
بدء العد العكسي لإعادة فرض العقوبات على إيران على خلفية برنامجها النووي

يعاد رسميا ليل السبت فرض عقوبات أممية على طهران بعد تعثّر المفاوضات مع الأوروبيين الذين يطالبون بضمانات بشأن البرنامج النووي الإيراني وتنديد الجمهورية الإسلامية بقرار اعتبرته غير قانوني دفعها إلى استدعاء سفرائها في البلدان المعنية، فيما شجب الرئيس الإيراني مطلب واشنطن تسليمها “كلّ” اليورانيوم المخصّب.
وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تعدّ إيران البلد الوحيد في العالم غير المزوّد بالسلاح النووي الذي يخصّب اليورانيوم بمستويات عالية (60 %) قريبة من الحدّ التقني اللازم بحدود 90 % لإنتاج القنبلة الذرية.
وتتمسّك طهران من جانبها بحقّها في استخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية، لا سيّما منها إنتاج الكهرباء، نافية أن يكون لها مطامع عسكرية.
وحدّد الاتفاق المبرم سنة 2015 بين إيران والقوى العظمى تحت اسم خطة العمل الشاملة المشتركة سقف مستوى التخصيب عند 3,67 %.
وتملك إيران، وفق بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حوالى 440 كيلوغراما من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 %، وهو مخزون يكفي في حال تخصيبه إلى 90 % لإنتاج ما بين 8 إلى 10 قنابل نووية، بحسب خبراء أوروبيين.
وقال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان السبت إن الولايات المتحدة طلبت من إيران تسليمها “كلّ” مخزون اليورانيوم المخصّب، في مقابل تمديد رفع العقوبات لثلاثة أشهر إضافية، واصفا هذا المطلب بـ”غير المقبول”.
وصرّح بزشكيان لصحافيين في نيويورك حيث شارك في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل مغادرته عائدا إلى طهران أن الولايات المتحدة “تريدنا أن نسلمها كلّ اليورانيوم المخصّب لدينا في مقابل إعفاء من العقوبات لمدة ثلاثة أشهر” مؤكدا “ذلك غير مقبول بأي شكل من الأشكال”.
وأردف “بعد بضعة أشهر، سيكون لهم مطالب جديدة وسيقولون (مجدّدا) إنهم يريدون تفعيل آلية العقوبات”.
في أواخر آب/أغسطس، أطلقت بلدان الترويكا الأوروبية (أي بريطانيا وفرنسا وألمانيا) ما يعرف بآلية الزناد التي تتيح في غضون 30 يوما إعادة فرض العقوبات التي رفعت عن الجمهورية الإسلامية بعد الاتفاق المبرم معها سنة 2015.
وبعد الضوء الأخضر الذي منحه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لهذه الخطوة وإخفاق المساعي الروسية والصينية الجمعة إلى تأجيل المهلة الأخيرة، سيعاد ليل السبت الأحد فرض عقوبات قاسية على إيران، من حظر على لأسلحة وتدابير اقتصادية، ما لم يطرأ اختراق غير متوقع في اللحظة الأخيرة.
واحتجاجا على هذه التطوّرات، استدعت طهران سفراءها في فرنسا وألمانيا وبريطانيا “للتشاور”، وفق ما أفاد الإعلام الرسمي الإيراني السبت.
– عودة المفتّشين –
وتكثّفت هذا الأسبوع الاجتماعات على أرفع المستويات على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، خصوصا مع لقاء بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان، في مسعى للتوصّل إلى تسوية بشأن العقوبات وإبرام اتفاق جديد.
غير أن الأوروبيين اعتبروا أن إيران لم تقم بـ”الإجراءات الملموسة” المرتقبة منها.
ووضعت الترويكا الأوروبية ثلاثة شروط تشمل مطالبة الجمهورية الإسلامية بمنح مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وصولا كاملا إلى المنشآت النووية الأساسية واستئناف المفاوضات لا سيّما مع واشنطن، فضلا عن اعتماد آلية لضمان أمن مخزون اليورانيوم المخصّب.
وبعد تعليق العمل مع الوكالة الأممية إثر هجمات حزيران/يونيو، قبلت إيران مجدّدا في مطلع أيلول/سبتمبر بإطار جديد للتعاون مع الوكالة.
وأفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن استئناف عمليات التفتيش في بعض المواقع النووية هذا الأسبوع.
واتّهم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأميركيين والأوروبيين بـ”سوء النيّة”، مؤكّدا أن بلده “لن يرضخ أبدا للضغوطات”. لكنه ترك الباب مواربا للمفاوضات.
وأكّد الرئيس الإيراني من جهته أن بلده لن ينسحب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ردّا على الإجراءات المتّخذة في حقّه.
ويعتبر الإيرانيون، كما الروس والصينيون، إعادة فرض العقوبات على دولتهم غير قانونية. وسعت موسكو وبكين الجمعة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى تمديد الاتفاق النووي المبرم سنة 2015 والذي تنتهي صلاحيته في 18 تشرين الأول/أكتوبر لمدّة ستة أشهر، لإفساح مزيد من الوقت للجهود الدبلوماسية.
– “لا زناد” –
وفي ظلّ هذه التطوّرات، يخشى مراقبون أن تقرّر بعض البلدان، وأبرزها روسيا، النأي بنفسها عن قرار مجلس الأمن إعادة فرض العقوبات على طهران، وهي فرضية لمّح إليها الجمعة السفير الروسي المعاون في الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي.
وقال بعد تصويت المجلس على عدم اعتماد المقترح المدفوع من روسيا “لا زناد ولن يكون هناك زناد. وكلّ محاولة لإعادة إحياء القرارات المناهضة لإيران لمجلس الأمن المعتمدة قبل 2015 هي لاغية وباطلة”.
ومنذ سنوات، يشكّل الملفّ النووي مصدر توتّر بين طهران والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تتّهم الجمهورية الإسلامية بالسعي إلى التزوّد بالقنبلة الذرّية، وهو أمر تنفيه إيران.
وشنّت إسرائيل هجوما واسعا على إيران في حزيران/يونيو الماضي استهدف منشآت عسكرية ونووية ومواقع مدنية. وتدخّلت الولايات المتحدة في الهجوم عبر قصف ثلاث منشآت نووية رئيسية.
وفي العام 2015، أبرمت فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وروسيا والصين اتفاقا مع طهران ينصّ على الإشراف على الأنشطة النووية في مقابل رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية.
وقرّرت الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق سنة 2018 إبّان ولاية ترامب الرئاسية الأولى وإعادة فرض عقوباتها على طهران.
وبعد القرار الأميركي الأحادي، انعتقت إيران من بعض الالتزامات المنصوص عليها في الاتفاق، لا سيّما في ما يخصّ تخصيب اليورانيوم.
وشدّد الرئيس الإيراني في وقت سابق هذا الأسبوع من على منبر الجمعية العامة على أن “إيران لم تسع يوما ولن تسعى أبدا إلى تصنيع قنبلة ذرية. ونحن لا نريد أسلحة نووية”.
وتطالب الإدارة الأميركية طهران بالتخلّي عن أنشطة التخصيب. وبعد التراجع عن بعض بنود الاتفاق، رفعت طهران مستوى التخصيب وصولا إلى 60 %.
ابد-اب/م ن/لين