مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا بلد إنتاج الحليب: مهنة في خطر

جبنة
الجبن السويسري: باهض الثمن Keystone / Jean-christophe Bott

ستتجاوز واردات سويسرا من الأجبان الأجنبية حجمَ صادراتها من الأجبان المحلية لأوّل مرة في تاريخ البلاد خلال هذا العام. وهو ما يمثّل اختلالا في التوازن يهدد الخبرة السويسرية في هذا القطاع، وذلك نظرًا لتوقف المزيد من منتجي الحليب عن العمل.

أدلى بوريس بوري، رئيس جمعية منتجي الحليب (Swissmilk)، بتصريح كان له وقع الصاعقة، وذلك خلال مقابلة صحفيةرابط خارجي مع صحيفة “لوتون” اليومية الناطقة بالفرنسية في شهر يوليو الماضي. وأعرب خلال هذا التصريح عن أسفه لاستيراد سويسرا لأول مرة في عام 2023، كميات جبن (بالأطنان) تفوق ما ستصدّره. ويقول الجوراسي البالغ من العمر 46 عاما: “لقد تلقيت تعليقات على هذا الخبررابط خارجي من جميع أنحاء العالم، وتأثر به سويسريون مغتربون في لاس فيغاس “.

وتؤكد مونيك بيروتيه، من الشركة السويسرية لتسويق الأجبان، الرابطة المنظمة لصناعة هذا المنتج، هذا التغيّر بقولها: “لقد تقلص الفرق بين الواردات والصادرات منذ تحرير الأسواق في عام 2007. والأجبان المستوردة أرخص بكثير من المنتجات السويسرية”.

محتويات خارجية

يضيف بوريس بوري: “عندما جرى تحرير سوق الجبن قبل 16 عاما، وصلت الأجبان إلى متاجرنا – من هولندا، على سبيل المثال – وهي أقل تكلفة بنسبة 30٪، وتتزايد مبيعاتها باستمرار”. ويفرض منطق التجارة الحرة إمكانية تصدير الأجبان السويسرية في المقابل، لكن المبيعات الدولية للمنتجات السويسرية باهظة الثمن، وهي تستهدف سوقًا بعينها، لا تزال محدودة.

تراجع عدد المزارع

يدفع الانخفاض في الصادرات المزيدَ من منتجي الحليب إلى التوقّف عن الإنتاج. ويُضاف إلى ذلك سعر الحليب الذي يعتبره القطاع منخفضا للغاية. ورغم ارتفاع سعر منتج الحليب بشكل مستمر منذ عام 2009، إلا أنه كان 75 سنتًا للكيلو في عام 2022، وهو أقل بكثير من سعر فرنك واحد الذي يطالب به المنتجون. وفي هذا الصدد، يشرح بوريس بوري بأن “السعر الحالي لا يغطّي تكاليف الإنتاج. ولا يربح المزارعون والمزارعات أي شيء، مما يدفعهم إلى إغلاق مزارعهم”.

ونتيجة لذلك، ينخفض عدد المزارع في صناعة الألبان بوتيرة أسرع بمرتين مقارنة بالقطاعات الزراعية الأخرى. وقد تراجع عددها، بين عامي 1950 و2022، بنسبة 87٪، حيث انتقل من 138380 إلى 17603، وفقا لتقرير 2022رابط خارجي، الصادر عن جمعية منتجي الألبان. ومع استمرار هذه الوتيرة، لن تبقى سوى 2000 مزرعة بحلول عام 2095.

وتثير هذه التوقعات مشاعرَ الحزن لدى السكان لأن إنتاج الحليب يرتبط ارتباطا وثيقا بالهوية السويسرية. ويفسَّر هذا التقليد أولا وقبل كل شيء بالتضاريس الوعرة للبلد والتي لا تسمح بزراعة الحبوب في مناطق واسعة. يبتسم بوريس بوري شارحًا أن “المناخ السويسري مناسب أيضا للأراضي ذات العشب الكثيف، والتي تمثل حوالي 80 ٪ من الأراضي الزراعية. ولتحويل العشب إلى منتجات غذائية، لم نجد بعد أفضل من الأبقار القادرة على تحويله إلى حليب”.

الإعانات بزيادة هامش الربح

ينطوي الإنتاج في سويسرا على تكاليف أعلى بكثير من تلك التي يتكبّدها المنافسون الأجانب. ويمكن إرجاع ذلك إلى عدة أسباب، فالمزارع في سويسرا صغيرة، ولا يتجاوز متوسط ماشيتها 29 رأسا من البقررابط خارجي، لحوالي ثلاثين هكتارا. ويجعل ذلك من المستحيل تحقيق أرباح تضاهي ما يحصل عليه المزارع في إسبانيا، على سبيل المثال، مع قطعان تتكون من حوالي 400 بقرة. يُضاف إلى ذلك بالطبع ارتفاع تكلفة اليد العاملة، وضغط الرسوم السويسرية، مقارنة مع  الدول الأخرى.

يبرز أورس نيغلي، رئيس معهد العلوم الزراعية في فريك، في كانتون أرغوفي، جودة قطاع الأجبانرابط خارجي، بشهادة المركز السويسري للخبرة في مجال بحوث الزراعة والتغذية (Agroscope) قائلا: “تحافظ سويسرا على مزارع خاصة لإنتاج حليب طازج فريد من نوعه في العالم. ومع مع انتشار الزراعة العضوية في التسعينات، زاد الأجبان، خاصة بفضل المزارع الصغيرة وعمليات التحويل في المزرعة”. ومع ذلك، فإن الظروف الحالية تعرّض هذه الخبرة للخطر.

ونعلم مع ذلك أن حوالي 20٪ من دخل المزارعين والمزارعات، يأتي من الإعانات والمدفوعات المباشرة التي تقدّمها الكنفدرالية السويسرية. ولن تستمر العديد من المزارع في الإنتاج دون هذا الدعم الرسمي. حيث يبيّن بوريس بوري أنّ: “هذه الأموال ليست هدية، ولكنها ترتبط بمواصفات دقيقة للغاية يتعين التقيد بها، من حيث المناظر الطبيعية والتنوع البيولوجي وجودة المياه، على وجه الخصوص”.

السكوت المطبق بشأن أرباح الموزعين

وفقا للمكتب الفدرالي للزراعة (OFAG)، تمثل سلسلتا التجارة بالتجزئة،  كوب و ميغرو (جنبا إلى جنب مع شركتها الفرعية دينير) 76٪ من مبيعات المواد الغذائيةرابط خارجي (أرقام 2020). لذلك من الواضح أن تلك الشركات في مركز قوة عندما يتعلق الأمر بالتفاوض على الأسعار.

يصرّح تييري* وهو منتج في كانتون فريبورغ: قائلا: “إذا كانت مزرعتي مستمرة في العمل، فذلك بفضل الإعانات الزراعية فقط. وسياسة الموزعين في مجال تحديد الأسعار، هي ذات بعد قصير الأجل. ولا يمكن للنظام أن يعمل طالما أن الأسعار لا تغطي تكاليف الإنتاج”. وفي قرية تييري، تقلّص عدد منتجي الحليب من اثني عشر مزرعة إلى أربع فقط، خلال السنوات العشرين الماضية. ويضيف المزارع بأسف “ميزان القوة بيننا وبين كبار شركات تجارة التجزئة غير متوازن بالمرة”.

ويلتزم الموزّعون الصمتَ حيال كيفية تحديد حصتهم. لذلك من الضروري الاعتماد على التقديرات. وقد كشف استطلاعرابط خارجي، نشرته صحيفة “لوتون” في يونيو 2023 عن هوامش إجمالية للربح تتراوح بين 46 و 57٪. وعلى سبيل المقارنة، بلغ هامش الربح الإجمالي في قسم الألبان في فرنسا 24.3٪ من المبيعات، وفقا لتقرير عام 2022رابط خارجي،  الصادر عن المرصد الفرنسي لتحديد الأسعار وهوامش الربح. ونتيجة لذلك، تضغط فدرالية المستهلكين في المناطق السويسرية الناطقة بالفرنسية، من أجل تعزيز الشفافية، بشأن الأرباح المتعلقة بالسلع الغذائية.

ويأتي الرد من كاسبار فري المتحدث باسم شركة كوب قائلا: “تدفع شركتنا أسعارا تتماشى مع السّوق، وتعامل المزوّدين بإنصاف. ونحقق ربحا نسبته 1.7 سنت مقابل كل فرنك من قيمة المبيعات، وهو رقم متواضع مقارنة بالشركات الربحية الأخرى”. أمّا تريستان سير، المتحدث باسم سلسلة ميغرو التجارية، فأجاب بأنه: “تحقق الشركات في قطاعات أخرى، هوامش ربح نسبتها  10٪ أو أكثر، من دون الاضطرار للكشف عن التكلفة الخاصة بها. لماذا يجب أن تكون شركات تجارة التجزئة هي المجموعات الوحيدة التي يجب أن تكون شفافة؟”.

أبقار
في سويسرا، يقال إن الأبقار سعيدة. هذا بالطبع يرفع سعر الحليب. Keystone / Jean-christophe Bott

المسؤولية الفردية

يتفق المنتجون على أن ضمان مستقبل قطاع الألبان يقتضي توزيعا أفضل للأرباح.، حيث تقول مونيك بيروتي: “يساهم إنتاج الحليب إلى حد كبير في تحقيق السيادة الغذائية لبلدنا، وهو جانب تجلت أهميته مؤخرا مع أزمة كوفيد والحرب في أوكرانيا. لكن لن يتسنى الحفاظ على هذا الإنتاج، إلا إذا كان كل طرف فاعل في سلسلة القيمة مستفيدا”.

ومن أجل العودة إلى المسار الصحيح، يخاطب بوريس بوري المستهلكات والمستهلكين بالقول: “للخيارات الفردية تأثير كبير على حالة المنتجين. ومن الضروري أن يعرف الناس ما الذي يشترونه عندما يفضّلون جبن ايدمير الهولندي على غرويير  السويسري “.

وفقا للمعايير المعمول بها في هولندا، على سبيل المثال، ليس لكل الأبقار مكان للاستراحة في الاسطبلات. لكن القانون السويسري ينص على ذلك بشكل رسمي. كما أن معايير حماية المياه هي أيضا أقل تقييدا بكثير. ويختتم بوريس بوري قوله بالإشارة إلى أنه: “في المحصلة النهائية، الزبائن هم الذين لديهم الكلمة الأخيرة”.

* اسم مستعار، وهوية الشخص معروفة لإدارة التحرير

ترجمة: مصطفى قنفودي 

يشير أورس نيغلي وهو مهندس زراعي سويسري مشهور دوليا إلى أنه «نتيجة للحرب في أوكرانيا، انخفضت حصة المنتجات العضوية في السوق بشكل طفيف في جميع أنحاء أوروبا، بعد 20 عاما من النمو. وقد استقرت هذه النسبة عند حوالي 8٪ من مجموع الانتاج”. وبلغت نسبة المنتجات العضوية في سوق الألبان السويسرية 9٪.رابط خارجي ، في عام 2022.

هذه المنتجات أغلى ثمنا لأن الإنتاجية أقل بنسبة 5-15٪ ، مقارنة بالإنتاج العادي. “إن استخدام الأعلاف المركّزة الأرخص هو في الواقع محدود للغاية (بحد أقصى 5٪ من حصة العلف). ويستخدم قطاع الألبان العضوية الأبقار التي يتم تحسين جيناتها من أجل نوعية حياة أفضل لها، بدلا من الزيادة إلى أقصى حد في إنتاج الألبان”.

يلعب طول عمر الحيوانات دورا، لأن الأبقار لن تذبح بعد الرضاعة الثالثة، كما هو الحال في مزارع تربية الأبقار بشكل غير تقليدي.

كما يؤثر الاستخدام المعتدل جدا للمضادات الحيوية أيضا على الإنتاج


متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية