البلدان المغاربية والمطلب الأمريكي
تحولت عواصم المغرب العربي الاسبوع الماضي الى محطات اساسية في استراتيجية الولايات المتحدة الامريكية في ما يسمى بالحرب على الارهاب.
وبعد روبرت ميلور مدير مكتب التحقيقات الامريكية (أف بي آي)، وصل رونالد رامسفيلد وزير الدفاع الى كل من تونس والجزائر والمغرب حيث اتضح أن محور الزيارة كان .. العراق!
“مكافحة الارهاب” كان الهمّ المعلن للعلاقات الامريكية المغاربية، إلا أنه يخفي في ثناياه هموما أخرى تقلق الادارة الامريكية أو هموما تقلق هذه العاصمة المغاربية أو تلك وتريد من علاقتها مع واشنطن “تعزيز موقفها” أو إضافة ورقة تأييد” لملفها.
وفي العادة، تكون التصريحات الرسمية في جولات المسؤولين العسكريين أو مسؤولي المخابرات ضبابية كما أنها تأتي – في أحيان كثيرة – بعيدة جدا عن حقيقة الملفات التي تكون قد فتحت على طاولة مباحثاتهم والنقاط التي تم الاتفاق على التعاون بشأنها.
قبل وصول ميلور ورامسفيلد إلى منطقة المغرب العربي، نشطت الاجهزة الامنية (كل بطريقته) لاظهار مخاطر عنف اصولي قادمة من الصحراء الكبرى تهدد دول المنطقة، وأبرزت وسائل الاعلام الرسمية وشبه الرسمية في كل عاصمة مغاربية تجيير هذه التهديدات لحساباتها السياسية وملفاتها وسعت إلى حث الادارة الامريكية على أخذها بعين الاعتبار.
في المقابل، اتضح أن لواشنطن حساباتها التي لا تخلخلها أو تبدلها حسابات الاخرين حتى لو كانوا من اقرب حلفائها أو من اكثر الحريصين على التعاون معها.
واذا كانت الولايات المتحدة قد استفادت من إبراز مخاطر وتهديدات الصحراء الكبرى من أجل دمج امكانيات الدول الافريقية المحيطة في حربها على الارهاب من خلال مناورات مشتركة (من المقرر ان تتكرر الربيع القادم)، فإن واشنطن – التي تدرك ألغام العلاقات الثنائية الاقليمية – خاصة العلاقات الجزائرية المغربية، وحساسيتها، قد نجحت في النأي بنفسها وبمخططاتها عن هذه الالغام والحساسيات.
لكنها لم تتمكن – على الرغم من ذلك – من تحفيز دول المنطقة المغاربية ودفعها إلى بلورة إطار مشترك لتنظيم التعاون الامني المغاربي الجماعي تحت المظلة الامريكية مثلما فشلت سابقا في ميدان الاقتصاد عبر مشروع إيزنستات للتبادل التجاري الحر، (وهو بالمناسبة فشل مماثل لما حصل مع فرنسا واسبانيا في ميدان السياسة)، حيث أخفقت في خلق إطار مغاربي – أمريكي مشترك واكتفت، حتى الآن، بعلاقات ثنائية مع كل منها.
المأزق العراقي ..
هم التعاون الامني الامريكي المغاربي كان محور جولة روبرت ميلور مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (اف. بي. اي) والمتمثل في محاصرة التيارات الاصولية المتشددة والتي تعتبرها واشنطن وايضا دول المنطقة مهددة لامنها واستقرارها ومصدرا للعنف، سواء كان ذلك من خلال الهجرة غير المسيطر عليها نحو اوروبا أو عبر التنسيق مع التيارات الاصولية في اوروبا التي اتضح أنها تستقطب من بين المهاجرين مقاتلين ينضمون للمقاومة المناهضة للاحتلال الامريكي في العراق.
ومع أن هذا الهم شغل ايضا جزءا من مباحثات وزير الدفاع الامريكي رونالد رامسفيلد في جولته (التي بدأها قبل ان يختتم ميلور جولته)، إلا أن الإهتمام الرئيسي في مباحثات رامسفيلد في تونس والجزائر والمغرب – على غرار مباحثاته الأخيرة في الرياض والقاهرة -، تمثل في المشاركة المغاربية في إخراج الولايات المتحدة من مأزقها العراقي.
وكان من المفاجئ لمن وضع الجولات الامريكية المغاربية في زاوية التهديدات القادمة من الصحراء الكبرى او تهديدات التيارات الاصولية المتشددة، تقليل وزير الدفاع الامريكي في تصريحاته من مخاطر ما يجري بالصحراء الكبرى من تحركات دون ان يهملها وذلك من خلال التنويه إلى أن كل منطقة غير محكومة مثل افغانستان قد تصبح قاعدة “للارهابيين”.
ومع ان وزير الدفاع الأمريكي عبر عن ارتياحه للتعاون القائم بين البلدان المغاربية في مجال مكافحة الارهاب وقال إن الجزائر وتونس والمغرب ملتزمة بعمل إيجابي يمليه “انشغالها” ببعض مشاكل العالم، إلا أنه أكد مقابل ذلك أن البلدان المغاربية “تتعاون أيضا مع الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب” وشدد على أن كلا من هذه البلدان “تعامل مع شؤونه الداخلية بكيفية تجعل احتمال تهديد تنظيم القاعدة ضعيفا جدا”.
“المظلة العربية” ..
يمكن القول بثقة أن الهم العراقي كان حاضرا بل ومحور جولة رونالد رامسفيلد من زاوية المشاركة المغاربية في الوجود العسكري المتعدد الجنسيات على أرض العراق في اطار مخطط امريكي بتخفيض عدد القوات الامريكية هناك وإعادة انتشارها للحيلولة دون أي احتكاك أو تماس مباشر بين هذه القوات والمواطنين العراقيين وعلى أن تكون القوات المغاربية، تحديدا الجزائرية والمغربية، جزءا من قوات عربية تتولى الأمن وملاحقة مناهضي الإحتلال الامريكي وضمان سيطرة الحكومة العراقية على الأوضاع الأمنية.
وحسب بعض المصادر الغربية، يقوم المخطط الامريكي يقوم على سحب القوات العسكرية الامريكية من وسط وجنوب العراق وحشد جزء منها في شماله على ان تنتشر قوات مغربية جزائرية في الوسط وقوات مصرية خليجية في الجنوب، وبذلك تضمن الولايات المتحدة نجاح مخططها باحتلال العراق وشرعنته عربيا وضمان مصالحها الامنية والاقتصادية بأقل التكاليف بعد أن حولته إلى دولة فاشلة وأخفقت في السيطرة عليه في ظل تصاعد حجم خسائرها البشرية والمالية دون أفق بالحد من المقاومة لاحتلالها مع احتمالية تصاعده أو امتداده إذا ما تصاعد توترها وأزمتها مع إيران حول الملف النووي للجمهورية الإسلامية.
وفي هذا السياق، يؤشر حضور جاك سترو وزير خارجية بريطانيا، الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في غزو العراق واحتلاله، في منتجع إيفران في الوقت الذي كان فيه رامسفيلد يجري مباحثاته مع العاهل المغربي الملك محمد السادس ثم متابعة سترو جولته المغاربية، إلى جدية الرغبة الامريكية (ومعها الرغبة البريطانية) في تأمين المشاركة المغاربية في احتلال العراق.
وترى أوساط مغربية استجوبتها سويس إنفو، أن هذه المشاركة (التي سوف تكون محفوفة بالمخاطر السياسية والامنية الداخلية كما أنها ستؤدي إلى مواجهات دموية بين المقاومة العراقية والقوات العربية المشاركة في الاحتلال) لا زالت مستبعدة في الوقت الحاضر.
وتوضح هذه الاوساط أنه “من المستبعد أن تتم هذه المشاركة بشكل انفرادي”، لذلك يبحث المغاربيون حاليا عن موقف مشترك تجاه مقترحات بهذا الشأن قد تطرح خلال القمة العربية المقرر عقدها في الخرطوم في شهر مارس المقبل، على أمل أن تكون الجامعة العربية “مظلة” للمشاركة المغاربية كمخرج من المأزق الذي وضعهم فيه رونالد رامسفيلد بعد أن كانت كل عاصمة مغاربية تأمل أن تجد في جولته مخرجا لها من مأزق أو أزمات تعيشها.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.