ترامب يتعهد بمساندة سوريا بعد لقائه مع الشرع
من ستيف هولاند ومات سبيتالنيك
واشنطن (رويترز) – تعهّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الاثنين ببذل كل ما في وسعه لإنجاح سوريا وذلك عقب محادثات مع الرئيس السوري أحمد الشرع، القائد السابق في تنظيم القاعدة الذي كانت واشنطن تفرض عليه عقوبات حتى وقت قريب.
وتوجت هذه الزيارة عاما مفصليا للشرع الذي انتقل من المعارضة المسلحة إلى سدة الحكم بعد الإطاحة ببشار الأسد ويقوم برحلات خارجية منذ ذلك الحين في محاولة لتصوير نفسه قائدا معتدلا يسعى إلى توحيد بلد وإعادة بنائه بعدما عانى من ويلات الحرب.
وكان الضغط من أجل رفع أكثر العقوبات الأمريكية صرامة بشكل كامل من بين الأهداف الرئيسية للشرع خلال زيارته واشنطن. وبعد عقد اجتماع مغلق مع ترامب، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية تمديد تعليق على قانون عقوبات قيصر لمدة 180 يوما، لكن رفع هذه العقوبات بشكل كامل مرهون بموافقة الكونجرس الأمريكي.
واستقبل ترامب الشرع في أول زيارة على الإطلاق يقوم بها رئيس سوري إلى البيت الأبيض، بعد ستة أشهر من أول لقاء بينهما في السعودية، وبعد أيام فقط من إعلان واشنطن أن القيادي السابق بتنظيم تابع للقاعدة لم يعد “إرهابيا عالميا ذا تصنيف خاص”.
ووصل الشرع إلى البيت الأبيض دون ضجة مثلما يحدث مع زيارات القادة الأجانب. ودخل من مدخل جانبي لم يره الصحفيون، بدلا من الباب الرئيسي للجناح الغربي حيث كانت تنتظره الكاميرات.
وقال ترامب للصحفيين إنه يعتبر الشرع “قائدا قويا” وعبر عن ثقته فيه. وأضاف “سنبذل قصارى جهدنا لإنجاح سوريا”.
لكنه أشار أيضا إلى ماضي الشرع المثير للجدل قائلا “كلنا مررنا بماض صعب”.
وقال الشرع في مقابلة مع قناة فوكس نيوز إن ارتباطه بالجماعة المسلحة أصبح أمرا من الماضي، مشيرا إلى أنه لم يناقش هذه المسألة خلال اجتماعه مع ترامب.
وأضاف الشرع أن سوريا تُعتبر الآن حليفا جيوسياسيا لواشنطن، وليست تهديدا.
ووعدت وزارة الخزانة الأمريكية “بمواصلة تخفيف العقوبات” وأعلنت عن قرار جديد يحل محل إعفائها الصادر في 23 مايو أيار بشأن فرض قانون قيصر لعام 2019، الذي فرض عقوبات واسعة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الأسد. ويمدد القرار على ما يبدو الإعفاء 180 يوما أخرى.
وتولى الشرع (43 عاما) مقاليد الأمور في سوريا نهاية العام الماضي بعد أن شنت جماعات من المعارضة المسلحة بقيادته هجوما خاطفا وتمكنوا في غضون أيام فقط من الإطاحة بالأسد في الثامن من ديسمبر كانون الأول.
ومنذ ذلك الحين، تتطور تحالفات سوريا بوتيرة مذهلة بعيدا عن حليفي الأسد الرئيسيين إيران وروسيا وباتجاه تركيا والخليج وواشنطن.
وكان من المتوقع أن تكون قضية الأمن على رأس المناقشات في الاجتماع بين الشرع وترامب، الذي سعى خلافا لتوجهات السياسة الأمريكية إلى مساعدة سوريا في المرحلة الانتقالية الهشة.
وتتوسط الولايات المتحدة في محادثات بين سوريا وإسرائيل بشأن اتفاق أمني محتمل. وذكرت رويترز أن الولايات المتحدة تخطط لإقامة وجود عسكري في قاعدة جوية في دمشق.
وقال وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى يوم الاثنين إن سوريا وقعت إعلان تعاون سياسيا مع التحالف الدولي لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
* مؤامرتان لاغتيال الشرع
قبل ساعات قليلة من الاجتماع التاريخي، قال مسؤول أمني سوري ومسؤول كبير في الشرق الأوسط إن سوريا أحبطت مؤامرتين منفصلتين لتنظيم الدولة الإسلامية لاغتيال الشرع في الأشهر القليلة الماضية.
وذكرت وسائل إعلام رسمية أن وزارة الداخلية السورية أطلقت مطلع هذا الأسبوع حملة تستهدف خلايا تنظيم الدولة الإسلامية في أنحاء البلاد، أفضت إلى القبض على أكثر من 70 مشتبها بهم.
ولم يوضح البيت الأبيض حتى الآن سبب وصول الشرع دون ضجة. فعادة ما ينتقل أغلب رؤساء الدول على متن سيارات إلى الممرات المزينة بأعلام بلادهم على الجانب الشمالي من المجمع الرئاسي. لكن لم يحدث أي شيء من هذا القبيل في اجتماع يوم الاثنين.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي كان موجودا أيضا في البيت الأبيض للقاء مسؤولين من إدارة ترامب، لوسائل إعلام تركية إنه تلقى دعوة للانضمام إلى جزء من الاجتماع.
وعقب الاجتماع، وجّه ترامب انتقادا حادا للنائبة الأمريكية مارجوري تايلور جرين التي قالت على منصة إكس إنها “تودّ حقا أن ترى اجتماعات متواصلة في البيت الأبيض بشأن السياسات الداخلية، لا السياسة الخارجية وزعماء الدول الأجنبية”.
وقال ترامب إن النائبة الجمهورية “ضلّت طريقها”، مضيفا “عليّ أن أنظر إلى الرئاسة باعتبارها موقعا يتعامل مع (قضايا) العالم… قد نجد أنفسنا في عالم مشتعل تصل فيه الحروب إلى شواطئنا بسهولة”.
ولدى مغادرة الشرع للمجمع الرئاسي، خرج من موكبه أمام البيت الأبيض مباشرة وحيا لفترة وجيزة مجموعة من المؤيدين المبتهجين الذين راح بعضهم يلوح بالأعلام السورية.
وكان من المتوقع أن يدعو الشرع بقوة إلى إلغاء قانون قيصر في خطوة ستسهم في تنشيط الاستثمارات العالمية في بلد أنهكته الحرب على مدى 14 عاما. ويقدر البنك الدولي أن إعادة الإعمار ستتطلب أكثر من 200 مليار دولار.
ودعا عدد من أعضاء الكونجرس المؤثرين إلى رفع عقوبات قانون قيصر لعام 2019، والتي صدرت ردا على انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الأسد. ويريد بعض الجمهوريين من أنصار ترامب إبقاء العقوبات سارية، لكن هذا الموقف ربما يتغير إذا مارس ترامب ضغوطا.
وخضع تماسك النسيج الاجتماعي السوري لاختبارات صعبة في الآونة الأخيرة، إذ أدى نشوب أعمال عنف طائفية إلى مقتل أكثر من 2500 منذ الإطاحة بالأسد، مما عمق جراح الحرب الأهلية وأثار تساؤلات حيال قدرة من تولوا السلطة على حكم كل السوريين.
ويأتي تركيز ترامب على سوريا في الوقت الذي تسعى فيه إدارته إلى الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، والمضي قدما في خطته المكونة من عشرين نقطة لإنهاء الحرب الدائرة منذ عامين في القطاع الفلسطيني.
* تحولات جذرية
لا يقل التحول الذي شهده الشرع نفسه جذرية عن التحول الذي تمر به سوريا. فقد انضم إلى تنظيم القاعدة في العراق إبان الغزو الأمريكي في 2003 تقريبا وقضى سنوات في أحد السجون الأمريكية هناك قبل أن يعود إلى سوريا لينضم لجماعة من المعارضة المسلحة المناهضة للأسد.
وفي 2013، أدرجت الولايات المتحدة الشرع، الذي اشتهر وقتها باسم أبو محمد الجولاني، في قائمة الإرهابيين بسبب علاقاته بتنظيم القاعدة. لكن الشرع أعلن قطع صلاته بالتنظيم في 2016 وبدأ بترسيخ نفوذه في شمال غرب سوريا.
وفي ديسمبر كانون الأول، ألغت واشنطن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات قد تفضي إلى إلقاء القبض على الشرع. وفي الأسبوع الماضي فحسب، رفع مجلس الأمن الدولي عقوبات متعلقة بالإرهاب مفروضة عليه وعلى وزير الداخلية أنس خطاب.
(إعداد مروة غريب وبدور السعودي وأميرة زهران ومحمود رضا مراد وحاتم علي ومحمد عطية للنشرة العربية)