مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

غودار اختار وضع نهاية لحياته لكن الجميع ليسوا سواسية أمام الموت

صورة لجان لوك غودار من الخلف
المخرج الراحل جان لوك غودار في صورة خلفية التقطت له يوم 30 نوفمبر 2010 خلال حفل تقديم جائزة التصميم الكبرى لعام 2010 في مدينة زيورخ. © Keystone / Gaetan Bally

لوك غودار الذي قضى حياته مستكشفا لفضاءات جديدة في عالم السينما، كان وفيا لذلك حتى في مماته. بينما يلجأ في سويسرا أربعة أشخاص إلى الانتحار بمساعدة الغير بشكل قانوني كل يوم، لم تنته النقاشات حول الموضوع في فرنسا وفي العديد من البلدان الأخرى.

في 13 سبتمبر، تم التأكد من الخبر، لقد لجأ جان لوك غودار، عن عمر يناهز 91 عاما، إلى منظمة للمساعدة على الانتحار لإنهاء حياته. “كان الجسد متعبًا، توقف عن الاستجابة”، كما يوضح أحد أقارب المخرج الفرنسي السويسري، “لم يعد بإمكانه العيش بشكل طبيعي بسبب العديد من الأمراض المسببة للإعاقة”.

في سويسرا، يُسمح بالانتحار بمساعدة الغير بشكل قانوني، ولكن بشروط صارمة، حيث يجب ألا تكون المنظمات التي تقدم هذه الخدمة مدفوعة بأي “دافع أناني” وأن يكون لدى الشخص المعني القدرة على التمييز، وأن يتناول المادة القاتلة بنفسه.

رافقت منظمة “أكزيت”، وهي منظمة المساعدة على الانتحار الرئيسية في البلاد، ما يقرب من 1400 شخص في طريقهم إلى إنهاء حياتهم في عام 2021. ولا تقدم “أكزيت” خدماتها إلا للأشخاص المُقيمين في سويسرا وللسويسريين المقيمين في الخارج. في المقابل، توافق منظمات أخرى على مرافقة أشخاص من دول أجنبية، حيث تُحظر هذه الممارسة.

في مايو 2022، شدد اتحاد الأطباء السويسريين شروطه لقبول تقديم خدمة المساعدة على الانتحار، حيث أصبح من النتعيّن الآن على الأطباء إجراء مقابلتيْن على الأقل مع الشخص الذي يرغب في وضع حد لحياته. من جانبه، يجب على المريض أن يُثبت أن معاناته لا تُطاق.

هكذا ذهب غودار ليستقبل الموت بنفسه. الموت، وحتى الموت المنشود، كانا كامنين في كثير من الأحيان في الأعمال العظيمة لهذا المخرج السوداوي. “الموت ولكن بعد نيل الخلود” ، هكذا يقول الكاتب الذي جسده جان بيير ميلفيل في فيلم “الرمق الأخير” (À bout de souffle). أما في “بيارو المجنون” (Pierrot le fou)، يحيط جان بول بيلموندو رأسه بأصابع من الديناميت.

يتحدث غودار عن وفاته في عام 1995 في “JLG / JLG”، “مقبرة فيلم تحمل فيها أشجار الصفصاف الباكية حدادًا المعاناة […] وتعكس الأشجار والبحيرة صورة فصل أخير، الشتاء”، كما كتبت صحيفة لوموند الصادرة بالفرنسية. في عام 2004، صرّح لصحيفة “ليبراسيون” أنه حاول الانتحار بعد عام 1968، “بطريقة غريبة نوعًا ما، حتى ينتبه الناس إليّ”. لقد أخبر أيضًا مجلة “أنروكوبتيبل” ( Inrockuptibles ) الثقافية بأنه فكر عدة مرات في قتل نفسه ولكنه تراجع، “بدافع الخوف”.

 “عندما يتغلب عليّ المرض بشدّة، لا أرغب في أن أُجرّ في عربة يدوية”، هذا ما قاله جان لوك غودار لداريوس روشيبان، في برنامج “باردون- موا” (Pardonne-moi) على قناة الإذاعة والتلفزيون السويسري الناطقة بالفرنسية (RTS) في 25 مايو 2014.

فرنسا: جدل كبير في الأفق

من قبيل الصدفة كان اليوم الذي تم فيه تأكيد انتحار جان لوك غودار، هو اليوم الذي أعلن فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن إطلاق “استشارة عامة واسعة” حول قضايا تتعلق بنهاية الحياة، و”حول إطار قانوني جديد محتمل”.

في فرنسا، يحظر قانون كلايس – ليونيتّي Claeys-Leonetti لعام 2016 المساعدة على الانتحار، لكنه يسمح “بالتخدير العميق والمستمر حتى الموت” للمرضى المصابين بأمراض مميتة والذين يعانون من معاناة شديدة. ومؤخراً، خففت اللجنة الاستشارية للأخلاقيات موقفها، وستكون مستعدة لقبول “المساعدة النشطة على الموت”، ولكن فقط في ظل “شروط صارمة”.

لذلك ستكون هناك نقاشات في جميع أنحاء البلاد، تنظمها الفضاءات الأخلاقية الإقليمية، “من أجل الوصول إلى جميع المواطنين والسماح لهم بالتوصل إلى المعلومات الكافية والتفكير، ومن ثم الحكم على القضايا المتعلقة بنهاية الحياة”، بحسب ما أكد البيان الصحفي الصادر عن الرئاسة الفرنسية. كما ستُجرى مشاورات مع فرق الرعاية التلطيفية ومع النواب وأعضاء مجلس الشيوخ.

من أجل تعديل القانون، يفكر إيمانويل ماكرون في إجراء استفتاء عام، سيكون الأول من نوعه منذ وصوله إلى الإليزيه في عام 2017.

في أماكن أخرى من العالم

حاليًا، تسمح عشر دول بالانتحار بمساعدة الغير بشكل قانوني، كما يُسمح بالقتل الرحيم المباشر النشط في إسبانيا وهولندا ولوكسمبورغ، وبلجيكا، وكندا، وكولومبيا.

ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين يرغبون في إنهاء حياتهم يواجهون العديد من العقبات قبل أن يتمكنوا من الاستفادة من هذه المساعدة. في معظم البلدان التي تسمح بالانتحار بمساعدة الغير، يقتصر الأمر على البالغين المصابين بمرض عضال. ولا توفرّ إلّا هولندا وبلجيكا “حق الموت” للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا.

في معظم البلدان، لا سيما في آسيا والشرق الأوسط، يظل الانتحار بمساعدة الغير المباشر والقتل الرحيم من المحرمات، لأسباب دينية أو ثقافية بشكل أساسي.

>> هذه قائمة الدول التي قررت، على غرار سويسرا، تقنين الانتحار بمساعدة:

المزيد
 نشطاء مؤيدون للموت الرحيم

المزيد

أين يُسمح بـ “القتل الرحيم” أو بالمُساعدة على الانتحار؟

تم نشر هذا المحتوى على في العشرية الأخيرة، سمحت المزيد من البلدان والقرارات الصادرة عن المحاكم بتقديم المساعدة على الانتحار أو بما يُعرف بالقتل الرحيم.

طالع المزيدأين يُسمح بـ “القتل الرحيم” أو بالمُساعدة على الانتحار؟

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: كاورو أودا

إلى أي مدى تعتقد أن “الانتحار بمساعدة الغير” يجب أن تكون خيارًا متاحًا قانونيًا لمن يرغب بإنهاء حياته؟

شرّعت سويسرا الانتحار بمساعدة الغير في أربعينيات القرن الماضي. وينهي أكثر من 1000 شخص يعانون من مرض أو إعاقة خطيرة حياتهم بهذه الطريقة في سويسرا كل عام.

5 إعجاب
254 تعليق
عرض المناقشة

تحرير: سامويل جابيرغ

ترجمة: ثائر السعدي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية