مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اتفاق “يو بي إس” يثير حيرة الصحافة التي تنتظر تسلسل الأحداث

Keystone

على إثر التسوية الودية للمأزق القانوني الذي تخبط فيه اتحاد المصارف السويسرية "يو بي إس" في الولايات المتحدة، أعرب المُعلقون السويسريون في نهاية الأسبوع المنصرم عن اعتقادهم بأن أكبر مصارف الكنفدرالية لا يزال تحت الضغط. أما الصحافة الأجنبية فنوهت إلى أن وجود السرية المصرفية يواجه تهديدات متزايدة وخطيرة.

“من السابق لأوانه الإبتهاج”! بهذه العبارة لخصت الأسبوعية الناطقة بالألمانية “سونتاغ” الشعور الذي ساد صحافة يوم الأحد 2 أغسطس الجاري التي خصصت مجالا واسعا للإتفاق الودي الذي توصلت إليه كل من واشنطن وبرن يوم الجمعة 31 يوليو المنصرم حول قضية اتحاد المصارف السويسرية “يو بي إس”.

فغداة الاحتفال بالعيد الوطني، امتنع المعلقون السويسريون عن الشعور بالنصر، بل حرص العديد منهم على التذكير بأن تفاصيل هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه خارج نطاق القضاء لا يزال يتعين تسويتها بحلول يوم الجمعة القادم 6 أغسطس. مما يعني أن المشكلة لم تنته بعد.

وأضافت أسبوعية “سونتاغ” التي تصدر في زيورخ “لقد باءت الكثير من الاتفاقيات بالفشل لدى التطرق إلى التفاصيل على وجه التحديد”. من جانبها، كتبت أسبوعية “سونتاغس تسايتونغ”، التي تصدر أيضا بالألمانية في نفس الكانتون، أن “المفاوضات مستمرة، وعلى هذا المستوى، لا تزال الكثير من الأمور مفتوحة”.

أية تكاليف بالنسبة للدولة؟

ورغم التساؤلات التي تحيط بالاتفاق، أشادت الصحافة مع ذلك بالعمل المُنجز على الصعيد السياسي والدبلوماسي لإيجاد مخرج لهذه القضية.

وفي تحليلها، كتبت صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الرصينة في نسختها الصادرة يوم الأحد 2 أغسطس: “يُنظر لسويسرا بشكل إيجابي من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، إذ أن خدمات الوساطة والتواصل التي قدمتها (برن) خلال الأشهر والسنوات الأخيرة (في إشارة إلى تمثيل سويسرا لمصالح الولايات المتحدة في عدد من البلدان واتصالاتها مع أطراف لا تربطها علاقات مع أمريكا) أكسبتها احتياطا من العلاوات التي يمكن أن تستفيد منها الآن”.

لكن المعلقين شدّدوا أيضا على انعكاسات سلوك “يو بي إس” على الكنفدرالية. وفي هذا الصدد تساءلت “سونتاغس تسايتونغ” في افتتاحيتها: “بطبيعة الحال، سيتعين على المصرف الكبير تعويض الدولة عن تورطها (في القضية)، لأن “يو بي إس” مـَدينة اليوم للدولة السويسرية، فهل ستقدمون الفاتورة سيد ميرتس؟ (رئيس الكنفدرالية ووزير المالية السويسري – التحرير)”.

وفي هذا السياق، أعربت “سونتاغ” عن اعتقادها أنه “لا يوجد شيء مجاني أبدا مع الأمريكيين”، مشيرة إلى “الثمن المرتفع جدا على الأرجح” الذي تدفعه سويسرا مقابل هذا الإتفاق، ومُضيفة: “لإبعاد المصرف الكبير من خط النار، لا بد أن تكون برن قد رضخت وتجاهلت حقها السيادي الخاص. وقريبا، ستأتي دول أخرى لطرق بوابتنا. وأصحاب السوط داخل الاتحاد الأوروبي يتربصون (بنا) بالفعل”.

نهاية السر المصرفي؟

الصحافة الأجنبية أكدت بدورها على هذا التحذير. ورأت اليومية الاقتصادية والمالية البريطانية “فاينانشال تايمز”، التي خصصت يوم 1 أغسطس الجاري صفحتها الأولى للإتفاق بين سويسرا والولايات المتحدة، أنه إذا ما سلـّم المصرف السويسري عددا كبيرا من أسماء عملائه الأمريكيين، فإن سلطات الضرائب في بلدان أخرى ستعتبره سابقة من شأنها أن تُضعف أكثر السرية المصرفية السويسرية.

من جانبها، اعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” يوم السبت هذا الإتفاق المبدئي بمثابة تنازل من قبل وزارة العدل الأمريكية في إحدى أهم المحاولات التي تمت خلال السنوات الأخيرة لمكافحة التهرب الضريبي نحو المراكز المالية الخارجية، وهو ما وصفته الصحيفة الأمريكية بـ “ضربة مؤلمة” لتلك الوزارة.

أما الجريدة الاقتصادية الإيطالية “إيل سولي فانتي كواترو أوري” (Il Sole 24 ore)، فاختارت كعنوان لمقالها: “يو بي إس تستسلم أمام حكومة الولايات المتحدة”. وأثارت الصحيفة أيضا التكهنات الجارية في سويسرا حول هذا الإتفاق الذي قد يرتبط بفرض غرامة جديدة على “يو بي إس” أو بالكشف عن عدد محدود من أسماء العملاء الأمريكيين.

نقاط مجهولة كثيرة

وزيرة العدل والشرطة السويسرية إيفلين فيدمر-شلومبف أفصحت عن معلومات إضافية في صحافة الأحد إذ أقرت بأنه لا يزال يتعين تسوية التفاصيل “التي تُعتبر مهمة بالنسبة لسويسرا”، موضحة أنه “قد يعاد النظر (في الاتفاق) إذا ما لم نتوصل إلى حل يتطابق مع القانون السويسري”.

وأشارت الوزيرة أيضا إلى أنه لن يتعين على “يو بي إس” تقديم البيانات المصرفية لبعض عملائه الأمريكيين إلا على أساس شبهات مبررة مدعومة بحجج ملموسة، وذلك على إثر تقديم طلب تعاون قضائي جديد.

من جهته، أوضح للصحافة ميكائيل أمبوهل، كاتب الدولة السويسرية الذي يقود الوفد السويسري في المفاوضات مع الولايات المتحدة، بأنه “تمت مراعاة النظام القانوني السويسري لأن الولايات المتحدة تعهدت بالعمل على أساس الاتفاقات القائمة، وبتقديم طلب جديد للحصول على التعاون القضائي”.

غير أن العناصر المجهولة الكثيرة التي لازالت تحيط بالاتفاق ستغذي بلا شك الأسئلة التي ستُطرح يوم الثلاثاء 4 أغسطس بمناسبة عرض نتائج الثلاثي الثاني لمصرف “يو بي إس” والتي يُتوقع أن تكون سلبية. ويذكر أن المصرف دفع في فبراير الماضي مبلغ 780 مليون دولار لوقف أي دعوى جنائية ضده في الولايات المتحدة لمدة 18 شهرا.

كارول فيلتي – swissinfo.ch مع الوكالات

(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)

14 مايو 2008: اتهمت السلطات الأمريكية الموظف السابق لدى اتحاد المصارف السويسرية “يو بي إس”، برادلي بركنفيلد، ورجل أعمال من إمارة ليختنشتاين (المجاورة لسويسرا) بمساعدة مليارديرات أمريكيين على تجنب دفع الضرائب المفروضة على ما قيمته 200 مليون دولار من الأصول المودعة في حسابات مصرفية بكل من سويسرا وليختنشتاين.

أثناء التحقيقات، بلغ بركنفيلد المدعين الأمريكيين بتفاصيل عن ممارسات “يو بي إس” في قسم الصيرفة الخاصة.

30 مايو 2008: طلبت الحكومة الأمريكية من المحكمة الفدرالية في ميامي بأن يُؤذن للسلطات الضريبية الأمريكية باللجوء إلـى الإجراء المعروف باسم “جون دو” (John Doe) الذي يتيح الحصول على معلومات حول احتمالات ارتكاب عمليات تهرب ضريبي من قبل أشخاص لا تُعرف هويتهم. وتحـقّقُ دائرة الإيرادات الداخلية في جملة من الخدمات التي قدّمها اتحادُ المصارف السويسرية “يو بي إس” لحرفاء أمريكيين ما بين عامي 2000 و2007.

وفي الشهر نفسه، قال “يو بي إس” خلال جلسة استماع أمام الكونغرس إنه سيوقف نشاطاته المصرفية التي يقدمها في الخارج للعملاء الأمريكيين. ووافق المصرف السويسري على دفع غرامة مالية بقيمة 780 مليون دولار والكشف عن أسماء بعض الحرفاء الامريكيين لتسوية اتهامات الاحتيال الموجهة إليه.

تعتقد الصحافة السويسرية الناطقة بالألمانية (الصادرة يوم الأحد 2 أغسطس 2009) بأن مصرف “يو بي إس” لن يفلت من أداء غرامة جديدة. ويدور الحديث عن مبلغ قد يصل إلى مليارات الفرنكات.

في المقابل، سيضطر أكبر مصارف سويسرا، دائما حسب تكهنات الصحافة، إلى الكشف عن بيانات حوالي 5000 من عملائها الأمريكيين على أساس تحقيقات أجريت انطلاقا من معلومات مجهولة المصدر مُنحت للسلطات الضريبية الأمريكية.

في فبراير 2009، سمحت السلطة السويسرية لمراقبة الأسواق المالية (FINMA) لمصرف “يو بي إس” بتسليم 250 من أسماء عملائها الأمريكيين.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية