The Swiss voice in the world since 1935
أهم الأخبار
الديمقراطية السويسرية
النشرة الإخبارية
أهم الأخبار
نقاشات
أهم الأخبار
النشرة الإخبارية

سويسرا تطمح إلى سيادة رقمية… لكن الطريق مازال طويلًا

تبعية
وحيدة في مواجهة العمالقة: لن تتمكن سويسرا بمفردها من التحرر من تبعيتها لشركات التكنولوجيا الكبرى، وفقاً للآراء المنتقدة. Keystone

 
استثمرت سويسرا ملايين الفرنكات في مسعى طموح يهدف إلى تقليص اعتمادها على عمالقة التكنولوجيا من الولايات المتحدة الأمريكية، سعيًا وراء سيادةٍ تقنيةٍ تمكّنها من امتلاك قرارها العلمي والرقمي واستقلال بنيتها التكنولوجية. غير أنّ هذا الطموح، في نظر كثيرين.ات، ما زال بعيد المنال. 

أصبح الذكاء الاصطناعي اليوم القلب النابض لعصر المعرفة. إذ يحرّك أدوات الترجمة الفورية، ويُدير خدمات الحوسبة السحابية، بما في ذلك تخزين البيانات وتشغيل البرمجيات عبر الإنترنت. ومع ذلك، تبقى خيوط هذه التقنيات بأيدي قلّة من الشركات العملاقة في الولايات المتحدة، والصين. وهو ما يثير مخاوف الحكومات، والمؤسسات البحثية من تحوّل المصالح السياسية أو الاقتصادية لتلك الدول إلى أداة ضغط رقمية، قد تقيّد يومًا ما وصول الدول الأخرى إلى الخدمات الأساسية للحياة الرقمية. 

وفي هذا السياق، يقول ديفيد شريير، أستاذ الذكاء الاصطناعي والابتكار في الكلية الامبريالية للعلوم والتكنولوجيا والطب بلندن (Imperial College London) : “لقد أدركت الحكومات أنّ من لا يستثمر في تقنيات سيادية، سيبقى رهينةً لمصالح أجنبية ضيقة”. 

وقد خطت سويسرا خطوات عملية في هذا الاتجاه، فاستثمرت أموالًا ضخمة في البنية التحتية المعلوماتية، وفي تطوير النماذج اللغوية الضخمة (LLMs)، ما أثمر بناء الحاسوب العملاق“ألبس” (Alps)، ثامن أقوى حاسوب في العالمرابط خارجي، وإطلاق النموذج اللغوي “أبيرتوس” (Apertus) في سبتمبر الماضي. 

لكنّ حوادث مثل انقطاع خدمات “أمازون كلاود” (رابط خارجيAmazon’s cloud) في أكتوبررابط خارجي، الذي عطّل مئات المواقع والخدمات الرقمية، أيقظت المخاوف من الاعتماد المفرط على التقنيات الأجنبية. ومؤخرًا، انتقد توماسسوسلي، قائد الجيش السويسري، استخدام “مايكروسوفت” داخل القوات المسلحة لأسباب تتعلق بالأمن الوطني، في رسالة وجّهها إلى الحكومة ونشرتها صحيفة “ريبوبليك” (Republik) الإلكترونية.رابط خارجي 

ولم تقتصر الهواجس على النخبة العسكرية والسياسية، بل امتدّت إلى عامة الشعب السويسري. فقد أظهر التصويت المتقارب في استفتاء الهوية الإلكترونية (e-ID) قلقًا واسعًا من تسليم البيانات الشخصية إلى شركات التكنولوجيا الكبرى، ما يعكس حساسية متزايدة تجاه قضايا الخصوصية والسيادة الرقمية. 

لعب انعدام الثقة في الذكاء الاصطناعي دوراً في التصويت على الهوية الإلكترونية:

المزيد
اقتراع

المزيد

الديمقراطية السويسرية

ردود الفعل على التصويت بـ”نعم“ على الهوية الإلكترونية

تم نشر هذا المحتوى على يوم الأحد 28 سبتمبر، وافق الشعب السويسري بأغلبية ضئيلة (50,4٪) على إدخال الهوية الإلكترونية (e-ID). كنا في برن لجمع ردود الفعل الفورية من مؤيدي ومعارضي هذا المشروع.

طالع المزيدردود الفعل على التصويت بـ”نعم“ على الهوية الإلكترونية

ويرى البعض أنّ الطريق إلى الأمان الرقمي يكمن في تحقيق الاستقلال التكنولوجي، أي بناء منظومات محلية قادرة على تشغيل الذكاء الاصطناعي بمعزل عن الخارج.  لكن تجعل هيمنة القوى الكبرى على الرقائق، والبيانات، والطاقة الحوسبية، إضافة إلى الشكوك في جودة الحلول المحلية، هذا الحلم أقرب إلى هدفٍ مؤجَّلٍ منه إلى واقعٍ قريب.  

الهيمنة الأمريكية–الصينية على الذكاء الاصطناعي 

 
في السنوات الأخيرة، اتخذت الولايات المتحدة خطوات حاسمة للسيطرة على من يمكنه الوصول إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ففي يناير، أصدر الرئيس الأمريكي آنذاك (جو بايدن)، أمرًا تنفيذيًا يقضي بحصر قائمة الدول المسموح لها باستيراد الرقائق المتطورة المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، التي تنتجها أساسًا شركة “نفيديا” (Nvidia) العملاقة. وقد وجّه القرار ضربة موجعة إلى جهود البحث والتطوير في الذكاء الاصطناعي داخل سويسرا. إذ تعتمد 90% من النماذج الذكائية حول العالم، بما في ذلك “أبيرتوس” السويسري، على رقائق نفيديا. أما الرئيس دونالد ترامب، فقد أحكم سيطرة الحكومة على سوق الرقائق عبر استحواذها على 10% من شركة “إنتل” (Intel)رابط خارجي، إحدى أكبر شركات أشباه الموصلات الأميركية. وهو ما جعل قطاع الشرائح الإلكترونية تحت قبضة الدولة. 

وفي المقابل، تبسط الصين هيمنتها التقنية بأسلوبٍ مختلف، قائم على الرقابة السياسية والأيديولوجية على الخوارزميات. فالنموذج اللغوي الصيني “ديب سيك” (DeepSeek) مثلًا، يرفض تلقائيًا الإجابة عن أي أسئلة تتعلق بالأحداث السياسية الحساسة كاحتجاجات ميدان تيانانمن عام 1989، في إشارة إلى حدود التعبير المفروضة على الذكاء الاصطناعي الصيني. 

>> لمعرفة المزيد عن كيفية قيام الصين بفرض رقابة صارمة على نماذج الذكاء الاصطناعي:

المزيد
الصين

المزيد

في سباق الذكاء الاصطناعي.. سويسرا تنجذب للنموذج الصيني وتطمح لدور الوسيط العالمي

تم نشر هذا المحتوى على لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، أنشأت بكين قواعد صارمة فريدة من نوعها. وتهدف سويسرا الآن إلى أن تصبح جسراً بين الشرق والغرب في السباق العالمي لتنظيم هذه التكنولوجيا.

طالع المزيدفي سباق الذكاء الاصطناعي.. سويسرا تنجذب للنموذج الصيني وتطمح لدور الوسيط العالمي

تكنولوجيا وطنية في مواجهة الاستعمار الرقمي

مع ترسّخ الهيمنة الأميركية والصينية، بدأت دول أخرى تبحث عن مسارات بديلة لبناء منظوماتها الذاتية. فقد ناقش قادة الاتحاد الأوروبي من الرجال والنساء، مسألة السيادة الرقميةرابط خارجي في قمتهم.هنّ أواخر أكتوبر، بينما عبّرت حكومات بريطانيا وكندا عن رغبتها في تطوير تقنيات وطنية تُدار محليًا دون اعتماد على الشركات الأجنبية. 

أما سنغافورة، فقد كانت سبّاقة في هذا المضمار، إذ خصصت 1.6 مليار دولار من الأموال العامة لتنمية مشاريع الذكاء الاصطناعي، ومن أبرزها مشروع “سي-ليون” (Sea-Lion)رابط خارجي الساعي إلى تدريب نماذج لغوية على إحدى عشرة لغة آسيوية إقليمية مغمورة وغير ممثلة في النماذج الأميركية أو الصينية. وفي أوروبا، يبرز المشروع السويسري “أبيرتوس” كأول نموذج لغوي مفتوح المصدر بالكامل في القارة، صُمم ليكون أكثر شمولًا وعدالةً لغويًا، إذ تم تدريبه على أكثر من ألف لغة ولهجة. ويمكن لأي باحث أو مؤسسة تنزيله، وتحليل بنيته البرمجية وتعديلها، مما يمنحه شفافية غير مسبوقة في عالم النماذج الذكائية. 

ويرى البروفيسور شريير إمكانيّة حدّ مثل هذه المشاريع من “الاحتكار الثقافي”، الذي تمارسه روبوتات المحادثة الغربية، مثل “تشات جي بي تي” (ChatGPT). فقد كشفت دراسة في جامعة هارفاردرابط خارجي عكس نموذج  “أوبن إيه آي” (OpenAI) إلى حدٍّ بعيدٍ عقلية شريحة محددة من المستخدمين.ات: متعلّمين.ات، وأثرياء وثريات، ومن خلفيات غربية ديمقراطية، ما يجعله يتحدث بعقلية “مهندس.ة برمجيات في الخامسة والعشرين من وادي السيليكون”. ويشبّه شريير هذا الوضع بما يسميه “الاستعمار الرقمي”، أو الاحتلال الثقافي عبر الخوارزميات. 

استثمار سويسري غير كافٍ في الذكاء الاصطناعي السيادي 

بالمقارنة مع سنغافورة، فإنّ الاستثمار السويسري في الذكاء الاصطناعي السيادي لا يزال متواضعًا؛ إذ خصصت الحكومة نحو 100 مليون فرنك لتشييد الحاسوب الفائق “ألبس”، و20 مليونًا إضافية حتى عام 2028 لمبادرة الذكاء الاصطناعي السويسرية، التي تشمل مشروع “أبيرتوس”. غير أنّ هذه المشاريع تحتاج إلى ما لا يقل عن عشرة ملايين فرنك إضافية سنويًا لتغطية تكاليف التشغيل والطاقة والصيانة. 

 ويقول مارسيل سالاثيه، المدير المشارك لمركز الذكاء الاصطناعي في المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان (EPFL) “سنحتاج إلى استثمارات أكبر بكثير مما هي عليه اليوم كي نبلغ مرحلة السيادة التقنية”.  

ويوافقه الرأي ألكسندر إيليك، رئيس مركز الذكاء الاصطناعي في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ  (ETH)، إذ يضيف قائلًا: “في غضون العقد القادم، سنحتاج إلى قوة حوسبة تفوق ما نمتلكه اليوم بما يتراوح بين عشرين ومئة ضعف”.  

وفي المقابل، أعلنت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن خطط بمليارات الدولارات لبناء مراكز حوسبة عملاقة أكثر تطورًا، في حين تُقدّر الشراكات الأمريكية مع شركتَي “نفيدا” و”أوبن إيه آي” بتريليوناترابط خارجي الدولارات. 

ويرى سالاثيه أنّ التمويل العام القوي يجذب التمويل الخاص، مستشهدًا بتجربة وادي السيليكون في خمسينات القرن الماضي وستيناته، حين مهّدت الاستثمارات الحكومية الطريق للابتكار الصناعي. لكنه يشير بأسف إلى سلك سويسرا طريقًا معاكسًا؛ إذ تخفض ميزانيات البحث والابتكار ضمن خطة التقشف الحكوميةالمسماة “إي بي 27” (EP27). 

السيادة في الذكاء الاصطناعي تخلق تبعية من نوع آخر 

رغم أنّ مفهوم السيادة التقنية يعني التحرر من النفوذ الخارجي، فهو يخلق بدوره تبعيات جديدة. فيتطلّب بناء المنظومات الذكائية مكونات أساسية مثل الرقائق، والطاقة، والبيانات الضخمة. وغالبًا ما تأتي هذه الموارد من الخارج. وبالتالي، يستلزم تحقيق السيادة المطلقة السيطرة على سلسلة الإمداد بأكملها. وهو أمر يصفه سالاثيه بأنه “مستحيل تمامًا بالنسبة إلى دولة صغيرة مثل سويسرا”.  

وتدرك الحكومة السويسرية حدود هذا الطموح. لذا، تتبنى نهجًا واقعيًا وحذرًا. فقد أوضح متحدث باسم المستشارية الفدرالية في رسالة إلى موقع “سويس إنفو” (Swissinfo.ch)، أنّ بناء تقنيات سيادية يتطلّب إنفاقًا مستمرًا ليس فقط على البنية التحتية، بل أيضًا على الكوادر البشرية المتخصصة في الصيانة والتحديث. وهو ما يثير تساؤلات حول الاستدامة المالية لهذه المشاريع على المدى الطويل. كما يشير المتحدّث في الرسالة إلى عدم ضمان النماذج مفتوحة المصدر، مثل “أبيرتوس”، الاستقرار المنشود. إذ تعتمد على برمجيات يديرها مجتمع عالمي متغير، ما يجعلها عرضة لتقلبات الدعم الخارجي، وتبدّل الأولويات التقنية. 

في الاتحاد قوة 

أمام هذا المشهد المعقد، بدأ المجتمع العلمي الدولي يدرك أنّ السيادة التقنية لا تتحقق بالانغلاق، بل بالتعاون الذكي بين الأمم. 

ولهذا، يقترح العالمان ديفيد شريير وزميله ألدو فيزال، من الكلية الإمبريالية للعلوم والتكنولوجيا والطب بلندن، إنشاء اتحادٍ للذكاءات الاصطناعية السيادية. وهو شبكة من الأنظمة الوطنية تتبادل البيانات، والبنى التحتية، والخبرات البحثية لتقليل التكاليف، وتعزيز الكفاءة. ويوضح فيزال، أستاذ في الذكاء الاصطناعي وعلوم الأعصاب، قائلًا: “في الوقت الراهن، لا تملك القدرة على بناء نظام ذكاء اصطناعي من الصفر، سوى الولايات المتحدة والصين. أما بقية الدول، ومن بينها سويسرا، فعليها عقد تسويات”.  

وفي بريطانيا، أطلقت مجموعة من الباحثين.ات مبادرة مشابهة مستوحاة من تجربة شركة “إيرباص” (Airbus)، التي نشأت في ستينات القرن الماضي عبر تحالف أوروبي، لمواجهة هيمنة صناعة الطيران الأمريكية. 

وتسعى مبادرة “إيرباص من أجل الذكاء الاصطناعي” إلى تطبيق المبدأ نفسه في المجال الرقمي، داعية الدول إلى توحيد الجهود وتكوين تحالفات استراتيجية لتحقيق السيادة التقنية. 

ويقول عالم الحاسوب جوشوا تان، أحد المبادرين.ات بالمشروع: “لا يمكن لأي دولة أن تنافس عمالقة التكنولوجيا بمفردها”، ثم يختم قائلًا: “لا مخرج من التبعية إلا بالاتحاد”.

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: يينغ زانغ

مع ظهور تحالفات سياسية واقتصادية جديدة، ما هي الخطط التي يجب أن تتبناها دولة صغيرة مثل سويسرا؟

ديناميكيات الكتل السياسية الدولية أصبحت أكثر تقلبًا من أي وقت مضى، وأصبح التنقل بينها أكثر تعقيدًا.

3 تعليق
عرض المناقشة

  

تحرير: غابي بولارد

ترجمة: جيلان ندا

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية