسها إلى أواخر القرن التاسع عشر في مدينة بازل على يـدِ فريتز هوفمان لاروش، تحولت تدريجيا وبدون منازع إلى إحدى الشركات العالمية الرائدة في مجال الرعاية والأبحاث والابتكارات الطبية.

لكن الصيت الدولي الذي اكتسبته هذه المجموعة، والنجاح الذي حققته على مدى العقود المتتالية لا يقوم فقط على إنجازاتها على مستوى الصناعات الصيدلية والكيماوية، بل يبدو أنه يستند أيضا إلى جملة من القيم المهنية والأخلاقية التي تحاول “روش” ترسيخها في مختلف فروعها حول العالم التي توظف ما لا يقل عن 65,000 شخصا في أكثر من 150 دولة.

سويس انفو زارت المقر الإداري لـ”روش المغرب” الذي يشغل ثلاثة طوابق في مبنى وسط مدينة الدار البيضاء، ولمست بالفعل من خلال تصريحات عدد من المسؤولين ومن خلال جو عام بشوش بشكل مثير بعض ملامح “الثقافة” التي تعمل “روش” على ترسيخها منذ وصولها إلى السوق المغربية خصوصا والمغاربية عموما، إذ تجدر الإِشارة إلى أن “روش المغرب” مكتب إقليمي يتولى الإدارة الاستراتيجية لكافة فروع المجموعة في دول المغرب العربي.

وعن العوامل التي اجتذبت “روش” إلى المغرب أولا، أشار السيد غسان بوعتلاوي، رئيس قسم الاتصال في الشركة، إلى أن معظم الشركات متعددة الجنسيات المستقرة في الدار البيضاء تدير نشاطاتها في منطقة المغرب العربي انطلاقا من العاصمة الاقتصادية المغربية.

ويقول السيد بوعتلاوي في هذا السياق: “هذا ناتج عن عدة عوامل، لعل أبرزها انفتاح المغرب على المستوى الاقتصادي، فهو بلد ليبرالي يشجع الاستثمار وبلد مستقر من الناحيتين السياسية والأمنية. فقد اختار عدد كبير من الشركات متعددة الجنسيات إدارة أعمالها انطلاقا من الدار البيضاء، مع الحفاظ على مكاتب مفتوحة في عين المكان، لكن هذا لا يعني أن مكتب الدار البيضاء أفضل من مكتب الجزائر، أو تونس (…) هي ليست مسألة طبقية بل مسألة تنظيم استراتيجي، أما المهارة فنتقاسمها بين مختلف البلدان”.

استراتيجية شاملة لـثقافة موحدة

بدأت رحلة مختبرات “روش” في المغرب في يونيو عام 1960 بوكالة صغيرة كانت تزود السوق المغربية بكميات متواضعة من المنتجات. وفي عام 1975، أنشأت المجموعة معملا لتصنيع الأدوية في إقليم النواصر قرب مدينة الدار البيضاء، لتزدهر بذلك نشاطات “روش المغرب” التي تعد اليوم من أبرز الفاعلين في المجال الصيدلي والصحي في المملكة.

ويوضح السيد بوعتلاوي أن الشركة قطعت أشواطا طويلة منذ تأسيسها على مستوى إدارة الموارد البشرية واكتساب الخبرة والمهارة. كما أنها تـتبع دائما مسار تطور الشركة الأم في بازل، إذ أنها خضعت، على غرار جميع فروع روش في العالم، لعمليات إعادة هيكلة تعتمد على مختلف ابتكارات مختبرات المجموعة الدولية. وتعتبر “روش المغرب” حاليا من بين مراكز الامتياز الخمسة لـ”روش” في العالم في مجال تصنيع الفيتامينات القابلة للذوبان.

من ناحيتها، شددت السيدة دانييل عباسي، مديرة الموارد البشرية في “روش المغرب” على أن “إيصال ثقافة “روش” تعتمد قبل كل شيء على الحفاظ على جو قار في الشركة”. ولدى الحديث عن هذه “الثقافة”، أثارت السيدة عباسي أهمية تمكين كافة العاملين لحساب روش حول العالم من الحصول والإطلاع على نفس المعلومات والاستفادة من نفس الحقوق. وتبدأ عملية توحيد المقاييس بتوفير نفس إطار العمل ونفس الأجهزة في مختلف شركات “روش” من أجل الحديث بنفس “اللغة”.

وتضيف السيدة عباسي: “إن ثقافتنا تتميز أيضا بعدم وجود النظام الطبقي الذي عادة ما يكبـحُ تطور العاملين. في روش، يتمتع كل شخص مثلا بحق تطوير مواهبه ومشواره المهني وبحق الترقية”. وشددت المسؤولة عن الموارد البشرية أن “روش المغرب” “مدرسة كبيرة وحقيقية”، إذ أنها تتميز بالانفتاح على مستوى الإدارة العامة التي تترك لمستخدميها نوعا من الاستقلالية التي تحثهم على تحقيق نتائج أفضل وجلب قيمة مضافة للشركة ككل.

وفي سياق الحديث عن سياسة إدارة الموارد البشرية لدى “روش”، أضاف السيد بوعتلاوي أن روش تعتمد أيضا سلسلة من الإجراءات الخاصة بإدارة المشوار المهني وبإدارة العلاقات في مجال الأعمال مع النشطاء في عالم الأعمال.

ونوه السيد بوعتلاوي في هذا الإطار إلى أن دولا كثيرة، من بينها المغرب، مازالت تسجل بعض التراجع على مستوى مفهوم الأخلاقيات في مجال الأعمال. وصرح المسؤول عن قسم الاتصال أن “روش تفرض على نفسها -دون أن تُجبَر على ذلك بقوانين البلاد- سياسة خاصة في مجال التعاون مع النشطاء في المجال الاقتصادي في المغرب، هذا مهم جدا، نحن شركة تريد ترسيخ مبدأ المواطنة والالتزام بعلاقات أخلاقية في البلاد”.

التزام اجتماعي

وعلى المستوى الاجتماعي، تقوم “روش المغرب” بنشاطات مكثفة إذ تشارك في برامج حكومية لمحاربة عدد من الأمراض. وأوضح السيد بوعتلاوي أن الشركة أطلقت قبل عامين البرنامج الوطني لمحاربة التهابات الكبد الفيروسية التي يعاني منها 300 ألف شخص على الأقل في المغرب. وكانت ومازالت روش من أبرز الفاعلين في هذا المجال.

وشدد السيد بوعتلاوي على أن إسهام “روش” في مكافحة التهابات الكبد لا يقتصر فقط على الأدوية بل يعتمد أساسا على المشاركة في حملات وقائية متعددة بهدف ترسيخ مبدأ الوقاية أفضل من العلاج عبر تحسيس المواطنين بأهمية الحد من انتشار هذه الفيروسات.

كما أشار السيد بوعتلاوي إلى أن “روش المغرب” أحرزت تقدما ملموسا على مستوى تعاونها مع القطاع الطبي والمهني في المجال الصحي عموما، إذ تحرص على الإسهام الفعال في مجال التكوين المستمر عبر جلب خبراء روش لتكوين الفرق الطبية المغربية سواء تعلق الأمر بكيفية مواجهة الأمراض أو باستراتيجية الكشف عنها.

وتدعم “روش المغرب” أيضا عددا من جمعيات المرضى في كفاحهم ضد عدد من الأمراض وخاصة التهاب الكبد الفيروسي من نوع “ج”، وكذلك المرضى المحتاجين إلى زرع الأعضاء. وتعمل الشركة على تعزيز تحركات هذه الجمعيات بهدف العثور على محاورين لتحقيق تقدم لمعالجة هذه الأمراض في المغرب.

وبهذا الشأن، ذكر السيد بوعتلاوي أن “روش المغرب” أطلقت في نهاية عام 2004 بالتعاون مع إحدى جمعيات المرضى حملة وقائية واسعة تحت شعار “أسبوع التضامن الوطني” لدعم مجهودات الجمعية لجمع التبرعات وتوعية الجمهور بالمرض ولمساعدة الفقراء المعوزين على تلقي العلاج.

موقف صريح من الأدوية البديلة..

ولا شك أن مشكل الدخل الاقتصادي الضعيف للمواطن المغربي والمغاربي عموما يدفع إلى طرح مسألة الأدوية البديلة المعروفة بـ”الجينيريك” الرخيصة الثمن لتمكين المرضى في الدول الفقيرة من تلقي العلاج. فما هو موقف روش من هذا الملف المثير للجدل على المستوى الدولي؟

السيد بوعتلاوي أوضح في رده على هذا التساؤل أن “روش” تعمل في قطاع يشهد منافسة قوية وقد تحدث فيه اختلافات في الرأي، مُذكرا أن هذه المسألة تطرح في العالم بأسره وبإلحاح كبير بسبب الانتشار الواسع لفيروس فقدان المناعة المكتسب إيدز خاصة في الدول الفقيرة والنامية.

وأضاف في هذا السياق أن الآراء تميل في الدول الفقيرة إلى دعم الأدوية البديلة بدل الأدوية المتوفرة على شهادة براءة الاختراع التي تملكها شركات متعددة الجنسيات. واستطرد السيد بوعتلاوي قائلا: “لا يمكن حل هذه المسألة الآن، فهي قد تتطلب بعض السنوات، لكنها تظل من القضايا التي تجعلنا نختلف في بعض الأحيان مع رأي القطاع الصيدلي في المغرب، علما أن “روش المغرب” جزء من التمثيل المهني لهذا القطاع”.

وذكر السيد بوعتلاوي بهذا الصدد أن “روش المغرب” تعد فاعلا قويا الجمعية المغربية للصناعة وأنه تم إشراك مختبرها في المفاوضات التحضيرية لتوقع اتفاق التبادل التجاري الحر بين المغرب والولايات المتحدة، وهو اتفاق يحمي شهادة براءة الشركات الصيدلية ضد الأدوية البديلة.

ولدعم موقف روش من هذا الملف، حرص السيد بوعتلاوي على التذكير بأن المجموعة الدولية التزمت بتجديد القطاع الصيدلي وبالقيام بأبحاث كثيرة، وهي أبحاث توصلت بالفعل إلى نتائج وصفها السيد بوعتلاوي بـ”الهائلة”، إذ أن أحد منتجات الشركة تـذكر اليوم في المؤتمر الدولي ضد الإيدز كابتكار أقصى لحماية الأشخاص المصابين بهذا الداء الفتاك، وهو منتوج كابح لانتشار الفيروس، ويعد آخر توصل علمي في هذا المجال.

وبعد الإشارة إلى أن روش حققت تقدما ملموسا على مستوى محاربة أمراض مثل السرطان وبأنها أثبتت أن بعض أنواع هذا الداء ليست قاتلة، أضاف السيد بوعتلاوي أن هذه الابتكارات “ثمرة لعشرات السنين من الأبحاث التي يجب حمايتها للتمكن من إنجاز أعمال أخرى والتقدم في ابتكار الأدوية والعلاج. موقفنا يتمثل في وضع منتجات جديدة رهن إشارة المرضى في مختلف أنحاء العالم، وهذه المنتجات مكلفة جدا، ويجب أداء ثمنها على مدى فترة معينة للتمكن من تحقيق تقدم على مستوى محاربة الأمراض”.

سويس انفو- إصلاح بخات – الدار البيضاء

يعود تأسيس مجموعة “روش” السويسرية الدولية إلى عام 1896 في مدينة بازل.
تحمل المجموعة اسم مؤسسها فريتز هوفمان لاروش.
بدأت نشاطاتها في المغرب بافتتاح مختبر في يونيو عام 1960 بمدينة الدار البيضاء.
في عام 1975، أنشأت “روش المغرب” معملا لصناعة الأدوية في الدار البيضاء النواصر لتزدهر نشاطاتها في المغرب.
تتولى “روش المغرب” انطلاقا من الدار البيضاء الادارة الاستراتيجية للمكاتب الجهوية في المغرب العربي.
توظف “روش” في المغرب قرابة 240 شخصا، في الجزائر 25 شخصا، وفي تونس 19 شخصا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية