مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مقدمو الرعاية الأسرية في سويسرا يحتاجون إلى الاعتراف والدعم

امرأة تقف أمام علم سويسرا وتوجه التحيى للحاضرين
سلطت الاستقالة المفاجئة لعضوة الحكومة الفدرالية سيمونيتا سوماروغا (وسط الصورة) الضوء على مقدمي الرعاية في سويسرا. Keystone / Anthony Anex

يُعاني مقدمو الرعاية الأسرية من أوضاع لا يُحسدون عليها، حيث لا يمنح سوى عدد قليل من الكانتونات الدعم المالي لهذه الفئة من السكان. لكن خططا لا تزال في أطوارها الأولى تهدف إلى وضع صياغة أفضل لتأطير هذا الدعم الأساسي لمُواجهة شيخوخة السكان ونقص العاملين في القطاع الصحي.

في شهر نوفمبر 2022، سُلّطت الأضواء بشكل مفاجئ وغير متوقّع، على العبء الذي يتحمله مقدمو ومقدمات الرعاية الأسرية في سويسرا بعد اضطرار إحدى الوزيرات في الحكومة الفدرالية إلى الإستقالة لهذا السبب تحديدا. فقد غادرت الاشتراكية سيمونيتا سوماروغا منصبها كوزيرة للبيئة والنقل والإتصالات بعد إصابة زوجها بجلطة دماغية.

وسائل الإعلام رأت في هذه الإستقالة “تضحية”، بينما رأت الوزيرة نفسها في ما حدث “صدمة” و”تدشين مرحلة جديدة في حياتها”، مضيفة بأنه “لا يُمكنها العمل بالطريقة التي اعتادت عليها في ظل الظرف الحالي”. ولكن ترك وظيفتها من أجل رعاية أحد أفراد أسرتها ليس حلا مُتاحا للجميع.

+ عضوة في الحكومة الفدرالية تعلن تنحيها عن منصبها

وضع قانوني بحاجة إلى توضيح

في سويسرا، تناهز نسبة مقدمي الرعاية الأسرية للأقارب الـ 15%، وأغلبهم من النساء، وهم يقومون بذلك بشكل طوعي في أكثر الحالات. وفي ظل النقص الحاد في عدد العاملين في قطاع الرعاية الصحية، فإن تفاني هؤلاء يخفف العبء عن المستشفيات ودور المسنين. يحدث هذا بينما لا يزال وضعهم القانوني غير معترف به.

وأظهرت دراسة أنجزتها نقابة العمل السويسرية (اختصارا Travail.Suisse) وجامعة برن للعلوم التطبيقية، أن ما يناهز واحدًا من بين كل خمسة أشخاص يُمارسون نشاطا مهنيا يقدمون أيضا رعاية لأحد البالغين أو إحدى البالغات من الأقرباء. لكن الثلث فقط من هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم 860000 يتلقون دعما من صاحب العمل. ويقدر المكتب الفدرالي للصحة العامة أن ما يصل إلى 1.4 مليون شخص من جميع الأعمار يقدمون هذا الصنف من الرعاية.

مع ذلك، فقد تحسّن وضع هذه الفئة إلى حد ما منذ عام 2021 إثر إعتماد تشريع جديد في المدوّنة القانونية السويسرية يمنح  إجازة قصيرة الأجل (3 أيام مدفوعة الأجر) لأفراد الأسرة الذين لديهم مريض في العائلة وإجازة مدفوعة الأجر لوالديْ الأطفال المصابين بأمراض خطيرة أو المصابين في حوادث تمتد لأربعة عشر أسبوعا. وفي شهر أبريل 2023، سيكون على اللجنة الفدرالية للصحة العامة أيضًا مناقشة الحاجة إلى تحديد الوضع القانوني لهذه الفئة على المستوى الوطني.

الأثر على الصحة وعلى الحياة الاجتماعية

يعترف ريمي بينغود، رئيس جمعية مقدمي الرعاية للأقارب في كانتون فو بأن سويسرا “لا تزال بعيدة عن بلورة أساس قانوني على المستوى الوطني، أو حتى على مستوى الكانتونات، يوفّر تغطية مالية لهذا العبء».

وتقوم الجمعية التي يرأسها بعمل تحسيسي ميداني من خلال زيارة الشركات، بهدف توعية القطاع الخاص بالمشاكل التي قد تنجرّ عن تقديم الرعاية الأسرية لأحد الأقارب المحتاجين للدعم كفقدان الأجر الشهري أو تراجع الاشتراكات في المعاشات التقاعدية المهنية. يقول ريمي بينغود: «بالنسبة للأشخاص النشطين، فإن الأولوية هي الاتفاق مع صاحب العمل على الجدول الزمني لتجنب الاضطرار إلى خفض أوقات العمل وعدم خلق فجوات في مُساهمات معاشاتهم التقاعدية». ثم يضيف: «من بين 86000 مقدم رعاية في كانتون فو، لا يزال حوالي 60٪ منهم ناشطين في سوق العمل».

وفي السياق، أطلق كانتون فو  خطة دعم معنوي لهذه الفئة، ويتلقى خط هاتفي ساخن وُضع على ذمتهم حوالي 1500 مكالمة سنويًا، وقد تضاعف هذا الرقم خلال عشر سنوات، كما تسّجل عيادات الطب النفسي الإقليمية أكثر من 1700 استشارة سنويًا.

من جهة أخرى، تم تخصيص أكثر من سبعة ملايين فرنك كمساعدات مالية كانتونية، وبنفس المبلغ أيضا لتغطية خدمات الدعم  في كانتون فو في عام 2019 . هذا ويتم إنفاق عُشُر الاستحقاقات المالية على فقدان الأرباح، ولكن من دون تقديم تعويض مباشر.

تأثير “طفرة المواليد”

منذ عام 2019، جعلت جماعة الضغط المدافعة عن مصالح مقدمي الرعاية داخل الأسرة (اختصارا CIPA) من ضمن مهامها أيضًا التعبير عن مخاوف وانشغالات منظوريها على المستوى الوطني. وتريد جماعة الضغط هذه التي تتألّف من الجمعيات وأصحاب المصالح من العاملين في القطاع الصحي (من بينها على سبيل المثال “برو إينفيرميس Pro Infirmis ورابطة السرطان Cancer League وغيرها..) أو مقدمي الخدمات أن تكون مؤثرة في المناقشات السياسية على المستويين المحلي والفدرالي.

وتنطلق جماعة الضغط CIPA من قناعة تفيد بأنه سيكون هناك لجوء متزايد لخدمات مقدمي الرعاية للأقارب في سويسرا، هذا البلد الذي يوجد فيه أحد أعلى متوسط الأعمار المتوقع في العالم (81.6 سنة للرجال و 85.7 سنة للنساء).

ومع وصول جيل طفرة المواليد إلى التقاعد، ستزداد الحاجة إلى الرعاية المنزلية أكثر فأكثر، تقول جماعة الضغط المدافعة عن مصالح مقدمي الرعاية داخل الأسرة: «يتم بالفعل تقديم الرعاية لثلاثة أرباع المحتاجين بهذه الطريقة. دون نسيان أن تكاليف الرعاية الصحية قد ازدادت بشكل كبير خلال العشرين عاما الأخيرة لتصل إلى أزيد من 83 مليار فرنك في عام 2020، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 50٪ مقارنة بعام 2000″.

حاليا، يتم استكشاف السبل الكفيلة بأخذ هذا العمل (غير المقدّر بشكل كاف) بعين الاعتبار بشكل أفضل، كما تشرح فاليري بوريولي ساندوز، مديرة جماعة الضغط CIPA قائلة: “نريد أن تتكفّل الدولة بتغطية حصة صاحب العمل (في حدها الأدنى) من الأقساط المخفضة عندما يضطلع شخص ما بتقديم الرعاية لأحد أفراد أسرته، ما يضطره نتيجة لذلك إلى خفض حصة دوامه”.

كذلك، يُمكن أن يمنح التزام الدولة بتقديم دعم مالي أيضًا جرعة من الأكسجين لموظفي الصحة. وتقول جماعة الضغط المدافعة عن مصالح مقدمي الرعاية داخل الأسرة: «بفضل عمل هؤلاء، يستطيع النظام الصحي توفير بعض الموارد». وبناءً على تقدير نقابة العمل السويسرية لعدد مقدمي الرعاية في الكنفدرالية، يُمكن أن يتجاوز حجم هذه الموارد الموفّرة 15 مليار من الفرنكات سنويًا.

الوضع يهمّ النساء في المقام الأوّل

ترى فاليري بوريولي ساندروز أن الوقت قد حان لتقديم «مكافآت» لهذه الفئة لضمان دخل لائق لها على أقل تقدير. وتضيف أن «الاعتراف الرسمي بوضع هؤلاء بناءً على تعريف قانوني موحّد سيجعل عملهم اليومي أيسر أيضا».

وتبدي ساندروز، التي تستشيرها اللجنة الفدرالية لقضايا الأسرة، بوصفها خبيرة في المجال، قلقها حول ما ينتظر ما تسميه «جيل الساندويتش»، أي النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 45 و 65 عامًا واللاتي يضطلعن بحياة مهنية ومسؤوليات منزلية بالإضافة إلى دورهن المحوري داخل الأسرة ودعمهن للأقارب المسنين المرضى أيضا.

في فرنسا، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من ثمانية ملايين مقدم رعاية، تحاول إحدى جماعات الضغط هناك التعريف بأهمية العمل الذي يقومون به. وفي هذا البلد المجاور لسويسرا، أصبح بالإمكان منذ عام 2020  تعويض إجازة الغياب بشرط ألا تتجاوز الفترة  66 يومًا على مدار سنوات العمل. وتأخذ هذه الظاهرة منحى تصاعديا في ألمانيا كذلك، حيث تسجّل نسب الشيخوخة ارتفاعا مضطردا منذ عدة سنوات.

ويوجد في ألمانيا، وفقًا للرابطة الأوروبية لمقدمي الرعاية (اختصارا Eurocarers)، خمسة ملايين شخص يؤدون هذا العمل. لكن مصادر أخرى تشير إلى أن هذا العدد يُناهز في الحقيقة 18 مليون شخص من أصل 84 مليون شخص، العدد الإجمالي لسكان البلاد. وفي نفس السياق، أعلن مؤخرا، عن إحصاء أكثر من سبعة ملايين «مقدم رعاية غير رسمي» في إيطاليا، ونفس العدد تقريبا في إسبانيا أيضا.

ندرة المساعدات العامة المباشرة

باستثناء المساعدات غير المباشرة المعتادة، لا يدفع سوى عدد قليل من الكانتونات تعويضات نقدية يومية، ومن بين هذه الكانتونات، نجد فريبورغ، وهو أوّل كانتون سويسري بدأ في تقديم تعويضات لمقدمي الرعاية الأسرية المجانية في عام 1990، حيث خصّص لكل شخص ما بين 15 و 25 فرنكًا في اليوم. ويدفع كانتون ريف بازل علاوات تتراوح بين 7.80 و 31 فرنكاً للفرد حسب الحالة. لكن الموضوع مطروح أيضا للتداول والنقاش في أماكن أخرى، خاصة في الكانتونات الناطقة بالفرنسية، وأيضا في كانتونيْ لوتسيرن وغراوبوندن.

وتقوم بلديات كانتون فريبورغ بنفسها بمنح هذه العلاوات وفقا لمعايير محددة لكل منطقة وبعد استشارة طبيب أو وكالة إعانات. واستفاد أكثر من 2000 شخص من هذه المساعدات في عام 2021، أي ضعف ما كان عليه الأمر قبل عشر سنوات. ونتيجة لذلك، ارتفعت الميزانية المخصصة لهذه المعونة المباشرة على مستوى الكانتون بأكمله من سبعة ملايين فرنك في عام 2011 إلى أكثر من 13 مليون فرنك في عام 2021.

تحرير: سامويل جابيرغ

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية