مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

من تونس إلى إسبانيا .. الحقوق تفتك ولا تمنح

سان سيباستيان (دنوستيا)، عاصمة إقليم الباسك بإسبانيا والعاصمة الأوروبية للثقافة لعام 2016، تستعدّ لإستضافة الدورة السادسة للمنتدى العالمي للديمقراطية المباشرة هذا العام أيضا. AFP

واحة جمنة هنا .. منطقة الباسك هناك .. يختلف الزمان والمكان، لكن معركة الإنسان هنا أو هناك هي واحدة .. نموذج جديد للحوكمة تمنح فيه الحقوق السياسية للجميع، وتوزّع فيه الثروات بعدالة، لا ظالم ولا مظلوم .. وفي الحالتيْن صراع وتدافع تحت سقف المطالب المشروعة والوسائل السلمية، لا تسقط الشرعيات الإنتخابية لكنها تتحدّاها رغبة في إحياء المعنى الحقيقي للمشروعية.

انتقل المنتدى العالمي للديمقراطية المباشرة من تونس العام الماضي إلى منطقة الباسك هذا العام، ويظل هذان المنطقتان من العالم يعيشان على إيقاع حراك اجتماعي وسياسي جوهره ولبّه المطالبة بتوسيع دائرة المشاركة في صناعة القرار وإدارة الشأن العام والإستفادة بعدالة من الثروات الوطنية، بعيدا عن عدمية التحركات الاحتجاجية الفوضوية والعنيفة في تونس ما قبل الثورة، وبمعزل عن التمرّد المسلّح لمنظمة “الإيتا الباسكية”.

التونسيون متعطشون للتغيير

المزيد

المزيد

التونسيون يتآلفون مع مفاهيم وآليات الحوكمة المحلية

تم نشر هذا المحتوى على إذا أردنا أن نقيس مدى هذا التقدّم وندرك عمق التغيير على هذا المستوى، علينا أن نعود إلى وقائع منتدى الديمقراطية المباشرة الذي أقيم في شهر ماي من العام الماضي في تونس، باعتبارها شجرة ديمقراطية يافعة وسط غابة من الأنظمة الإستبدادية. فقد شارك في تلك التظاهرة عشرات النشطاء وأعضاء منظمات المجتمع المدني، إلى جانب موظفين في…

طالع المزيدالتونسيون يتآلفون مع مفاهيم وآليات الحوكمة المحلية

مؤخّرا، عاش الرأي العام التونسي استقطابا حادا انقسم فيه الرأي العام بين مؤيد لتحرّك السكان المحليين بإحدى المحافظات الجنوبية الهادف إلى استغلال واحات تمور بالمنطقة بطريقة تشاركية وتحت إشراف منظمات أهلية، بما يبشّر بظهور منوال تنموي جديد، وبين مؤيّد لإستعادة الدولة “لهيبتها” ولأراض كانت تابعة في العهد السابق إلى القطاع العام. 

طفت هذه القضية على السطح أواخر شهر أكتوبر من السنة الجارية، عندما اتخذت وزارة المالية وإدارة شؤون املاك الدولة قرارا بتجميد الحساب المصرفي لجمعية حماية واحات جمنة الممثلة للسكان المحليين والمشرفة عن المشروع الزراعي. وكانت هذه الهيئة الأهلية قد نجحت فجر ثورة يناير 2011 في استعادة 185 هكتارا من أشجار النخيل المثمرة من حوزة مستثمرين انتفعوا بها فقط لأنهم كانوا من المقربين للنظام المافوي السابق.

ويذكّر وقوف السكان المحليين صفا واحدا، وتمسّكهم بحقهم في الإنتفاع بهذه الواحات بالأبعاد الاجتماعية العميقة للإنتفاضة الشعبية التي شهدتها تونس رائدة الثورات العربية، بما يضفي فرادة وتميّز على هذه الحركة المتناسقة والمنظّمة.

هذا البعد يرجعه أحد كتاب موقع “نواة” التونسي إلى قدرة سكان هذه المنطقة النائية بالجنوب التونسي على “تجاوز آليات وأنماط التحركات الإجتماعية المتعارف عليها من قبل”. ويلّخص ذلك الكاتب التونسي إحسان مجدي بالقول: “كانت التحركات الإجتماعية في تونس قبل 2011 تفتقر إلى وسائل وأطر ديمقراطية، رغم أن اهدافها كانت تجمع بين التغيير الإجتماعي والتغيير السياسي”.

وبالتالي تكون أهمّ دلالة لتحركات أهل جمنة “الإنتقال بالحراك الإجتماعي في البلاد من مجرّد الهدف او الرغبة في ممارسة ضغوط على صاحب القرار إلى خلق واقع جديد على الأرض”، واقع تجبر فيه السلطة على التعاون بدلا من المواجهة. ومن ملامح هذا الواقع الجديد المشروعات الكثيرة التي أطلقها أهل جمنة وجمعيتهم الأهلية في مجالات تنموية عديدة، بفضل توحّد جهودهم والصبغة التشاركية لمشروعهم الزراعي. وهو ما يكشف عنه هذا الفيديو:

محتويات خارجية

مدريد تناور وتحذّر

لو انتقلنا غربا، وبالتحديد إلى مدينة سان سيباستيان الواقعة على ضفاف المحيط الأطلسي، حيث منها اكتب هذا النص في إطار تغطيتنا الخاصة لفعاليات الدورة السادسة للمنتدى العالمي للديمقراطية المباشرة، سنجد أن هذه الديمقراطية، وأبرز ترجماتها المشاركة الشعبية في إدارة الشأن العام، لا تزال تبحث لها عن إطار قانوني يؤسس لها ويحميها من أي ارتكاس او تراجع.

فما الذي حدث في دونوستيا (الإسم الباسكي لسان سيباستيان) في الآونة الأخيرة؟

ما أن تحررت هذه المنطقة من دوامة إرهاب منظمة إيتا الباسكية حتى وافقت الحكومة المحلية للمدينة في أبريل 2015 على لائحة قانونية تسمح باستطلاع آراء المواطنين عن طريق صناديق الاقتراع لأغراض استشارية غير ملزمة.

واستثمارا لهذا الإنفتاح، أطلقت مجموعة من المواطنين مبادرة تهدف إلى استفتاء رأي السكان في المدينة، بما في ذلك الاجانب، حول استخدام المال العام في تمويل مهرجان مصارعة الثيران. لكن بمجرد الإعلان عن هذه الخطوة، جاء الرفض من مدريد بناءً على طلب تقدّم به مندوب الحكومة المركزية بإقليم الباسك، ثم طالبت النيابة العامة بإبطال اللائحة بدعوى أنها تتناقض مع الدستور الإسباني.

المزيد

المزيد

في سان سيباستيان.. من المشاركة المحلية إلى التعايش العالمي

تم نشر هذا المحتوى على إن المشاركة السياسية للمواطنين في سان سيباستيان ليست مجرد ذرّ للرماد في العيون. فكل من حكومة المدينة وإدراتها يتوفر لديها الحيّز الخاص بها لمشاركة المواطنين. تشغل دونيكه أغيرريزابالاغا منصب المسؤولة عن المكتب التنفيذي، بينما تعمل أمايا أغيرريوليا في الإدراة. بناء الجسور التي تدعم التعايش السلمي وتحقق ثقافة سياسية جديدة. هذه هي الأهداف الأسمى، التي ترتبط…

طالع المزيدفي سان سيباستيان.. من المشاركة المحلية إلى التعايش العالمي

وردّا على ذلك، اعترضت السلطات المحلية بمدينة سان سيباستيان على قرار إبطال اللائحة، وأقرّت شرعية إجراء الاقتراع الشعبي طالما لم يصدر حكما نهائيا باتا حول هذه المسالة. لذلك تم تحديد شهر فبراير 2017 كموعد لإجراء الإقتراع الشعبي للوقوف على رأي المواطنين في التمويل العام لمصاعة الثيران من عدمه. لكن الامر لن يحسم بهذه الطريقة: فماذا لو أجري الإقتراع في وقته ثم صدر حكما قضائيا باتا بإبطال الأسس القانونية لذلك الإقتراع، وما كان أساسه باطل فهو باطل. لمن ستكون الكلمة الاخيرة لحكم القضاء ام لقرار الشعب؟

هكذا نعود إلى مربط الفرس، حيث لا مخرج من هذه المآزق سواء كان ذلك في تونس  أم في إسبانيا ام في غيرها إلا بتوسعة دائرة المشاركة الشعبية، وإيجاد الصياغات القانونية المشرّعة لذلك!

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية