مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل يمكن للأمم المتحدة محاسبة الصين؟

إيموجين فولكس

يجري العمل على قدم وساق هنا في جنيف، حيث تُعقد الدورة الثانية والخمسون لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وإذا كانت نظرتنا إلى ما يجري في هذا المجلس نظرة متشائمة، فأمامنا فترة خمسة أسابيع طويلة لتوثيق الأدلة على مدى قدرة البشر على ترويع بعضهم البعض. وعلى رأس جدول الأعمال، تم إدراج ممارسات روسيا في أوكرانيا، كما سيتم استعراض سجل كل من إيران وإثيوبيا وأفغانستان وميانمار وجنوب السودان.

لكن ماذا عن ممارسات الصين؟ في شهر أغسطس الماضي، نشرت مفوضة حقوق الإنسان المنتهية ولايتها ميشيل باشليه تقريرها الذي طال انتظاره من قِبَل الجهات المعنية بحقوق الإنسان، عن الوضع في مقاطعة شينجيانغ حيث تقطن أقليات مسلمة. وجاءت الأدلّة دامغة؛ أدلة موثّقة على عمليات الاعتقال والعمل القسري لأشخاص ينتمون إلى مجتمعات الإيغور، وربما على ممارسات ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. ومن الطبيعي، بل من المؤكّد أن يصار إلى مناقشة تقرير جدّي ومفصل كهذا، من قِبَل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أليس كذلك؟

على ما يبدو لا. ففي شهر أكتوبر الماضي، وعبر تصويت الدول الأعضاء في المجلس، تم رفض اقتراح جرى تقديمه لمناقشة التقرير (وهذه المناقشة تُعتَبر من أخف الإجراءات التي يمكن أن يتخذها المجلس )، بـ 19 صوتاً مقابل 17 صوتاً وامتناع 11 دولة عضوة عن التصويت. وإزاء هذا الوضع، نجد أنفسنا أمام سؤال مهم ألا وهو: ما هو مصير الحملة التي سعت جاهدة إلى إلقاء الضوء على سجل انتهاكات حقوق الإنسان في الصين؟ بل ما هو مصير مصداقية مجلس حقوق الإنسان؟ إن وظيفة المجلس تكمن، بطبيعة الحال، في فضح الانتهاكات على أمل وضع حدّ لها، وبغية تعزيز احترام حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

هذه الأسئلة، نطرحها على نشطاء حقوق الإنسان في نسخة هذا الأسبوع من بودكاست “من داخل جنيف”. فالكثير من هؤلاء النشطاء يعملون منذ سنوات عدة، بلا ملل أو كلل، في محاولة منهم لجذب انتباه العالم بأسره إلى ما يجري في منطقة شينجيانغ.

بإمكانكم الاستماع إلى هذه الحلقة من بودكاست “من داخل جنيف” (باللغة الإنجليزية)

محتويات خارجية

تفاؤل غير متوقّع

كنت أتوقع أن ينتابني شعور بالإحباط والغضب، ولقد حصل ذلك فعلاً، ولكن ما لم أكن أتوقعه هو هذا الشعور بالتفاؤل الذي انتابني أيضاً.

كانت زومريتاي أركين التي تعمل في مؤتمر الإيغور العالمي قلقة من الإشارة التي سيرسلها المجلس، بقراره بعدم مناقشة التقرير، إلى بكين. ومن خلال بودكاست “من داخل جنيف”، تعبّر أركين عن قلقها قائلة:  “في حال لم يقم المجتمع الدولي بممارسة أية ضغوط على الصين، وإذا ظلت الأمور على ما هي عليه، فإن الصين ستعتبر هذا الموقف ،عملياً، كإشارة بأن لديها الضوء الأخضر لمواصلة ممارساتها وانتهاكاتها”.

وتشير أركين إلى أن الأمور في هذا الشأن ليست متروكة على حالها تماماً، بل هناك بعض التطورات التي تجري. هذا الأسبوع مثلاً، نشرت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتابعة للأمم المتحدة، مراجعتها التي تنتقد فيها الصين، معربةً عن قلقها من وجود “مؤشرات عديدة على قيام هذه الأخيرة بإجراءات تعسفية، بما في ذلك العمالة القسرية” ضد الأقليات العرقية في الصين، ومنها مجتمعات الإيغور. ودعت اللجنة الصين إلى إنهاء العمالة القسرية، والتوقف عن عمليات الانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان.

واليوم أيضاً، قام مفوض حقوق الإنسان الجديد فولكر تورك، الذي أعرب عن تصميمه على متابعة العمل عل تقرير سلفه المتعلق بشينجيانغ، بتذكير الصين عبر خطابه السنوي إلى مجلس حقوق الإنسان، بأنه على الأقل، لم ينس بعد محتويات التقرير قائلاً: “في منطقة شينجيانغ، قام فريق العمل في مكتبي بتوثيق انتهاكات فادحة-لا سيما عمليات الاحتجاز التعسفي على نطاق واسع وفصل الأشخاص المستمر عن أسرهم – وقد قدمت توصيات هامة بهذا الشأن تتطلب اتخاذ إجراءات ملموسة”.

المخاوف الجيوسياسية؟

لكن توك ألقى هذا الخطاب أمام نفس ممثلي الدول الأعضاء، الذين صوتوا ضد إجراء مناقشة التقرير حول ممارسات الصين. وحتى تكون الضغوط على بكين ذات معنى وفاعلة، ينبغي أن تمارس أولاً وآخراً من قِبَل ممثلي الدول الأعضاء، ولكن يبدو أن الكثير من هذه الدول لا تزال مترددة .

من جهة أخرى، لا تتردد الصين في استخدام نفوذها. لقد قامت باستثمارات ضخمة في إفريقيا، ومن البديهي أن تتوقع بعض الدعم من قِبَل الدول هناك. كما أن تأكيد بكين، الذي تكرّر مرة أخرى في دورة المجلس هذه، على أن الأمم المتحدة يجب أن تتوقف عن توجيه أصابع الاتهام يمنة ويسرة، وتدرك أن البلدان الأخرى لها “مسارات” مختلفة في مقاربة حقوق الإنسان، لاقى استحسان ممثلي بعض الدول – وللأسف، فإن هذه الدول لديها في الغالب حكومات استبدادية، تفضل ممارسة الحكم بدون أي تدقيق من قِبَل الأمم المتحدة.

أما الحكومات الغربية، فقد صوّت ممثلوها بغالبيتهم لصالح مناقشة تقرير شينجيانغ. ولكن في دورة المجلس هذه، لا يبدو أن الصين كانت على رأس جدول أعمالهم. فهل يمكن أن نعزو ذلك إلى ما يجري في أوكرانيا؟ في الوقت الذي تروج فيه بكين لعلاقاتها الوطيدة مع موسكو، تعمل أيضاً على ترويج ما تراه “خطة سلام”. وعلى الرغم من عدم وجود إجماع بين الدول الأعضاء على توفّر فرَص كبيرة لنجاح هذه الخطة، إلا أن دول الغرب تحرص على إبقاء الصين، على الأقل بمنأى عن الدعم الصريح لحرب فلاديمير بوتين، إن لم يكن إلى جانبها.

في حديث له مع بودكاست “من داخل جنيف”، يقول رافائيل فيانا ديفيد الذي يعمل في الخدمة الدولية لحقوق الإنسان ISHR: “بالطبع هناك فهم جيوسياسي لما يحدث، لكن ينبغي علينا أن نعود إلى جوهر حقوق الإنسان وإلى جوهر المعاهدات التي أنشأها هذا النظام بغية الالتزام بها”.

لا حصانة للقوى العظمى

رغم أننا قد نعتقد أن البلدان المؤثرة الكبيرة يمكنها الإفلات من الرقابة في مجلس حقوق الإنسان، فقد تبيّن لنا في السنوات الأخيرة أن ذلك غير صحيح.

موسكو عليها أن تتوقع خضوعها للرقابة المستمرة، ليس نتيجة ممارساتها في أوكرانيا فحسب، حيث تعمل لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة بكاملها اليوم على هذه المسألة، بل وأيضاً لسجلها في حقوق الإنسان داخل روسيا على حد سواء – سيتم تعيين مقرر خاص للأمم المتحدة بشأن روسيا قريباً.

والولايات المتحدة هي أيضاً في دائرة الضوء، بسبب الممارسات العنصرية المنهجية في قوات الشرطة. في حوار لها مع بودكاست “من داخل جنيف” العام الماضي، تكلمترابط خارجي كولين فلاناغان التي قُتل ابنها كلينتون بالرصاص من قبل شرطة دالاس في عام 2013، عن مدى أهمية مجيئها إلى الأمم المتحدة في جنيف، وأن تدلي بشهادتها وتؤخذ قضيتها على محمل الجد من قبل أعلى هيئة لحقوق الإنسان في العالم.

قد لا تكون الصين على رأس قائمة جدول الأعمال في دورة المجلس هذه، لكنها بالتأكيد ليست خارج جدول الأعمال عموما وإلى الأبد؛ فمجموعات حقوق الإنسان وخبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة مصمّمون على العمل من أجل استمرار الرقابة. تقول هيلاري باور من هيومن رايتس ووتش في حديثها مع “من داخل جنيف”، إنها ترى نتيجة التصويت المتقاربة التي أتت لصالح رفض مناقشة تقرير شينجيانغ كإشارة على إحراز تقدّم في هذه المسألة.

“هناك حقيقة مفادها أننا اقتربنا بشكل كبير من اعتماد قرار بشأن الصين يتم تبنيه في المجلس، وهذه الحقيقة قد حطمت إحدى المحرمات المهمة حول القدرة على مواجهة الصين أو أي دولة أخرى، مهما كانت قوتها”. على حد قولها.

تحرير: فيرجيني مانجان

ترجمة: جيلان ندا

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية