مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التفاهم الثقافي أساس جيد لعلاقات اقتصادية مستدامة

منير خزامي، رئيس الشبكة العربية السويسرية يتحدث إلى الضيوف خلال إحدى الندوات التي أقامتها الشبكة خلال عام 2015. swissarab network

يبحث كثيرون في سويسرا عن السبل الكفيلة بإقامة علاقات تجارية وعقد الصفقات أو الإشتراك في إنجاز مشاريع واعدة مع المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال العرب عموما والخليجيين منهم بوجه خاص، لكن المسألة لا تقتصر اليوم على البُعد المالي أو التقني بل تشتد الحاجة في هذه المرحلة بالخصوص إلى اطلاع جيد على ثقافة الطرف المقابل وأسلوب تفكيره من أجل تفاهم أفضل وضمان أقصى حظوظ النجاح في هذا المجال. ومن أجل تحقيق هذا الهدف تحديدا، أسس بعض العرب المقيمين في الكنفدرالية "الشبكة السويسرية العربية".

في العادة، يُطلق على كل من يتحدث اللغة العربية لفظ “عربي”، لكن ثقافات البلاد العربية ليست نُسخا مكررة من بعضها البعض، فكما أن لفظ “أوروبي” يُطلق على كل من ينتمي إلى قارة أوروبا إلا أنه لا توجد ثقافة أوروبية مُوحّدة، فثقافة السويسري تختلف عن ثقافة الألماني وهكذا دواليك.

ومثلما يحتاج العرب المقيمون في سويسرا إلى فهم ثقافة شعبها وحسن استيعابها حتى يتسنى لهم الإندماج في المجتمع المحلي، يحتاج السويسريون أيضا إلى معرفة ثقافة العرب حتى يتسنى لهم التعامل معهم في عدد من المجالات كالإقتصاد والسياحة. وكما أن لكل بلد أوروبي ثقافته الخاصة، فإن لكل بلد عربي ثقافته المنفردة على الرغم من أن منبع اللهجات العربية واحد ولكن الإختلاف في الثقافة يظل قائما بين بلد وآخر.

الشبكة السويسرية العربية 

تضم الشبكة حاليا حوالي 100 عضو، الجزء الأكبر منهم شركات ومنظمات في البلاد العربية وسويسرا إضافة إلى أعضاء فرديين.

مبدئياً، ترحب الشبكة بكل شركة وبكل شخص في سويسرا وفي الدول العربية، لكن “يجب أن يفهم العضو ما هي العلاقة بين العالم العربي وسويسرا، ويجب أن يكون لائقاً”، كما يقول رئيسها.

يُمكن تسجيل العضوية مباشرة على الموقع الخاص بالشبكة وإثر ذلك يتلقى العضو نشرات دورية تعلمه مُسبقا بمواعيد المناسبات المبرمجة. 

يتحصل الأفراد المشتركون على معلومات تتعلق بالوفود المشاركة في المناسبات المبرمجة إضافة إلى إجابات مفصلة على أسئلتهم وبيانات تُساعدهم على التواصل. 

تُدرج الشركات العضوة على موقع الشبكة مُرفقة بالصولجان الخاص بها، وهو ما يُمكن أن يُفيدها لدى القيام باستثمارات في الدول العربية. 

“يجب علينا أن نتحرك”..

في مدينة زيورخ، تأسست قبل ثلاثة أعوام الشبكة السويسرية العربيةرابط خارجي التى تسعى حسب القائمين عليها إلى “ربط ثقافة سويسرا مع ثقافة كل بلد عربي على حِدَة”. وفي لقاء مع swissinfo.ch، يقول رئيسها منير خزامي “نشأت الفكرة وقت بدء الأحداث في البلدان العربية بعدما قام الإعلام الغربي في الكتابة بطريقة سلبية عن العالم العربي. حينها سألت نفسي ماذا أستطيع فعله؟ بدأت بالبحث في الشبكة العنكبوتية عن العرب في سويسرا والتقيت بالعديد منهم وقلت لهم يجب علينا أن نتحرك ونغيّر شيئاً. فالكثير من العرب لا يعلمون عن إمكانيات الجزء الناطق بالألمانية في سويسرا ولا من أين يبدأون”.

بعد عدة لقاءات، اتفقت المجموعة على العمل من أجل تعميق وتطوير الصداقات القائمة بين البلدان العربية وسويسرا. ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ يُجيب خزامي قائلا: “أولاً من خلال بناء شبكة لربط الشركات من هنا وهناك. ثانياً ومن الناحية الثقافية، من خلال التوضيح بأن كلمة عربي ما هي إلا مُصطلح لا يختلف عن كلمة أوروبي”.

ويضيف: “مرت الآن ثلاث سنوات وحققنا نجاحاً أكثر مما كان متوقعا. فلدينا حاليا شبكة من الشركات في سويسرا منها البنوك والشركات الخاصة. وكما هو معلوم، فكل شيء يرتكز على العلاقات وخاصة في المجال الإقتصادي”.

خزامي أوضح أيضا أن الشبكة “تضم الجميع” وأنها “تعمل مع وزارات سعودية ووزارة الخارجية السويسرية للنظر وشرح كيفية سير الأعمال من ناحية ثقافة كل بلد على حدة”. إضافة إلى ذلك تنظم الشبكة محاضرات “من أجل التعريف بالثقافة والأعمال فى البلدان العربية”، وذلك “بالتعاون مع مدينة فينترتور”، كما تقدم الدعم إلى الشركات في جهودها الرامية إلى “إنشاء شبكة تواصل” مع نظيراتها العربية أو السويسرية.

أسباب مُساعدة على النجاح

يعتقد منير خزامي أن السبب الكامن وراء النجاح الذي تمكنت الشبكة من تحقيقه حتى الآن يكمُن في أن “الجزء الأكبر من أعضاء شبكتنا هم من العرب الذين وُلِدوا أو تربّوا هنا”، وأضاف “نحن نهدف إلى أن نَكبُر مع الشركات التي لها علاقة مع الدول العربية”.

في السياق، يؤكد محدثنا أن “الكثير من السويسريين يبحثون عن الأغنياء العرب لأنهم يُريدون إقامة علاقات معهم، وهؤلاء العرب موجودون هنا، فلهم أعمالهم وبيوتهم الفخمة ولكن ليس من السهل الوصول إليهم وإقامة علاقات معهم”. فعلى سبيل المثال، “هناك أصحاب محلات الساعات، وأصحاب شركات الطيران الخاصة وغيرهم.. هؤلاء يبحثون دائماً عن العلاقات مع العرب الأثرياء. لكننا منفتحون أيضاً على الجنسيات الأخرى ولدينا الكثير منهم”، على حد قوله.

عمليا، يقول خزامي: “نحن نجمع كل الأطراف ونعرفهم على بعضهم البعض. فعلى سبيل المثال، لدينا أحد الأعضاء في دبي. يسألنا أحدهم سأسافر إلى دبي هل تعرفون أحداً هناك؟ إنها عملية تبادل أكثر منها من عملية ربط. محاضرات لقاءات ومشاريع (من يُريد إجراء مسح والقيام بدراسة جدوى في بلد معين نُعرّفه على من يقوم بذلك ونساعده)”.

ومن بين المؤشرات الأولية التي يرى فيها دليلا على نجاح التجربة، يُلفت خزامي إلى أن “محاضراتنا كاملة الحجز غالباً. أما الدعاية فتتم من خلال ما يتناقله الأشخاص فيما بينهم. فهذا سعيد بعملنا وينصح بِنَا لدى الآخرين. أما الإعلام والذهاب إلى الشركات والتعريف بأنفسنا، فهذه أمور لم نقم بها. كل شيء يدور حول أن الناس ينصحون بِنَا”، أما الأهم فهو الآتي: “لكي أعمل شيئاً في بلد مُعيّن يجب أن أفهم ثقافة ذلك البلد”.

فعلى سبيل المثال، “كانت المحاضرة المتعلقة بالخدمات المصرفية العربية التي تابعها أكثر من مائتي مشارك أفضل ما نظمناه من لقاءات. فقد شملت توضيحاً للإستثمار والثقافة. هناك شَعَر الجميع بالفرق بين الثقافة السعودية والقطرية والكويتية وكيفية التعامل مع كل واحدة منها”، كما يقول خزامي. 

من هم أعضاء مجلس الإدارة؟

عند البداية، كان عدد المؤسسين ثمانية أشخاص، أما اليوم فيقتصر مجلس إدارة الشبكة على أربعة أفراد فقط يعمل جميعهم في مهن وتخصصات مختلفة بدوام كامل وهم على التوالي:

سليم حبلي (32 سنة) تونسي مولود في سويسرا، درس القانون ويعيش الآن في دبي، وهو ممثل الشبكة هناك.

عمر لحياني (43 سنة) سويسري من أصل مغربي، يعمل مديرا لشركة برمجة في سويسرا ولديه شركة أخرى في المغرب.

خلدون ضياء الدين (56 عاما) سويسري من أصل سوري، يشغل منصب رئيس قسم الشرق الأوسط في جامعة زيورخ للعلوم التطبيقية.

منير خزامي (34 سنة) سويسري من أصل مغربي، درس في فينترتور في مجال “المنظمات غير الربحية”، كما سبق له أن درس في نيويورك وعمل في أحد مصارفها. 

عموما، يُحاول القائمون على الشبكة طرح مواضيع جديدة على مستوى المحاضرات والندوات من أجل مواكبة التطورات الجارية “فعلى سبيل المثال، يقول رئيس الشبكة، طرحنا مؤخرا موضوعاً عن أكل الحشرات في البلاد العربية وفي سويسرا، بمشاركة متخصصين في هذا المجال. واتضح للمتابعين بالمناسبة أن أكل الجراد مذكور في القرآن وأنه أيضاً حلال ويأكله البدو”.

إضافة إلى ذلك، تقوم الشبكة السويسرية العربية بـ “تنظيم لقاءات خاصة لا يزيد عدد المشاركين فيها عن 15 شخصا يقتصر الأمر فيها على التعارف والتبادل فقط ولا يتم فيها إلقاء محاضرة”. 

في كل الأحوال، يُؤكد خزامي أنه يسعى رفقة شركائه إلى توسيع نشاطهم “من أجل أن يتحوّلوا إلى مؤسسة”، مضيفا أن “العالم العربي يعلم أن لديه أصدقاء كثيرين في سويسرا، ونحن نريده أن يعرف أن لديه هنا أيضا شبكة للتواصل”.

“جسر بين سويسرا والبلدان العربية”\

من خلال هذه التجربة، يرى خزامي أن السويسريين “منفتحون عموما على كل ما هو غريب، فهم يسافرون كثيراً ويحبّون المفاجآت. بالطبع هناك منهم من يقول “لا أريد أن أختلط بهؤلاء الناس وأشياء أخرى من هذا القبيل”، لكنه يعتقد مع ذلك أن “لديهم قابلية لتغيير آرائهم”.

صحيح، أن البعض منهم يختزل الأمور في بعض الصور النمطية، وتوجد لديه بعض المخاوف والتحفظات، لكنه يستدرك قائلا: “نوضح على سبيل المثال أنه إن لم ينظر العربي إلى عيون محدثته الأوروبية، فإن ذلك لا يعني بتاتا عدم الإحترام لها، بل هو الإحترام بعينه” من وجهة نظره.

في معظم الأحيان “لا يعرف الناس الخلفية الثقافية للآخر”، كما يقول رئيس الشبكة السويسرية العربية الذي كان يأمل في أن يتسع إشعاعها بوتيرة أكبر، إلا أن الأحداث المؤسفة التي تحصل من حين لآخر (تفجيرات بروكسل وعمليات باريس الإرهابية على سبيل المثال) تُوجب على القائمين عليها إنفاق وقت أكبر في توضيح الأمور والإجابة عن التساؤلات التي ترد عليهم. وهنا يؤكد خزامي أن أعضاء الشبكة لا يهتمون بتوضيح ما هو سياسي أو ديني “ولكننا نشرح ماهية الأمور (كالسياحة الحلال مثلا وما يحتاجه هذا الصنف من الضيوف)، ولا نُـدلي بآراء”، على حد قوله.

لدى سؤاله عما يُمكن أن تقدمه الشبكة السويسرية العربية للمهاجرين العرب المقيمين في سويسرا، يُذكّـر خزامي بأن المهاجر العربي الذي يقدم إلى سويسرا ويعيش فيها عادة ما يندمج أسرع من نظرائه في أي دولة أوروبية أخرى، ومع إقراره بأن منظمته “لا تستطيع تقديم كل شيء”، يؤكد أنه “لانريد ولانستطيع عمل كل شيء”، على حد قوله.

يبقى الأساس أن توفر الشبكة السويسرية العربية “منصة لربط المستثمرين والإستثمارات وتقديم المعلومات المهمة، فهناك العديد من الأشرطة القصيرة المنشورة على موقعنا للتعريف بالإستثمارات في البلاد العربية، وبما يحدث من نشاطات عربية (بما فيها الثقافية) هنا في سويسرا”.

وماذا عن المستقبل؟ يُجيب خزامي: “نحن الآن رابطة تتأسس على الأعضاء، فمن يعمل لدينا يقوم في الأساس بعمل تطوعي. ونحن نسعى لأن نتخصص أكثر. أما تمويلنا فهو يتأتى أساسا من تبرعات الأعضاء وهذا ما يُساعدنا على أن نبقى حياديين”، لكن هذا لا يمنع من بذل مزيد من الجهد لمحاولة “ربط منظمات كبيرة مع بعضها البعض والعمل معها أيضاً. كما نسعى إلى إحضار العديد من الوفود العربية إلى هنا وإقامة جسر بين سويسرا والبلاد العربية”، على حد قوله.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية