مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تجربة مبتكرة بين إعلاميين سويسريين وأفارقة

تواجه الصحف السويسرية عادة صعوبات جمة لإثارة اهتمام القارئ العادي بقضايا البلدان الإفريقية ودول الجنوب عموما Keystone

تزامن الإحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة هذه السنة، مع إطلاق تجربة جديدة في العمل الإعلامي، احتضنتها "دار الإعلام" بمدينة لوزان يوم 3 مايو الجاري.

وتتمثل التجربة في جمع عشرات الصحفيين من سويسرا ومن بلدان جنوب الصحراء، لخوض مغامرة إعلامية غير تقليدية لقيت التشجيع من بعض المؤسسات الإعلامية السويسرية المستقلة والوكالة السويسرية للتنعاون والتنمية.

تتلخص المبادرة في تكوين فرق من الإعلاميين السويسريين والأفارقة، في نفس الوقت وتكليفهم بإنجاز ريبورتاجات أو ملفات تمتد لأسبوع أو لأكثر حول قضايا تمس الرأي العام السويسري والإفريقي على السواء.

والغرض من هذه التجربة من ناحية، تأكيد أهمية النظر إلى الموضوع الواحد من وجهات نظر مختلفة ومن طرف صحفيين ومذيعين ذوي خلفيات ثقافية وحضارية متباينة، ومن ناحية أخرى، إبراز الروابط المتينة بين هذين العالميْن ووضع أسُـس لشراكة إعلامية تصُـب في مصلحة البلدان الإفريقية وتنميتها وتحقيق تعارف أفضل بين الشمال والجنوب.

وفي هذا السياق، يقول دانييل فارموس، رئيس وكالة infosud للأنباء، “قبل الشروع في التفكير في هذه التجربة، كان التركيز على الجانب النظري عند تناول مسألة العلاقة بين الشمال والجنوب، وظل السؤال: كيف يمكن التعبير عن هذا التنوع والاختلاف الذي نعيشه؟ وكيف يمكن إيجاد الأشخاص الذين يعبّرون تعبيرا صادقا عن قضايا مجتمعاتهم، دون مجاملة لهذه الجهة أو تلك؟ وها نحن نجد الصيغة المناسبة، وهي العمل على نفس المحور بالتزامن بين إعلامِـيَـين ينتميان إلى عالمين مختلفين، وفي حالتنا هذه، إعلامي سويسري وآخر إفريقي”.

وقد لاقت هذه المبادرة القبول والاستحسان لدى منابر إعلامية كثيرة، حيث لبّى الدعوة صحفيون سويسريون وأفارقة يعملون في وسائل إعلام متنوعة المشارب والتخصصات في الكنفدرالية وفي عدد من البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء.

متطلبات التجربة

ولأن التجربة في بدايتها، خُـصِّـص اللقاء الأوّل لتحديد المواصفات المنهجية للعمل المطلوب انجازه، فقدم روجي دو ديسباخ Roger de Diesbach، عميد الصحفيين والرئيس السابق لإدارة تحرير صحيفة لاليبرتي والمتخصص في الشؤون الإفريقية، محاضرة عـدّد فيها الشروط التي يجب مراعاتها لكي تُـحقق العملية الأهداف المرجوة، ومنها “أنه لا يجب البحث عن التقارب، بل إبراز الاختلاف والتنوع وأن يحافظ العمل على بُـعد الإثارة هنا وهناك وأن نهتم بالتفاصيل اهتماما بالأسئلة الكبرى، ويجب أن يُـوحي العمل للقارئ أو المستمع بأنه نتاج عالَـمين ورُؤيتين، وليس حصيلة توافق وتراضي”.

ولم يفت المحاضر أيضا الإشارة إلى أن عملَ استكشافي مثل هذا، “لا يجب أن تحكمه انتظارات مسبقة، بل يجب أن يتميّـز بالمُـرونة، فتتغيّـر المنهجية والرؤية، بحسب ما تقتضيه متطلبات الموضوع وظروف العمل”.

ومن أجل أن يتم التوصل إلى نتائج تتَّـسم بالحركية والحياة، يقترح أن “يكون العمل ميدانيا وأن تُـعطى الكلمة للناس العاديين ويؤخذ رأي الجهة والجهة المقابلة، كالسلطات والنقابات والعمال وأصحاب العمل والمناصرين والمعارضين، وأن يظل الإعلاميون على حياد”.

وأما مارتان فاي، أستاذ بمدرسة الصحافة بداكار والمدير السابق للإذاعة الوطنية بالسينغال، فتحدّث عن البيئة الاجتماعية والسياسة التي تحيط بعمل الصحفي في إفريقيا، وخاصة المَـخاطر التي تعتَـرض الإعلامي المتخصِّـص في مجال التحقيق الصحفي، وذكّـر بأن خمسة من الصحفيين الأفارقة الموجودين بيننا قد عاشوا تجربة السِّـجن، وآخرين فرّوا من بلدانهم تحت التهديد بالقتل.

ويقول “هذه البيئة لا تُـتيح للصحفي الوصول بسهولة إلى المعلومة، وإذا حاول القيام بذلك، تنصب عليه الضغوط من جانب العائلة والإدارة والسلطات، وإذا ما أصرّ في الذهاب أبعد من ذلك، يكون قد تجاوز خطوطا حمراء، ويؤدّي به ذلك إلى السِّـجن، وربما إلى القبر”.

لكن الأهم من ذلك، بحسب المحاضر، هو “ما تشكو منه الصحافة الإفريقية من قلة الإمكانيات وغياب الاحتراف، لأنه من النادر وجود صحفي قد تابع دراسة متخصصة، بالإضافة إلى غياب الضمير المِـهني عند البعض، إذ هناك من الصحفيين، في ظل غياب الإمكانيات وتدنِّـي الأجور، من يَـعرِض أعماله للبيع ويتاجر بالحقيقة، والبعض الآخر، لا يحترم سرية مصدر المعلومة، ومنهم من ينتهك، بعمله غير المنضبط، الحرية الفردية، ومن يدفعه جهله بقواعد المهنة إلى تعريض نفسه للمتابعات القضائية”.

في مقابل هذه المصاعب، يعي الإعلامي الإفريقي دوره الريادي في إصلاح الأوضاع في القارة السمراء، وفي ترشيد الحكم ونشر المعلومة، وفي إشاعة قيم الديمقراطية المبنية على المعرفة والشفافية.

لكل طرف حساباته

رغم اندفاع المشاركين في هذه التجربة، فإن أهداف الطرفين تبدو متباعدة، فالأفارقة يبحثون عن دعم مادّي ولوجستي وعن غطاء عالمي، يوفّر لهم الحماية ويمكِّـنهم من أداء عملهم دون ضغوط ومضايقات، ويسعون إلى إرساء شراكة دائمة ومتواصلة تُـوفر لهم نافذة للانفتاح عن العالم الخارجي، أما الطرف السويسري، فيبدو كعادته متحفِّـظا ويمتلكه شعور بصعوبة نشر وترويج ما سينبثق عن هذه التجربة من أعمال، نظرا لغياب الاهتمام بقضايا القارة الإفريقية، ولتزامن هذه التجربة أيضا مع سنة الانتخابات البرلمانية، التي يبدأ التحضير لها مبكرا، وتنفرد بالساحة الإعلامية لمدة شهور، ولذلك، يميل السويسريون إلى التعاون عن بُـعد، وذلك من خلال الاستفادة من هذه العلاقة كلَّـما اقتضَـت الضرورة وحدث ما يستوجب الاستعانة بالطرف الآخر.

ولقد وقَـع الاتفاق في النهاية، على اختيار محاوِر العمل، وعلى كل محور، يشتغل صحفي سويسري وصحفي إفريقي، وسينجز كل طرف عمله بشكل فردي في البداية، وفي غضون أسابيع أو أشهر، يلتقي الطرفان من جديد، وهذه المرة في بلد إفريقي، لاستكمال عملهم والاتفاق على طريقة نشره وتوزيعه، ومن المنتظر أن تُـنشر وتُذاع هذه الأعمال مُـباشرة بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية، التي ستُـنظم في سويسرا في شهر أكتوبر القادم.

وأما محاور العمل، فهي تعكس انحيازا كاملا للقضايا التي تشغل الرأي العام السويسري، في حين غابت هموم القارة الإفريقية، ولذلك، علّـق أحد الصحفيين الأفارقة قائلا: “نريد تعاونا لا توظيفا، ونريد شراكة صادقة تخدم مصلحة الطرفين”، ومثل هذا الأمر يثير السؤال حول قدرة هذا الخطاب على الانفكاك من عقدة التفوّق ومركزية الذات.

وربما يعود الارتباك، الذي واكب أعمال هذه التظاهرة وغياب البرنامج التفصيلي، فضلا عن غموض الأهداف والغايات، إلى غياب التحضير المسبق لهذه المبادرة وعدم دراسة جدوى المشروع وحجم التكلفة المادية التي يتطلبها، وهذا أمر يخالف ما عُـرف عن المؤسسات السويسرية من تروّي وتأنِّـي في معالجة القضايا.

عبد الحفيظ العبدلي – لوزان

يشارك في هذه التجربة الإعلامية أكثر من عشرين صحفي، نصفهم من سويسرا والنصف الثاني من دول افريقية مثل بوروندي والكامرون وإفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسينغال.

تشكَّـل الإعلاميون المشاركون في هذه التجربة، في ثمان مجموعات مختلطة من السويسريين والأفارقة.

تأسست وكالة infosud للأنباء سنة 1989، ونشرت منذ ذلك الحين 14.000 مقال صحفي حول بلدان الجنوب، 13.000 مقالة منها ُنشرت قبل حوادث سبتمبر 2001.

يخصص الإعلام السويسري 2% فقط من تغطيته الإعلامية للقضايا التي تخص 80% من سكان الكرة الأرضية.

يبلغ المرتَّـب الشهري للصحفي في دول جنوب الصحراء، ما يعادل 200 فرنك سويسري.

حصل هذا المشروع على تمويلات من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، ومن برنامج التكوين المستمر للإعلاميين بلوزان.

الأطراف السويسرية المشاركة:

تييري سافاري Thierry Savary من راديو فريبورغ،
كلود ديفاغو(Claude Defago) من راديو شابلي،
فانسان بوركين Vincent Bourquin، من صحيفة 24 ساعة،
ماغالي غوماز Magaly Goumaz، من صحيفة الحرية Liberté،
رافائيل بوشي (Raphaele Bouchet)، من صحيفة le Courrier
فالري كيرنن (Valery Kernen)، من الإذاعة السويسرية الناطقة بالفرنسية.

أما من الجهة الإفريقية، فيشارك في هذا البرنامج كل من:

ماتياس مانيراكيز ( Matthias Manirakiza)، مدير محطة إذاعة إيساجانيرو ببوجانبورا،
آليكسي ساندوهيج Alexis Sinduhije، مدير إذاعة جمهورية بوروندي، وسيسموندي بارليف Sismondi Barlev، من هيئة الإذاعة والتلفزيون الكاميرونية،
نويلا لوزيتا (Noella Luzita)، من إذاعة كينشاسا بجمهورية الكونغو الديمقراطية
إبراهيما سيسي (Ibrahima Cissé)، مراسل وكالة الأنباء السويسرية بداكار مارتان فاي Martin Wey، أيضا من السينغال.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية