مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اختبارات بالجملة “للعدالة والتنمية”

حرص رجب الطيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية على تأكيد التوجه الأوروبي لحزبه في لقاء جمعه بزعيم المعارضة في البرلمان الجديد دنيز بايكال زعيم حزب الشعب الجمهوري يوم الثاثلاء 5 نوفمبر Keystone

وسط مؤشرات إيجابية من واشنطن وبروكسل ومن السوق المالية ومن قيادة الجيش، يستعد حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة التركية الجديدة.

وتثير تجربة استلام “إسلاميين معتدلين” أو “مسلمين ديموقراطيين” للسلطة في أنقرة آمال الإسلاميين في عدد من بلدان العالم العربي وتوجس الأوساط العلمانية في الداخل والخارج.

تفنّـنت وسائل الإعلام التركية والعربية والدولية في اختيار الأوصاف التي يمكن إطلاقها على الفوز المدوي لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية يوم الأحد الماضي .

ومن الطبيعي أن تختلف التقييمات للأسباب الكامنة وراء نتائج مذهلة أطاحت بكل أحزاب الإئتلاف الحكومي السابق مرة واحدة، وألقت بشخصيات وتشكيلات طبعت الحياة السياسية التركية لما لا يقل عن ربع قرن إلى الهامش، وجاءت إلى الحكم بحزب سياسي لا يزيد عمره عن عام وبضعة أشهر.

وفي انتظار ما سوف تسفر عنه تحاليل الخبراء، ودراسات الباحثين لهذا الزلزال السياسي غير المسبوق في تاريخ الجمهورية التركية، تتركز التساؤلات الآن حول الفصل الموالي من القصة.

سيف مسلط…

فبعد أن منح الناخبون حزب العدالة والتنمية 363 مقعدا في البرلمان مقابل 178 لحزب الشعب الجمهوري، وهو الحزب الوحيد الذي تمكن من تجاوز عتبة 10 في المائة من أصوات الناخبين، يُـفترض أن تكون تركيا مقبلة على فترة من الإستقرار السياسي المساعد على تنفيذ الإصلاحات الجوهرية في المجالين السياسي والإقتصادي التي طال انتظارها داخل البلاد وخارجها.

لكن الطبيعة المعقدة للتوازنات المتحكمة في العملية السياسية التركية، تدفع إلى الإعتقاد بأن الأمور لن تكون على هذا القدر من التبسيط والسهولة.

فمن جهة، لا زال “الجهاز الإيديولوجي – الأمني” مثلما تصفه بعض وسائل الإعلام السويسرية أي الجيش – حامي حمى العلمانية في تركيا – والقضاء والبيروقراطية، متوجسا من نوايا حزب وُلد من رحم حزب الفضيلة (الرفاه سابقا) ذي التوجهات الإسلامية الذي كان يتزعمه نجم الدين أربكان، الرجل الذي نجح في إدماج الإسلام السياسي ضمن النخبة الحاكمة في تركيا منذ تأسيسه لحزب الخلاص الوطني في موفى الستينات من القرن الماضي.

فعلى الرغم من أن رجب الطيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية انشق عن حزب السعادة الذي أسسه أنصار أربكان بقيادة رجائي قوطان بسبب خلافات (يقول أنصار رئيس بلدية إسطنبول السابق إنها حقيقية) في الرؤى وأساليب العمل بين جيل المجددين وجيل القدامى، إلا أن الأوساط العلمانية داخل الجيش وخارجه ظلت تنظر إليه بريبة كبيرة بل حاولت خلال الأسابيع القليلة الماضية وضع عقبات قانونية كبيرة أمامه من أجل منعه من الوصول إلى منصب رئاسة الوزراء بل من ممارسة السياسة أصلا.

ومع الحسم الإنتخابي الواضح الذي تمّ في الثالث من نوفمبر، الذي رافقه ترحيب في واشنطن وتفاؤل حذر في عواصم الإتحاد الأوروبي، تغيرت المعطيات إلى حد ما. لكن السيف القضائي – الذي قد يؤدي إلى حل حزب العدالة والتنمية وإلغاء نيابة جميع أعضائه في البرلمان – لا زال مسلطا على رقبة أردوغان وزملائه.

آمال ومخاوف

في المقابل يستنتج المتتبع لمجريات الحملة الإنتخابية ولمضمون برنامج الحزب وللتصريحات المطمئنة التي ما فتئ رجب الطيب أوردوغان وزملاؤه يدلون بها إلى وسائل الإعلام الغربية، أن هناك محاولة جدية لتجنب كل المطبات ولتبديد المخاوف – الحقيقية منها والخيالية – التي عبرت عنه الأطراف الرئيسية داخل البلاد وخارجها.

لكن المهم في الواقع الجديد الذي وضع اختيار الناخبين الأتراك الجميع أمامه يتمثل في سلسلة التحديات الخطيرة الداخلية والخارجية التي لم يعد بإمكان من يوصفون بالإسلاميين المعتدلين أو بالمسلمين الديموقراطيين تأجيلها أو الإفلات من مواجهة استحقاقاتها.

فالعديد من المراقبين الأتراك أكدوا أن الناخبين لم يصوتوا بمثل هذه الأغلبية من أجل “أسلمة المجتمع” أو من أجل “تطبيق الشريعة” ولكنهم عبروا عن احتجاجهم على الطبقة السياسية السابقة من خلال منح ثقتهم لفائدة وجوه جديدة يعتقدون أنها ستتمكن من إخراج البلد من أسوإ أزمة اقتصادية مر بها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وأدت إلى إحالة حوالي مليوني شخص على البطالة.

كما أنهم ينتظرون من حزب العدالة والتنمية تكرار التجربة الناجحة لزعيمه وعدد من رموزه في إدارة العديد من بلديات المدن الكبرى في تركيا، حيث أقاموا الدليل خلال النصف الثاني من التسعينات على جدية وكفاءة في التسيير ونظافة يد افتقدوها لدى الغالبية الساحقة من السياسيين التقليديين الذين زاكمت فضائحهم وسرقاتهم الأنوف.

قيادة الجيش “تحترم”!

وفيما اعتبر عدد من المسؤولين الأوروبيين أن إيصال الناخبين الأتراك لحزبين مؤيدين تماما لانضمام أنقرة إلى الإتحاد الأوروبي إلى البرلمان مؤشر جيد قد يساعد على تسريع العملية في المرحلة القادمة، يحتاج قادة حزب العدالة والتنمية إلى قدر كبير من الشجاعة الأدبية والحنكة السياسية لتمرير الإصلاحات الدستورية والقانونية الضرورية للإستجابة إلى “مقاييس كوبنهاغن” في مجال الحريات واحترام حقوق الإنسان والممارسة الديموقراطية واحترام حقوق الأقليات وهي ملفات لم تحسم تماما في تركيا على الرغم من بعض القرارات التي اتخذتها الحكومة السابقة مثل إلغاء عقوبة الإعدام في زمن السلم أو منح الأكراد بعض الحقوق الثقافية المحدودة.

ولعله من المفارقات العجيبة أن يُـحمّـل الناخبون الأتراك حزبا يرفض إطلاق النعت الإسلامي عليه رغم تمسكه بـ “توجهات محافظة تحترم هوية الشعب التركي” على حد تعبير أردوغان، قيادة سفينة البلاد في مرحلة تستلزم الإستجابة الكاملة لإملاءات صندوق النقد الدولي ولشروط الإتحاد الأوروبي في المجال التسيير الإقتصادي بالتحديد.

وعلى الرغم من تكرار زعامات الحزب التزامهم بتطبيق بنود الإتفاقيات المبرمة مع الجهات المُـقرضة وباستعدادهم التام لتنفيذ الشروط الأوروبية الصارمة، إلا أنهم سيُـواجهون حتما بتساؤلات الناخبين العاطلين عن العمل والمهمـّشين الذين منحوا أصواتهم لحزب العدالة والتنمية أملا في تحسين أوضاعهم المعيشية المتردية.

ومع صدور أول تصريح رسمي – من واشنطن- عن قيادة الجيش على لسان رئيس هيئة الأركان الجنرال حلمي أوزكوك قال فيه “إن الإنتخابات تمثل إرادة الشعب وأنا أحترمها”، يبدو أن الأمور تتجه – في هذه المرحلة على الأقل – إلى شكل من التعايش “السلمي” بين حزب العدالة والتنمية وبين النخبة العسكرية ذات التأثير الحاسم في مجمل الوضع السياسي في انتظار ما ستسفر عنه الممارسة الفعلية للحكم للمسلمين الديموقراطيين على حد قول عبد الله غول نائب رئيس الحزب وأحد أقوى المرشحين لرئاسة الحكومة.

“حسن السير والسلوك”

وإذا ما أضفنا إلى ما سبق الترحيب الواضح لوزارة الخارجية الأمريكية بنتائج الإنتخابات وتجاوب السوق المالية مع ما أفرزته صناديق الإقتراع ، حيث سجل مؤشر بورصة أنقرة ارتفاعا بحوالي 6 في المائة يوم الإثنين، يمكن القول أن تركيا ستكون فعلا على موعد مع “انطلاقة جديدة” على حد قول صحيفة توركيش دايلي نيوز الناطقة بالإنقليزية.

وهي انطلاقة يفترض فيها أن تقنع الجميع بامكانية التعايش بين المبادئ العلمانية التي تأسست عليها الجمهورية التركية وبين “التوجهات الإسلامية المعتدلة” على محك الممارسة الديموقراطية، وأن تُـطمئن الشريك الأمريكي على استمرارية التحالف الأطلسي ومتانة الإرتباط بالمنظومة الغربية، وأن تقيم الدليل للإتحاد الأوروبي على أهليتها لدخول النادي الأوروبي، وأن تقيم الدليل على قدرة تيارات محافظة – خففت من خطابها الإسلامي وتحظى بشعبية حقيقية – على ممارسة السلطة في بلد بحجم تركيا وعلى تحويل وعودها وشعاراتها الإنتخابية إلى أفعال ملموسة.

هذا غيض من فيض “أدلة حسن السير والسلوك” المطلوب من أردوغان وحزبه تقديمها في كل يوم للداخل والخارج، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن المهمة مستحيلة.

فالجيل الجديد الذي وصل إلى السلطة في أنقرة قد استوعب – حسبما يبدو – كل خيبات العشريات الماضية، وفهم الطريق الأقرب إلى قلب الناخب التركي كما اعتمد المقاربة الأسلم لتجنب إثارة غضب القيادة العسكرية التي لا زالت – رغم الآلية الإنتخابية- الجهة المحددة للسقف الذي لا ينبغي لأحد تجاوزه!

كمال الضيف – سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية