بن صالح المرفوض شعبياً يعد بانتخابات “شفافة ونزيهة” في الجزائر

وعد الرئيس الجزائري الانتقالي عبد القادر بن صالح بتنظيم انتخاب رئاسي “شفّاف ونزيه” وتسليم السُلطة إلى “رئيس الجمهوريّة المنتخب ديموقراطيّاً” خلال مهلة 90 يوماً، وفق ما ينصّ عليه الدستور، كما جاء في خطاب ألقاه مساء الثلاثاء، لكنّ الشارع عبّر عن رفضه له باعتباره من نتاج نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي استقال قبل أسبوع.
وفي أوّل خطاب وجّهه إلى الأمّة بعد ساعت من تولّيه مهامه، التزم بن صالح بـ”إجراء انتخاب رئاسي شفاف ونزيه” و”تسليم السُلطات إلى رئيس الجمهورية المنتخب ديمقراطيّاً، وذلك في ظرف زمني لا يمكن أن يتعدّى التسعين يوماً اعتباراً من تنصيبي بصفة رئيس الدولة”.
وقال إنّ “إقبال الشّعب على إرساء اختيار، بحرّية وسيادة، على ما يُريده، سيُمكّننا من تنصيب رئيس جديد للجمهورية في الأجل الدستوري. والاختيار هذا سيكون اختياراً حرّاً بقدر ما تكون ممارسته في ظروف يسودها الهدوء والرصانة والثقة في ما بيننا”.
وتابع “أملي هو أن نُنصّب قريباً رئيساً جديداً للجمهورية يتولّى، ببرنامجه، فتح المرحلة الأولى من بناء الجزائر الجديدة”.
وبينما كان بن صالح يتسلّم مهامه ويلتحق بمكتبه في رئاسة الجمهوريّة، كان آلاف الطلاب يتظاهرون في وسط العاصمة الجزائريّة وفي مدن أخرى عدّة، مردّدين “بن صالح إرحل” و”النظام إرحل”.
وللمرّة الأولى، استخدمت الشّرطة قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق الطلاب الذين اعتادوا على التظاهر كل يوم ثلاثاء دون تسجيل أحداث.
-“مهمة ظرفية”-
ويرفض الجزائريّون الذي يتظاهرون بأعداد ضخمة كلّ يوم جمعة للمطالبة برحيل “النظام” توَلّي بن صالح (77 سنة) رئاسة الدولة في المرحلة الانتقاليّة، كما يرفضون كلّ وجوه النظام الذي أسّسه بوتفليقة خلال أربع ولايات رئاسية.
وبعد أن حيّا بن صالح في خطابه الذي دام 15 دقيقة، المشاركين في “المسيرات السلميّة” منذ 22 شباط/فبراير، طمأنهم إلى أنّ “مهمّته ظرفيّة” فرَضها الدستور.
وقال “أنا عازم على القيام بها بتفانٍ ووفاء وحزم، خدمةً لمصلحة شعبنا الأبيّ وإسهاماً منّي في تجسيد تطلّعاته المشروعة والمسموعة”.
وأعلن بن صالح عزمه على “إحداث هيئة وطنيّة جماعيّة، سيّدة في قرارتها، تَعهَد مهمّة توفير الشروط الضرورية لإجراء انتخابات وطنيّة شفّافة ونزيهة” وذلك بالتشاور مع “الطبقة السياسيّة والمدنيّة المواطنية”، على أن يكون ذلك “من باب الأولويّة والاستعجال” على حدّ قوله.
وقام بوتفليقة، قبل استقالته، بحلّ اللجنة الانتخابيّة المستقلّة التي كان يُفترض أن تنظّم الانتخابات الرئاسية في 18 نيسان/أبريل. وكانت هذه اللجنة محلّ انتقاد من المعارضة.
وبعد مناوشات بين المتظاهرين ورجال الشرطة في ساحة البريد المركزي والشوارع المحيطة بها، تفرّق الطلاب وخلَت الشّوارع في حدود الساعة 18،30 (17،30 ت غ) إلا من مجموعة صغيرة كانت لا تزال تتنقّل من مكان إلى آخر تحت مراقبة الشرطة.
ودعت منظّمة العفو الدولية في بيان، السلطات الجزائرية الى “احترام حق التظاهر السلمي كما يضمنه الدستور”.
وتظاهر الطلاب أيضاً في قسنطينة وعنابة (شمال شرق)، كما شهدت مدن عين تموشنت والمسيلة والشلف تجمعات، بحسب الموقع الإخباري “كلّ شيء عن الجزائر”.
وحكم بوتفليقة (82 عاما) الجزائر لنحو 20 سنة، بينها سبع سنوات وهو مريض بعد إصابته بجلطة في الدماغ عام 2013. وفجّرت رغبته بالترشّح لولاية خامسة، في الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 نيسان/أبريل، على الرّغم من مرضه، تظاهراتٍ حاشدة ورفضاً واسعاً.
وبعد أكثر من شهر من التظاهرات غير المسبوقة في كل أنحاء البلاد، اضطرّ بوتفليقة إلى الاستقالة في الثاني من نيسان/أبريل تحت ضغط الشارع وضغط الجيش الذي طالب بتنحّيه الفوري.
وصباح الثلاثاء أخذ البرلمان الذي اجتمع بغرفتيه، مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني، في قصر الأمم بنادي الصنوبر في العاصمة “علماً بتصريح المجلس الدستوري المتعلّق بإعلان الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية تبعاً لاستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة”.
ومباشرةً بعد تنصيبه، قال بن صالح “فَرَضَ عليّ الواجب الدستوري في هذا الظرف تحمُّل مسؤولية ثقيلة”، آملاً في “تحقيق الغايات والطموحات التي ينشدها الشعب الجزائري”.
وبحسب الدستور، وفي حال شغور منصب الرئاسة، يتولّى رئيس مجلس الأمة “مهام رئيس الدولة لمدّة أقصاها 90 يوما، تنظّم خلالها انتخابات رئاسية. ولا يحقّ لرئيس الدولة المعيّن بهذه الطريقة أن يترشّح لرئاسة الجمهورية”
– الشارع يرفض –
ويرفض المتظاهرون الجزائريون أن تتولى شخصيات مرتبطة ببوتفليقة وعلى رأسها بن صالح قيادة المرحلة الانتقالية، وهو الذي يشغل منصب رئيس مجلس الأمة منذ 2002 وكان قبل ذلك رئيسا للمجلس الشعبي الوطني.
كما قاطعت أحزاب المعارضة جلسة البرلمان رافضة المشاركة في ترسيم رئيس الدولة الجديد، ومطالبة بالإصغاء لمطالب الشعب.
ورفعت التظاهرات الحاشدة التي نُظّمت في يوم الجمعة السّابع، شعار رفض “الباءات الثّلاثة”، في إشارة إلى عبد القادر بن صالح، ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، ورئيس مجلس الوزراء نور الدين بدوي.
وإزاء رفض الشارع، اقترحت صحيفة “المجاهد” القريبة إجمالاً من السُلطات إزاحة بن صالح.
وكتبت الثلاثاء “هذه الشخصيّة (…) غير مقبولة ليس فقط من حركة المواطنين التي تطالب برحيلها فوراً، إنّما أيضاً من المعارضة وقسم من ممثلي الأحزاب السياسية التي تشكل الغالبية في غرفتي البرلمان”.
وتساءلت “ما الذي سيفعله بن صالح في مواجهة الغضب الشعبي؟ هل سيأخذ علماً بالمعارضة القوية ويستقيل ويترك المكان لشخصيّة أخرى أقلّ إثارة للجدل لقيادة الفترة الانتقالية القصيرة؟”، أو “سيبقى في مكانه باسم احترام الدستور؟”.
لكنّ رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، الرجل القوي في الدولة، يصرّ على أن تتم خلافة بوتفليقة في إطار أحكام الدستور. بينما يطالب المحتجون بالخروج عن إطار الدستور وإنشاء مؤسسات انتقالية يمكنها إطلاق إصلاحات عميقة وتنظيم انتخابات حرّة.
وحتّى قبل تنصيب بن صالح رئيساً للدولة، طالب مراد، المقاول البالغ 50 سنة، باستقالته “فهذا صوت الشعب ولا بدّ أن يحصل على ما يريد”، على حدّ قوله. وأشار إلى أنّه سيتظاهر يوم الجمعة مع ابنتيه، مضيفاً “هُما لا تعرفان معنى الديموقراطيّة (…) وأريد أن أعلّمهما ما هي الحرّية”.