مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مَـن ينقذ قمَـة دمشق المقبلة؟

تقول بعض المؤشرات إن مستوى تمثيل بعض الدول في قمة دمشق لن يكون على المستوى الأعلى

لا قِـيمة لقمَّـة عربية بدون رئيسٍ للبنان، هكذا قال سعد الحريري في المهرجان الخطابي للذكرى الثالثة لاستشهاد والده رفيق الحريري. ومِـن قبل أكَّـد العاهل الأردني، حين تسلم دعوة نظيره السوري على ضرورة الإعداد الجيِّـد لقمة دمشق المقبلة.

وعبارة “الإعداد الجيد”، رغم حياديتها لا تخلو من معنى بأن الظروف الراهنة غير ملائمة لعقد قمة ناجحة فى دمشق، وأن ثمة عمل كبير لابد من القيام به. أما أبو الغيط وزير خارجية مصر فرأى أن عدم حل الأزمة اللبنانية قد يؤثر على قمة دمشق ذاتها.

سوريا من جانبها، وعلى لسان وزير خارجيتها وليد المعلم، تمنت أن تكون القمة فرصة لحل الإشكالات العربية، ومن بينها إشكالية انتخاب رئيس لبنان الجديد، وأن تؤدي إلى مزيد من التضامن العربي.

وليس بخافٍ أن سوريا تتطلَّـع إلى رئاسة القمة العربية، ولمدة عام، وتتطلَّـع أيضا إلى أن يُـشارك فيها غالبية القيادات العربية، إن لم يكن كلها. فبقدر الحضور بقدر النجاح الرمزي واكتساب المكانة، وأيضا بقدر الردّ على مقولة عزل سوريا عربيا.

وفي مواجهة الآراء التي طرحت حول إمكانية نقل القمة من العاصمة السورية إلى دولة المقر برئاسة سورية، أكَّـدت الجامعة العربية على لسان أمينها العام المساعد، على أن القمة المقبلة ستكون في دمشق وفي موعدها المقرر، أي قبل نهاية شهر مارس المقبل، مع التنويه على ضرورة عدم الربط بين أي أزمة أو مشكلة، وانعقاد القمة في دمشق، وهو ما يمكن اعتباره ردا غير مباشر على دعوة سعد الحريري، التي يمكن النظر إليها باعتبارها أكثر من تهديد مبطَّـن لأطراف عربية ذات وزن، تؤيد رؤية الحريري لحل أزمة الرئاسة اللبنانية.

مساحة من التشكيك المسبق

مثل هذا الحوار العربي، الذي يشتبك فيه أكثر من طرف، يعكس في أحد جوانبه سِـمة تقليدية ارتبطت بعقد القِـمم العربية طوال تاريخها، وهو التشكيك في مساحة تبدأ بإمكانية عقد القمة وتنتهي بالتأكيد على فشل القِـمة، حتى قبل أن تعقد.

وفي كل هذه الحوارات والترجيحات، كان تأزم القضايا العربية سببا كافيا في إثارة الجدل والتشكيك، لكن قمة دمشق تزيد على ما سبق، أن تأزم القضايا العربية المحورية في اللحظة الجارية يمَـس سوريا، وهي دولة الانعقاد، بصورة مباشرة، فهي حاضرة غائبة في القضية الفلسطينية، رغم أن مسارها الخاص مغلَـق منذ زمن، وحاضرة إلى حدّ التورط المباشر في الأزمة اللبنانية، بل يعتبرها كثيرون العامل الرئيسي وراء كل أزمات لبنان ومشكلاته، قبل استشهاد الحريري الأب وبعده.

كما أنها حاضرة، على الأقل من وجهة نظر الولايات المتحدة، في المشكلة العراقية، فضلا عن كونها طرفا مباشرا فيما يُـعرف بالتحالف الإيراني السوري، والذي يعتبره كثيرون الورطة الكُـبرى لسوريا وأحد مداخل إيران في التغلغل عبر النسيج العربي، في حين تراه سوريا أحد عوامل حضورها في السياسة العربية وحماية لها من العزل الطوع والانعزال القسري، الذي تعمل عليه تل أبيب وواشنطن بكل جدّية وإصرار.

وفي هذا السياق الإقليمي، ترد سوريا بأفكار من نوع بناء تحالف إقليمي عريض، يضم كلا من إيران وتركيا والسعودية ومصر، أي يجمع بين قوة شيعية وأخريات سُـنية، ليكون معادلة توازن وتماسك للنظام الإقليمي ككل، الأوسع من النظام العربي، الذي يبدو أقل قدرة على حماية بعض أعضائه.

بيد أن استقبال هذه الفكرة عربيا، يبدو باردا، لأن كل الدول العربية تقريبا ليست بحاجة إلى وسيط في علاقاتها مع أنقرة، كما أن علاقات الغالبية العظمى مع طهران جيِّـدة بشكل عام، وحتى مصر، فتشهد علاقاتها مع إيران تطورا إيجابيا ملموسا، رغم غياب التبادل الدبلوماسي، الذي تراه مصر لا يمثِّـل عائقا أمام علاقات متطورة مع إيران.

الاشتباك المزعج

هذا الحضور السوري والاشتباك مع أكثر من أزمة معقَّـدة بطبيعتها، ومع الأخذ في الاعتبار أن دولة الانعقاد، عادة ما تؤثر في نتائج القمة وخياراتها وقراراتها، يعني أن القمة المقبلة لن تكون حِـيادية، وذلك قياسا على قِـمم عربية سابقة، وهو ما قد يُـزعج بعض الأطراف العربية، التي هي بدورها مشتبكة مع القضايا ذاتها، ولكن في اتجاه آخر أو مختلف عن الاتجاه السوري.

حتى اللحظة مثلا، لا يوجد قرار من أي من الأطراف العربية الكبرى، مثل مصر والسعودية والأردن والمغرب والسودان وغيرهم، بالحضور أو عدم الحضور، لكن بعض المؤشرات تقول إن دولا عربية، حتى وإن حضرت، فلن يكون مستوى تمثيلها على المستوى الأعلى، بمعنى آخر ستحضر، ولكن بمستوى متوسط أو دون المتوسط، في إشارة إلى عدم الارتياح، وبالتالي، عدم الاعتداد بما يخرج من قرارات عن القمة.

وأهمية هذه المسألة ترجع إلى أن القيمة المعنوية لأي قمة مرهونة بعدد القيادات العربية التي تشارك فيها، وهو أمر يهم دمشق كثيرا جدا، لأنه سيمثل نوعا من الردّ المباشر على سياسات الولايات المتحدة بعزل سوريا إقليميا.

أما غياب هؤلاء القادة الكبار، سيعني بصورة ما إضافة للمواقف الأمريكية، وهو ما لا تريده قطعا دمشق.

ورغم أن المخرج المنتظر سيكون عقد القمة بمن يحضر وأيا كان مستوى التمثيل، فإن البعد الرمزي السلبي سوف يصعب إنكاره أو التغطية عليه.

من الخروج الشكلي إلى الموضوعي

إذن، الخروج الشكلي من أزمة القمة لن يضيف كثيرا إلى السياسة السورية، بل على العكس سوف يثير منغِّـصات عدة، لذا، يبدو الخروج الموضوعي من هذه الأزمات المبكّـرة هو الأسلم، والمعنى، أن حلولا لبعض الأزمات التي تشتبك فيها دمشق، ولاسيما الأزمة اللبنانية، قد يساعد على توفير نِـسبة نجاح أكبر للقمة.

وعامل الوقت هنا، والذي لا يزيد عن ستة أسابيع، يمكن توظيفه بقدر من الحِـكمة، ليحقق الهدف المنشود.

فإذا ما انتُـخب الرئيس اللبناني مثلا قبل القمة بشهر أو قامت سوريا بدور إيجابي فى بلورة تفاهم مصري مع حركة حماس بشأن ضبط الحدود مع قطاع غزة أو فتح المعابر وِفقا لتفاهم نوفمبر 2005 أو أقنعت إيران بأن تكون أكثر شفافية في سياساتها تُـجاه القضايا العربية، فالمرجَّـح أن يقنع هذا كثيرا من القيادات العربية بجدوى المشاركة على مستوى عالٍ، لترسيخ تلك الحلول والتفاهمات، وليس لمجرد تحية دمشق على دورها.

إن مهمة سوريا في الأسابيع القليلة المقبلة ليست يسيرة، فهي مهمة محمَّـلة بكثير من الجُـهد والحركة، والمُـهم تحقيق أهداف في مرمى بناء الثقة مع أكثر من بلد عربي. فهل تستطيع دمشق فعل ذلك؟ هذا هو التحدي الأكبر.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

الرياض (رويترز) – قال دبلوماسيون ومحللون يوم الأحد 17 فبراير، إن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، من غير المرجح أن يحضر القمة العربية في سوريا الشهر القادم، إلا إذا تم حسم الأزمة السياسية في لبنان.

وقد يحذو زعماء عرب آخرون حذوه، فيما سيضيِّـع الفرصة على دمشق لدعم وضعها الإقليمي في مواجهة الضغوط الأمريكية عليها “كدولة مارقة”.

وقال دبلوماسي رفيع في الرياض، “ما سمعناه هو أنه إذا لم يكن هناك رئيس للبنان، فإن الملك عبد الله والرئيس المصري حسني مبارك لن يحضرا”.

وقال الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي الشهر الماضي إنه يتعيّـن على سوريا الضغط على حلفائها في لبنان للتوصل إلى اتفاق، وقام بزيارة روسيا وعواصم أوروبية الأسبوع الماضي، فيما قال دبلوماسيون إنه مسعى لحل أزمة لبنان.

وقال إن السعودية تريد إقناع روسيا بإبلاغ السوريين التنحّـي جانبا والسماح بانتخاب رئيس.

وتأجّـل انتخاب رئيس للبنان عدة مرات والبلد بدون رئيس منذ انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود في 23 نوفمبر الماضي، فيما يرجع إلى خلافات بشأن توزيع المحافظ الوزارية في الحكومة الجديدة بين الحكومة المدعومة من الغرب والمعارضة المدعومة من سوريا وإيران.

وقال دبلوماسي ثان، إن السعودية وسوريا ستظلان في صِـدام بشأن لبنان، الذي ترى دمشق أنه أساسي لأمنها القومي، وترى الرياض فيه جزءً من نِـطاق نفوذها. وقال “يصعب التوفيق بين هاتين الرؤيتين”.

وتدنّـت العلاقات السورية السعودية عقِـب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، الزعيم السُـني الذي كانت الرياض ترى فيه رجلها في لبنان.

وتخشى الدول العربية حليفة الولايات المتحدة تنامي نفوذ إيران الشيعية غير العربية، وترى في لبنان ساحة رئيسية لتحجيم الجمهورية الإسلامية.

وسطع نجم السعودية في السنوات الأخيرة باعتبارها القوة العربية الرئيسية، فيما مكّـنت أسعار النفط العالمية المرتفعة، حليف الولايات المتحدة من لعب دور أقوى في التوسط في نزاعات إقليمية.

وقال مصطفي علاني، وهو محلل مقره دبي وله علاقات وثيقة مع السلطات السعودية، إن دمشق تقبّـلت إرسال السعودية لوفد منخفض المستوى إلى القمة، المقرر أن تعقد في أواخر شهر مارس، لكنها تريد تقليص التداعيات.

وقال إن السعوديين سيخفضون مستوى تمثيلهم إلى أدنى مستوى تمثيل ممكن كوسيلة احتجاج، مشيرا إلى أن هذا سيُـشجع آخرين في منطقة الخليج العربي على عدم الذهاب إلى القمة أو خفض مستوى تمثيلهم، مضيفا أن هذا سيكون له تأثير.

وقال إن السوريين يريدون تقليل الأضرار إلى أدنى حد ممكن، وأنهم يريدون تأمين حضور زعماء آخرين، ليُـظهروا للسعودية أن بإمكانها التصرف كيفما يحلو لها.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 17 فبراير 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية