مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

معضلة أسلحة الدمار الشامل .. مستمرة!

رغم النداءات والقرارات الدولية لا يُتوقع أن تصبح منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل في المستقبل المنظور swissinfo.ch

بعد توقيع إيران على البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي، وبعد تخلى ليبيا عن برامجها البدائية في مجال أسلحة الدمار الشامل، و بعد أن تم تدمير القدرات النووية العراقية، يطرح السؤال نفسه مجددا:

هل يمكن أن تصبح منطقة الشرق الأوسط يوما ما خالية من أسلحة الدمار الشامل؟

يهدف السعي لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار إلى تجنب دولها خطر استخدام الأسلحة النووية، والمساهمة في منع الانتشار الأفقي لها، وتعزيز الثقة وتحسين العلاقات فيما بينها، والمساهمة في الاستقرار والأمن على الصعيدين الاقليمى والعالمي، فضلا عن تسهيل وتشجيع التعاون في مجال تنمية الطاقة النووية واستخدامها في الأغراض السلمية سواء في المنطقة أو بين دولها والدول خارجها.

“سويس انفو” التقت بـالخبير النووي المصري الدكتور فوزي حماد، الرئيس الأسبق لهيئة الطاقة النووية في مصر، وسألته هل يمكن أن يصبح الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل؟

إجابات هذا الخبير، الذي يعكف هذه الأيام على وضع اللمسات الأخيرة لأول مؤلف في المكتبة العربية حول المشاكل والعقبات التي تحول دون جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل والحلول المقترحة، جاءت لتعكس خلاصة خبرته وحصاد تجربته الطويلة.

ثلاث صعوبات رئيسية

حول الصعوبات التي تحول دون تحقيق حلم إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، يقول الخبير النووي فوزي حماد: “هناك 3 أنواع من الصعوبات وهي : صعوبات جغرافية تتمثل في وجود أكثر من تعريف للمنطقة، وصعوبات سياسية تتلخص في الموقف الإسرائيلي الرافض، وعدم الاتفاق على نوعية الأسلحة التي يجب حظرها، وعدم اشتراك بعض الوفود العربية في مفاوضات الحد من التسلح النووي، وهناك صعوبات أمنية تتلخص في التصور الإسرائيلي للأمن والذي يقوم على ضرورة تفوقها الاستراتيجي والعسكري على الدول العربية مجتمعة”.

فمنذ مؤتمر مدريد عام 1991، يرفض الجانب الإسرائيلي الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، كما يرفض إجراء أي نقاش حول أسلحته النووية قبل إقرار السلام بالمنطقة، والتركيز على إجراءات بناء الثقة بين أطراف الصراع، وأولوية التفاوض حول الأسلحة التقليدية وحجم الجيوش العربية قبل الحديث عن أسلحة الدمار الشامل.

القدرات النووية لإسرائيل

وردا على سؤال حول الوزن النووي لإسرائيل، أوضح الخبير النووي المصري أن “إسرائيل لديها ترسانة نووية كبيرة تجعلها تتبادل المركز الخامس والسادس مع الصين، حيث تمتلك إسرائيل مخزونا نووياً يتراوح بين 300 – 400 قنبلة نووية، إضافة إلى امتلاكها لصواريخ (حاملة رؤوس نووية) بعيدة المدى (200 كيلومتر). كما أن لديها كل أنواع القنابل كبيرة وصغيرة هيدروجينية ونيترونية، ولديها أعلى تكتيك في هذا المجال”.

ويضيف الدكتور حماد أن “هناك ما بين 500 إلى 700 عالم نووي روسي هاجروا إلى إسرائيل بعد انتهاء الحرب الباردة، كما أن لديها اكتفاء نوويا، وتعمل في برنامج لتخصيب اليورانيوم، فضلا عن أنها تبني استراتيجيتها في السلاح النووي على أساس قاعدة التفرد، ومن ثم فهي لم تطق وجود مفاعل نووي عربي ولو سلمي، فقامت بتدميره بالكامل عام 1981 قبيل تشغيله مباشرة بعدما قتلت العالم النووي المصري الدكتور يحيى المشد الذي ساهم بخبراته في إنشاء المفاعل العراقي”.

موقف أمريكي منحاز

أما عن موقف الولايات المتحدة، فيؤكد الدكتور حماد أن “هناك اتفاقاً أمريكياً إسرائيلياً يقضي بوضع خمسة شروط لضم إسرائيل لعملية تجريد المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وهي:

-إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي

-تطبيع العلاقات مع إسرائيل

-إلغاء قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالنزاع العربي الإسرائيلي

-تولي الدول الكبرى الإشراف على اتفاقات عدم اعتداء متبادلة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية لضمان وجود علاقة سلميه بين الطرفين

-إزالة الأسلحة بإشراف أمريكي دولي في وقت واحد من الدول العربية وإسرائيل، على أن يسبق ذلك توقيع الدول المعنية على سائر المعاهدات والاتفاقات الدولية التي تحظر امتلاك أو إنتاج أسلحة دمار شامل، وأن تحتفظ إسرائيل بقدرات تسليحية كبيرة تساعدها على ضمان أمنها وسلامتها الإقليمية، وأن يترافق ذلك مع توقيع معاهدة دفاع مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة بحيث يصبح أمن إسرائيل مسؤولية أمريكا.

وحول تفسيره لإصرار أمريكا على عدم إخلاء إسرائيل من أسلحة الدمار الشامل، يقول الدكتور حماد “إن موقف أمريكا من امتلاك إسرائيل للسلاح النووي شابه بعض الغموض حتى خرج علينا وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بتصريحات قال فيها “إن إسرائيل دولة صغيرة، ولها الحق في أن تمتلك سلاح نووي لكي تتمكن من حماية نفسها”. والحقيقة أن هذا الكلام خطير جداً، لأنه يكشف حقيقة الفكر الاستراتيجي الأمريكي في المنطقة”.

ويرى الدكتور حماد أن هذا الموقف الأمريكي يرجع لعدة أسباب، “أولها الرغبة في تفادي غضب اللوبي الصهيوني، والإبقاء على إسرائيل قوية لتتمكن من أداء دورها كشرطي لها بمنطقة الشرق الأوسط لتنفذ استراتيجيتها، ولأنها تعتبر التسلح الإسرائيلي رصيداً لها، تستخدمه متى شاءت للضغط على الدول العربية لتقديم المزيد من التنازلات”.

مبادرات سابقة

وحول مبادرات جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، قال الدكتور حماد: هناك مبادرة الرئيس حسنى مبارك لعام 1990، ومقررات مؤتمر القمة عام 1990، وإعلان دمشق مارس 1991. وهناك أيضا المقترحات المصرية التي قدمها وزير الخارجية في خطاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 4 يوليو 1991. وهناك أيضا جهود كبيرة للأمم المتحدة بدأت لأول مرة عام 1974، وكذلك الدور الذي بذله مجلس الأمن، خاصة عقب تدمير إسرائيل للمفاعل العراقي عام1981، حيث أصدر قرارا يدعو إسرائيل لوضع منشآتها النووية تحت إشراف وكالة الطاقة النووية”.

ويستطرد الخبير المصري قائلا: “هناك مبادرة الرئيس بوش التي قدمها في مايو 1991 التي دعت دول المنطقة لتطبيق حظر إنتاج وحيازة المواد النووية التي تستخدم في صنع الأسلحة الذرية، والانضمام لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ووضع جميع المنشآت النووية تحت إشراف الوكالة الدولية. وهناك الدور الذي لعبته الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن، حيث عقدت اجتماعا على هامش اجتماع باريس يومي 8 و9 يوليو 1991 وأصدرت بيانا أعلنت فيه تأييدها الشديد لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وإخضاع دول المنطقة أنشطتها النووية لنظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحظر استيراد وصناعة المواد المستخدمة في صناعة الأسلحة النووية”.

كما طالب البيان السياسي لقمة منظمة المؤتمر الإسلامي التي عقدت بداكار في ديسمبر 1991 إسرائيل بتقديم بيان كامل عن مخزونها من المواد النووية لمجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية. أما عن الجهود الأوروبية فهناك بيان المجموعة الأوروبية الذي ألقاه رئيس المجموعة بالجمعية العامة في 4 نوفمبر 1992 وجاء فيه أن الدعوة إلى إقامة منطقة خالية من أسلحة التدمير الشامل في الشرق الأوسط، تستحق الدعم الكامل من المجتمع الدولي”.

المطلوب..ضمانات دولية

ويرى الخبير النووي فوزي حماد أنه من الضروري السعي من أجل الحصول على الضمانات الدولية لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب دعوة الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن للتعهد باحترام أهداف ومقاصد إنشاء المنطقة، وتعهد الدول التي تمتلك أسلحة دمار شامل بعدم وضع أو استخدام أو التهديد باستخدام هذه الأسلحة في أراض دول المنطقة، ودعوة الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن إلى تقديم ضمانات أمن شاملة غير مشروطة وفعالة لجميع دول المنطقة، والتعهد الدولي لإتاحة الفرصة المتساوية لجميع دول المنطقة للحصول على التكنولوجيا المتطورة للأغراض السلمية.

وعليه فإنه “يجب الاستمرار في التحرك من أجل جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وعرض الموضوع على مجلس الجامعة العربية لتشكيل لجنة تكلف بإعداد مشروع اتفاقية لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، ووضع تصور عربي مشترك” على حد قول الخبير المصري.

همام سرحان – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية