بعد 75 عاما قصص ووجوه لناجين من محرقة النازية

بمناسبة مرور 75 عاما على تحرير معسكر أوشفيتز النازي في بولندا الذي شهد عمليات إبادة في حق اليهود، التقى فريق من وكالة فرانس برس عددا من آخر الناجين من المعسكر كانوا انتقلوا للعيش في إسرائيل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ويتحدر هؤلاء من أوروبا، وقد أمضوا جزءا من طفولتهم أو مراهقتهم في معسكرات الموت، وفقدوا معظم أفراد عائلاتهم هناك.
تركت معسكرات الموت على الناجين الذين ما زال من الصعب تحديد عددهم أثرا لن يمحى طيلة حياتهم. اليوم، باتوا من آخر الشهود الأحياء من جحيم محرقة ألمانيا النازية التي أبادت بشكل منهجي نحو ستة ملايين يهودي، بمن فيهم مليون في معسكر أوشفيتز وحده.
وسيتم إحياء ذكرى في 23 كانون الثاني/يناير في القدس بحضور الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون، وسيتم الاحتفال في بولندا في 27 كانون الثاني/يناير.
في ما يأتي نبذات موجزة عن حياة ناجين مرفقة بفيديو وصور. الرقم المرافق للاسم هو الرقم الموشوم على ذراع كل شخص في معسكر أوشفيتز يوم دخله.
مالكا زاكين: رقم 79679
ولدت عام 1928 في اليونان.
تعيش مالكا زاكين في شقتها المتواضعة في تل أبيب محاطة بالدمى. تتحدث عن طفولتها بصوت طفلة وبخوف الطفلة التي انتزعوها من ذراعي والدتها. وتقول إن الدمى تذكّرها بسنوات طفولتها السعيدة قبل أن تعتقل في معسكر أوشفيتز.
ولدت مالكا لعائلة يهودية فيها سبعة أطفال. كان عمرها 12 عاما عندما سيقت الى معسكر الموت الذي واجهت فيه التهديدات بالقتل يوميا.
تمّ تشغيلها في طي ملابس اليهود الذين قتلوا في غرف الغاز. عندما تبدأ بالحديث عن الضرب والخوف اللذين عانت منهما، تـثقل الذكريات عليها، فتلجأ الى دميتها الأميركية شون، وهي الدمية “الأقرب” اليها، كما تقول، تضمها وتطمئنها وتهمس لها “لا تقلقي، لن يأخذنا الألمان”.
بعد الحرب مباشرة، عثرت على شقيقتين لها، لكنهما توفيتا بعد ذلك.
داني خانوخ: رقم B2628
ولد في ليتوانيا عام 1933.
شكلت قصة داني خانوخ موضوع فيلم وثائقي بعنوان “بيتزا في أوشفيتز” ظهر فيه مع أولاده خلال رحلة الى بولندا نظمها ليشرح لهم أين عاش جزءا من حياته.
يفاجىء خانوخ محاوريه بقدرته على إطلاق الدعابات والنكات والتورية البلاغية عن المحرقة بطريقة فكاهية غير نمطية.
وتعتلي وجهه ابتسامة ليشرح بهدوء “لا يوجد شيء في العالم يمكن أن تشتكي منه بعد أن تمرّ في أوشفيتز”. يستحضر مشاهد القتل والتعذيب التي شاهدها وهو طفل في جمل قصيرة.
بالرغم من المسحة الفكاهية والتهكم والسخرية، لا يمكن أن يخفي بشكل كامل آثار الجروح التي تركتها فيه سنوات العيش في “جحيم” أوشفيتز.
ويقول ضاحكا “أوشفتز يواصل العيش معي هنا في منزلي”.
بعد الحرب، عثر على أخيه أوري في إيطاليا، وانتقلا معا عام 1946 للعيش في فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني آنذاك.
دوف لانداو: رقم 161400
ولد في المجر عام 1928.
اعتاد دوف لنداو على الإدلاء بشهادته حول ما مرّ به في معسكر الاعتقال أوشفيتز خلال الحرب العالمية الثانية، وسافر مع أكثر من مئة وفد، بينها وفود مدرسية، الى أوشفيتز ليروي تجربته.
يروي قصته كما لو كانت فيلم رعب بدءا من اعتقال أسرته حتى إطلاق سراحه من معسكر بوخنفالد عام 1945 بعد مسيرة الموت التي قاد فيها الألمان عشرات الآلاف من الأسرى سيرا على الأقدام من معسكر أوشفيتز في بولندا الى معسكر بوخنفالد في ألمانيا ورأى خلالها نصف رفاقه يموتون في الطريق.
أمضى أسابيع عدة في معسكر بوخنفالد، ويحتفظ منه ببنطال الاعتقال المخطط الذي يبرزه وهو يبتسم قائلا إنه لم يعد على قياسه بعد أن زاد وزنه.
يتحدث لنداو بدون انفعال، ليتمكن من مواصلة السرد حتى النهاية من دون أن ينهار تحت وطأة الذكريات.
ويقول في شقته الصغيرة في تل أبيب التي تشبه متحفا صغيرا للمحرقة مليئا بالصور والوثائق وارشيف خاص، “عند الاعتقال قال لي والدي بأنهم سيبعدوننا عن بعضنا، ولن نلتقي ثانية. وضع يده على رأسي وقال لي: +سوف تنجو من هذا الجحيم وأنا أطلب منك شيئا واحدا: أن تبقى يهوديا+”.
ويفتخر بأن لديه الآن أحفادا كثيرين يعيشون جميعهم بالقرب منه في إسرائيل.
هيلينا هيرش: رقم A20982
ولدت في رومانيا عام 1928.
تتنقل هيلينا هيرش ببطء متكئة على جهاز “ووكر” يساعدها على المشي، لكنها تحافظ على ذاكرة جيدة، وتصف نفسها بأنها “بطلة”. وتقول هيرش، وهي الناجية الوحيدة من عائلتها من المحرقة، “إذا كنت على قيد الحياة اليوم، فهذا لأنني بطلة”.
وتعود بذاكرتها لتتحدث بالتفاصيل عن كيفية تخطيها معاناة معسكرات العمل القسري وبينها أوشفيتز الذي نقلت إليه عام 1944.
وتروي “في اللحظة التي كانوا يرسلون زملائي السجناء في المعسكر إلى غرف الغاز، كنت أذهب للاختباء في المراحيض الخارجية”، معتبرة أن بقاءها على قيد الحياة يرجع إلى مزيج من التصميم والحظ.
تعيش هيرش في شقة صغيرة في ضاحية بني براك في تل أبيب في الطابق الرابع من مبنى بدون مصعد. ولا قدرة لها على مغادرة شقتها. أمام زوارها القلائل، تحكي نضالها في زمن الحرب ضد الموت وما تسميه “انتصارا” على النازيين.
شمول إيسيك: رقم 117568
ولد في بولندا عام 1927.
لا يستطيع شمول إيسيك أن يحبس دموعه عندما يذكر والديه وشقيقاته الذين قتلوا بأيدي النازيين على الرغم من دعم زوجته وابنته وأحفاده، إلا أن جروحه لم تلتئم.
عاش إيسيك في بلجيكا لسنوات عديدة، قبل أن ينتقل الى إسرائيل. لسنوات، أخفى رقمه الموشوم على ذراعه في أوشفيتز. لكنه اليوم يبرزه بفخر رافضا إخفاء ماضيه المؤلم.
يتحدث شمول إيسيك بصعوبة كبيرة بعد أن تعرض لحادث سير تسبب له بمشاكل في النطق، لكنه يسعى بمساعدة زوجته سونيا أن يروي مراحل اعتقاله وانفصاله عن أسرته وهو ماض مؤلم يطارده ليلا نهارا.
على عكس بعض الناجين الآخرين، لم يذهب إيسيك لزيارة أوشفيتز بعد الحرب، وهو يتجنب قراءة الكتب حول هذا الموضوع. ويقول لوكالة فرانس برس “ليس بمقدوري أن أشرح ما حدث”.
نجا اثنان من إخوته أيضا من المحرقة.